مسرح الطفل في "حلب" وذاكرة المشهد التمثيلي
الأحد 06 شباط 2011
يشكل المسرح في حياة الطفل أهمية كبيرة فهو الأرضية التي يمكن أن تتدرج فيها مستويات عديدة ليرتقي بها من دقائق الحياة المعيشة إلى أعلى الرموز الإنسانية المثالية، ويعمل على تنامي الذوق الفني والجمالي والحس النقدي لديهم.
وكان لـمدينة "حلب" ظواهر ثقافية عديدة قد رفدت بين دفتيها العديد منها ومن أبرزها نشوء مسرح الطفل الذي عمل عليه الفنان "غسان مكانسي" و"نادر عقّاد" تلك كانت البدايات التي انطلق منها مسرح الطفل وللحديث عن نشأة مسرح الطفل التقى موقع eAleppoالممثل والمخرج المسرحي "رضوان سالم" الذي بدأ حديثه قائلاً: «حينما تشكل مسرح الطفل بـ "حلب" لم تكن هناك قاعدة أساسية، لكن العديد من الفعاليات الثقافية أفرزت مطالب عدة ومن بينها مسرح الطفل الذي أسس عن طريق مديرية المسارح حينما كنت فاعلاً بها وبالتعاون مع مدير المسرح القومي، والتي سبقتنا بذلك منظمة طلائع البعث عندما ساهمت أيضاً بنشوءه حينما قدمت العديد من الفقرات التمثيلية في المناسبات الرسمية.
ففي عام 1997 كانت العديد من الأعمال المسرحية قد عرضت في مهرجانات المحبة والسلام وكانت مشاركتي قد بدأت بالمهرجان الرابع فقدمنا طلب لمديرية المسارح وتمت الموافقة عليه وبدأنا نقدم في كل عام عملاً واحداً».
إن المسرح وبشكل عام يجب أن يرتكز على شرطين أساسيين ليكون رسالة هادفة وبالدرجة الأولى وحول هذان الشرطان أجاب "سالم": «هي الفائدة والمتعة وهما شرطين أساسيين لكي نستطيع أن نطلق عليه اسم مسرح، وإن غاب أحد الشرطين فقد أهميته التثقيفية، فإن وجود الفائدة من غير وجود المتعة تحول العمل إلى سرد كلامي، وإن وجدت المتعة دون وجود الفائدة تحول العمل إلى سيرك، فمثلاً ومن خلال زيارتي إلى "روسيا" وجدت في مدينة "موسكو" سيركاً واحداً بينما رأيت فيها 200 مسرح للطفل، لذلك فإن العديد من البلدان تقاس تقدمها بما تحوي من أعداد المسارح الموجودة فيها».
والطفل بشكل عام وفي خلال مراحل نشوء بنيته يحتاج للعديد من الثقافات التي تساعده على تطوير بنيته الثقافية فماذا يستطيع المسرح أن يقدم له تحدث "سالم": «فهو يريد وباستمرار أن يرى أشكالاً جديدة على ساحته
الثقافية ليتفاعل بها ولينقل دائرة تعلميه من مدرسته لينطلق بها إلى عالم آخر يمكن أن تكوّن جزءاً من ثقافته التي يسعى إليها، فالحوار والمشاركة والمعلومة الجيدة والتفاعل مع نصوص الحوار المقدم ضمن المسرحية ومشاهدة الممثلين والتكلم معهم يساعدهم وبشكل خاص على فتح آفاق جديدة لم يعدها من قبل، ومما ألحظه في الفترة الأخيرة بأن أسر الأطفال بدؤوا يمتلكون الوعي باتجاه هذا الفن من خلال اهتمامهم بالجانب المسرحي وإن قُدم عمل مسرحي واحد للكبار فإننا نحتاج من عشرين إلى ثلاثين عمل يقدم للصغار أيضاً».
ومن المهتم في هذا الشأن قد وجد بالفترة الأخيرة نشاط العديد من مسارح الأطفال في المناسبات وخصوصاً في أيام العطل الانتصافية فلماذا غاب المسرح في بقية أيام السنة قال "سالم": «لقلة المتنزهات وخصوصاً في فترة الشتاء فأصبحت عادة بين فصلي الدراسة، وفي كل سنة تقام العديد من المسرحيات، والمسرح بشكل عام ينقسم لنوعين مسرح الصغار للصغار وتقوم عليه منظمة طلائع البعث، ومسرح الكبار للصغار يتم فيه تقديم موضوعات مفيدة، لكن الأهمية تكمن في مسرح الصغار للصغار، فإنه يستنزف الكثير من الوقت من خلال تعليم الصغار وتدريبهم ويحتاج لوجود جيش من العاملين والممثلين والموسيقيين، فالجملة اللحنية المخصصة للطفل هي جملة قصيرة، رقيقة ومعبرة وسريعة ولها العديد من المقامات التي تغيب عن استيعاب الكبار لها، ناهيك عن التحضيرات التي تستلزم عمليات تجهيز الديكور من أشجار واختيار الألوان الجيدة وإحضار ممثلين من ذوي خبرة واختصاص».
وأضاف: «لكن المهم من هذا الأمر هو الانتباه جيداً للنصوص والمواضيع التي تقدم لهم والأهم من ذلك هو المؤلف والمخرج ذاتهما لكونهما يعملان على تقديم منتج ثقافي هادف، ويجب أن يكونا دارسين لعلم جمال الطفل ونفسيته، وعلى سبيل المثال فالسكين يستخدم في استئصال الداء وفي القتل أيضاً فيجب عليهما حسن اختيار المعنى المقدم للأطفال».
هناك من البعض من يعتقد أن مسرح الطفل يندرج تحت كلمة مسرح بشكل عام لكنه وفي الوقت ذاته هو عمل قائم بذاته وللتوضيح أكثر التقينا المخرج "محمد طيلون" في صالة معاوية وحدثنا عن استقلالية مسرح الطفل قائلاً: «هو مسرح ينفرد عن بقية المسارح الأخرى ولذلك فهو يتمتع بخصائص معينة تجعله يستقل عن الفنون الباقية بجملة من العوامل والخصائص ومن بينها يجب أن تكون مسرحية الطفل ذات نهاية سعيدة وقريبة من خياله، لكنه وفي ذات الوقت لا يبتعد في انتماءه للمسرح بشكل عام».
وما نشهده الآن هو سيطرة التلفاز على عقل الطفل من خلال انتشار القنوات الفضائية المخصصة للأطفال فأين يقع المسرح عنده أجاب "طيلون" قائلاً: «إلى جانب التلفاز طبعاً فبقدر احتياجه له تكمن احتياجاته للمسرح أيضاً، لأنه ومن خلال المسرح يشاهد شخصيات حقيقية قريبة منه يراقبها ويلحظ تحركاتها ويستقي منها تجاربه وأحياناً تكون أقوى من عالم الخيال الذي يشاهده عبر التلفاز».
وأضاف: «فالمسرح يخاطب الشريحة العمرية التي تمتد من المرحلة الابتدائية وحتى بلوغه الإعدادية وتلك هي المرحلة الأهم في حياة الطفل لكونه أصبح واعياً يستطيع فهم الرسالة التي يتلقاها».
هناك جملة من العوامل التي يجب أن تساهم في تحريك المسرح في "حلب" من بعد الركود الذي شهده في السنوات الماضية ومن بينها اختيار ما يناسب احتياجات الطفل ويلبي رغباته ولكن هناك أدوات ينبغي لها أن تساهم في استمرارية العمل قالها "طيلون": «ومن بينها الاستمرارية في العمل بحيث يجب أن تبقى بعيدة عن الأعمال الموسمية التي تقدم في المناسبات فقط وأن ترصد لها معونات مادية ومعنوية، ولابد إلى جانب هذا من وجود مسارح منهجية في بعض المدارس المؤهلة لكي تعمل على تقديم مواد علمية ضمن اختصاصات الطلبة في المدارس وبشكل مسرحي كاللغة العربية والرياضيات أو حتى التاريخ والجغرافية».
لكن الفنان "غسان مكانسي" كان له رأيا مغايرا عن المسرح بـ "حلب" وخصوصاً في الأيام الماضية حينما قال: «إن العمل المسرحي بشكل عام قد ضعف في الآونة الأخيرة، لأن كتّابه وممثليه قد التفتوا إلى التلفاز ولشهرته السريعة، فضلاً عن العوامل الاجتماعية والاقتصادية التي يمر بها المشاهد».
وختم "مكانسي" قائلاً: «إن مسرح الطفل يعتبر من أصعب أنواع الفنون المسرحية لكونه عملا موجها إلى عقلية الطفل، ما يوجب على كل مخرج وفنان أن يتعرف على شخصية الطفل وما يملك من قدرات عقلية وذهنية وخصوصاً بعد انفتاحه على الفضائيات وشبكة الإنترنت، وما يتطلب من العمل أن يكون ذا قيمة عالية بعيداً عن التهريج السطحي».