"وضاح السيد".. ابتعدت عن الأدب والشعر في أعمالي الفنية
هيسم شملوني
لا يزال الفنان "وضاح السيد" يحلق متنلقاً في عالمه الحالم تارة والواقعي المؤلم تارة أخرى، متكئ على مخزون ثقافي وفكري أساسه الشعر أحياناً، والفلسفات الروحية الشرقية أحياناً أخرى.
كان للمفكرة الثقافية وقفة مع الفنان"وضاح السيد" عن هذا الجانب في فكره وإنعكاساتها على تجربته التشكيلية، فكانت البداية:
* سبق أن أقمت معرضاً في منتصف التسعينيات من القرن الماضي وكانذلك في صالة "دمشق"، وارتبطت لوحات التي رسمت على "اللباد" مع مقاطع شعرية لـ"مظفّر النواب"، "عبد الوهاب البياتي"، "آدونيس"، وغيرهم، أين أصبحت تلك التجربة وما هو مصيرها؟
حرك هذا السؤال أشجانه، وبعد تنهيدة طويلة قال:
** أجل.. سبق وأقمت معرضاً واحداً في صالة "دمشق" على اللبّاد، كان ذلك في عام 1997. كانت فترة رائعة. تجربة اللبّاد كانت (تجربة) ممتازة وجديدة في سورية، وأبداً لا أنسى النقد الذي أتى عليها، والناس الذين صدموا وحاروا وأصبحوا يفكرون بأن ما يشاهدونه إن كان سجّادة أو لوحة؟ غاب عنهم أنه لدينا مسؤولية تجاه عملنا الفني والإبداعي في أن نقدم الجديد، الكثير منهم سألوني: لماذا لم تقدم ذات الرسومات أو التشكيلات على المستطيل أو المربع العادي المعروف للوحات. ولمست غياب هذه المعرفة لديهم، تلك التجربة وتحديداً اللبّاد لم يبق لدي منها أي قطعة، والسبب أن الغربيين (الأجانب) تلقفوها عندما كانوا يزوروني في مرسمي وأخذوا كل القطع، ولا يوجد أي مقتني محلي تقبّلها وأخذ منها، لذلك بقيت جميع تلك الأعمال خارج سورية "للأسف".
* ما الذي إختلف عند المتلقي الفني بين هذين العقدين؟
** أنا قلت هذا الكلام في "ريبورتاج" أجري معي، سئلت عن رأيي بهذه المرحلة وما الفرق بين مرحلة التسعينيات عن الحالة الراهنة، في تلك الفترة كان هناك حراك ثقافي، كان هناك إخلاص، وإحساس بالمسؤولية أكثر إن كان من ناحية الفنان، الناقد، الأكاديمي، أو أصحاب ومدراء الصالات، سبق أن كانوا يتبنون تجارب غير مربحة أومكسبة مادياً، أما الآن فقد اختلفت المقاييس وهذا لا أقره وأقوله أنا فقط، أي شخص تسأله ضمن هذه الدائرة أو المساحة الثقافية يقول ذات الكلام، وعندما تختلف هذه المقاييس فإنها تؤثر على جودة ونوعية العمل الفني، وتؤثر على توجه الشخص المبدع. في تلك الفترة كانت هناك صدمة للتعاطي مع التجربة، كان الناس معتادون على نمط عمل معين من الأعمال.
* أين أصبحت حالة التجريب عندك التي كانت سائدة في تلك الفترة؟
** أنا فنان مجرب بالدرجة الأولى، ولكن بالنهاية هناك ضغط ثقافي وبشري، يجعلك تكبح تجاربك الإبداعية محلياً للأسف، وأنا أتأسف على هذا الشيء، لا يوجد في هذا النفق الذي نمر به أي بصيص نور من أي اتجاه، للأسف التجربة ماتت، والسبب أنه لم يقدر أحد ويحس بأن "وضاح" مخلص لتجربته الفنية ويحاول تقديم أمر جديد على الصعيد البصري وهذا أضعف الإيمان.
* في تلك الفترة كثير من الفنانين ربطوا أعمالهم الفنية بالشعر وأنت واحداً منهم، هل أزمة الشعر عكست بظلالها على التجارب التشكيلية؟
** للأسف غاب الشعر كله الآن، وأنا غيرت المنحى والخلفية الفكرية التي كنت أخرج منها، المنحى لدي الآن أصبح يقترب من الثقافة الروحية، من الأحاسيس الروحية، ابتعد عن الأدبيات، الآن أتجه نحو ثقافات لشعوب كانت موجودة منذ 2000- 3000 سنة، ثقافات قديمة وعتيقة ليس فيها شيء جديد، أميل لهم ولقصصهم وخرافاتهم وحكاياتهم القديمة، بالإضافة إلى موروثهم من القصص والخرافات التي أورثت الرسومات والمنحوتات التي لا تزال موجودة بحضارة فنية كاملة، أنا أميل لتلك الفترة وخلفياتها الفنية، رغم أني ابتعدت عن الأدب والشعر في أعمالي الفنية، لأنه أصبح في ذاكرتي ذو طعم مالح، كانت فترة جميلة وتمنيت لو أنها استمرت، ولكن هناك تعتيم عليها، لا نستطيع أن نقول أنها انتهت لأنها لا تنتهي في وجداني.
* إن كانت تلك الفترة الماضية تتسم بالطعم المالح في ذاكرتك، فهل هذه المرحلة تتسم بطعم أكثر حلاوة، بعد تحول الأرضية الفكرية والثقافية التي تحدثت عنها؟
** هذه المرحلة أعتقد أنها أكثر قتامة، ومن الممكن أن تؤذي العقل الإبداعي والعمل الإبداعي كثيراً، لأن الفنان أصبح وكالة حصرية، وفقد الكثير من مبالغ مقامه كمبدع، وهذا الشيء سيؤذي العمل الفني الإبداعي كثيراً، ويؤذي التطور الثقافي كله لدينا، كل هذا سيتأذى من الطريقة والأسلوب الجديد في نمط التفكير ونمط الحياة الإستهلاكية، وآليات فهم تسويق للعمل الفني الإبداعي.