"محمد غناش" وعلاقة الفن بالمورث الشعبي
عكست أعماله تجربته الخاصة بالحياة مع فنه وحياته القريبة من نماذجه التي زرعها في لوحاته وأعماله، حيث مع فرشاته تجد عشقه على الحياة القائمة منذ القديم على ضفاف النهر والبادية.
هكذا التصقت لوحاته بما حوله من موضوعات شعبية في فن شعبي وفي أسلوب واقعي بدائي استمده من روح العادات والتقاليد المحافظة لصياغة فن محلي أصيل.
موقع"eDamascus" وللحديث عن تجربة الفنان التشكيلي "محمد غناش" التي ارتبطت ومنذ طفولته بالمورث الشعبي والذي جسده بطريقته الخاصة، التقينا بالفنان التشكيلي "جميل بيرم" وهو صديق "غناش" منذ الصغر ورفيق دربه الفني، حيث قال: «"غناش" يسبح في جو شاعري قديم، وحركة يده تعزف الأنغام البدوية احتفاءً بالتوتر واللون، وجو لوحته تركب المساحات البيضاء مباشرة في معالجة صحراوية صافية، مما أعطى للوحة برودة دائمة وكثرى في التماسك والتكوين، إن هذا العالم الشعبي اندثر منه الجزء الكبير وبقيت بعض خيوط أجزائه في مخيلة الفنان "محمد غناش" الملتصقة بريشته وبتراثيات منطقته البعيدة عن دوائر النور والعلم وصور التقدم ناقلاً إياها بواقعية تقربها من الفوتوغرافية، وقد قدم صور عديدة على صورة اللوحة الشعبية وهي العائدة بالماضي الممزوج بالإعياء والتعب».
فيما حدثنا الفنان "محمد غناش" لمحة عن بدايته بهذا الفن الشعبي، حيث قال: «الحقيقة لكل موهبة جذور تخلق مع الإنسان منذ طفولته، وتنمو هذه الموهبة من خلال الدراسة والاطلاع والإحساس بالواقع المحيط لهذا الإنسان الكائن، وبدايتي الفنية منذ الصغر، وأثناء دراستي الابتدائية حيث كانت موهبتي في مجال الرسم الشغل الشاغل في تفكيري عندما كانت تلك الموهبة ترى الرعاية والاهتمام من الذين يرون رسوماتي المخطوطة على أوراق دفتر الرسم متجاوزاً كل حدود المألوف في واقعنا الاجتماعي والإنساني آنذاك».
وأضاف "غناش": «كان لبعض المدرسين فضل من خلال تشجيعهم المباشر لأعمالي الفنية حيث تكونت لدي شخصية ما تتفوق على تلك المدلولات التي تنبع من إحساس مرهف وخطوط تجاوزت كل الصعوبات».
وأشار "غناش": «اطلاعي على المدارس الفنية كون لي حافزاً أكثر وعياً لمدلولات ومكنونات اللوحة الفنية البيضاء راسماً على صفحتها الألوان الدافئة والحنونة لبيئة نشأت وترعرعت فيها، وخلال دراستي في المرحلة الجامعية بكلية الفنون الجميلة في "دمشق" اطلعت أكثر ورسمت الموضوعات التي لا تختفي من مخيلتي عن بيئتي وتراثي الذي يرافقني بكل حنان على صفحة اللوحة البيضاء، و التي تكونت لدي من خلال المدارس الفنية التي درستها، وأنا أنتمي إلى المدرسة الواقعية التعبيرية التي تتجلى برسم الواقع الذي أعيش فيه بصدق وأمانة متجاوزاً كل ماهو سلبي، راسماً كل مواضيعي التي تبحث عن الإيجابية في تلك البيئة الجميلة الرائعة وانتمائي إلى هذه المدرسة لايعني التعصب».
وسألنا "غنوش"،كل فنان له خصوصية ونهج فني يسير عليه فما هي أبرز القواعد التي تعمل على أساسها؟، فأجاب قائلاً: «من المفترض أن يكون لكل فنان خصوصية ونهجاً يسيرعليه، لأن الفنان الذي لا يمتلك خصوصية ونهجاً ليس له هوية، وهذا يجعلنا ندرس المواضيع بكل جدية ودراية من أجل إيصال العمل الفني للمتلقي بوضوح بعيداً عن الغموض والابتذال، ويجب أن تكون هناك قواعد مدروسة للعمل الفني الذي نضعه أمام أعين المشاهد والمتلقي، وبالنسبة لي هناك العديد من الأمور أضعها في اعتباري عند القيام برسم العمل الفني، منها البيئة التي أعيش فيها والبيوت التي أسكن بداخلها والأشخاص الذين أتعامل معهم وموقع الشمس بالنسبة لطبيعة البيئة الموجود فيها، فهذه الأمور مجتمعة هي التي أعمل من خلالها لإبراز عملي الفني ضمن إطار اللوحة البيضاء».
وعن الأسلوب الذي يستخدمه في صياغة مفرداته بما يخدّم الموضوع الذي يتطرق له من خلال لوحاته التي تمتاز بموسيقا بصرية تسمعها العين، أجاب: «الأسلوب الذي أستخدمه في صياغة العمل الفني هو أسلوب السهل الممتنع، أي عند دراستي للعمل الفني أقوم بوضع اللوحة وتحديد الأبعاد والتكوين المراد رسمه من خلال ذلك الموضوع المراد، وجميع أعمالي تتناول الموروث الشعبي، أي أنني أقوم برسم الموجودات من لباس وحلي وهباري وأزياء تعايشت معها زمناً طويلاً، ووضع تلك المكنونات والدلائل على اللوحة من خلال الخطوط والألوان التي تُبرز بوضوح ضمن اللوحة، مما تجعل اللوحة تتناغم بموسيقا بصرية جميلة تتراءى للمتلقي بحس جمالي بدون تشويش للعين أثناء مشاهدة اللوحة الفنية، حيث تدخل إلى قلب المتلقي بكل يسر ودفء».
وسألنا "غناش"، حالياً تشهد "سوريا" حركة فنية شبابية مميزة كيف تقيّم هذه الظاهرة؟ فأجاب: «الحركة الفنية الشبابية رفدت الحركة التشكيلية "السورية" بأسماء عديدة ومهمة من هؤلاء الشباب، وما المعارض التي تقام لهم إلا لدفع مسيرتهم إلى الأمام، ولأعمال شبابنا أثر بالغ في حركتنا الفنية، وأتمنى وعبر منبركم هذا لشبابنا الاستمرار وتقديم أعمال فنية تتناسب مع الأوضاع التي تحيط بنا على ساحتنا العربية والعالمية».
الجدير بالذكر، الفنان "محمد غناش" من مواليد "الميادين" 1952، وهو خريج كلية الفنون الجميلة "دمشق"، عضو نقابة الفنون الجميلة في "سوريا"، عضو اتحاد الفنانين التشكيليين العرب، شارك في الندوة الدولية لتاريخ العلوم عند العرب في "دير الزور" والندوة الدولية لإحياء التراث عند العرب في جامعة "حلب"، مشارك في المعارض الجماعية لفناني "سوريا"، أعماله مقتناة في "سوريا" وبعض الدول العربية و الأجنبية، حاز على الدرع الذهبي من جامعة "الإمارات العربية المتحدة"، وحاز على الدرع الذهبي من معرض المقاومة في "بيروت".