"أحمد الدريس".. بيدر عطاء فكري وثقافي
عبد الغفور الملحم
الجمعة 13 آذار 2009
«لم تكن تلك القرية المحدودة البيوت التي تستريح على زند أحد التلال تحلم بأن يظهر من بين أبنائها الصغار أديب له أسمه وباحث له صيته إنها قرية "تل جلاد" التي ولد فيها الدكتور "أحمد الدريس" هناك على بيدر من سنابل القمح وكان ذلك فألاً حسناً فقد كشفت الأيام أن المولود الذي أصبح نابهاً صار هو الآخر بيدراً من عطاء فكري وثقافي وبات واحداً من أهم الأسماء والوجوه المتألقة في "سورية"».
الكلام للشاعر والموجه التربوي "علوش عساف" رفيق درب الدكتور "أحمد الدريس" لـ esyriaتاريخ 10/3/2009 حول شخصية الدكتور "الدريس" مضيفاً: «هناك في أطراف القرية عاش "الدريس" مع أقرانه الصغار يلعب بأطواب الوحل ويركض في السهول القفراء الفسيحة ولكن فقر أبيه حمله مع أسرته إلى مدينة "الحسكة" في سن الخامسة ليستقر في حي "الناصرة" الذي لم يكن فيه إلا بيوت تعد على الأصابع، وفي الحي الذي كان أشبه بقرية مجاورة للمدينة دخل المدرسة التي كانت مجرد غرفتين منحهما رجل خيّر لتكون مكاناً للتعليم، أما المقاعد فلازلت أذكر إن الأهالي تشاركوا في صنعها ولم يكن بوسع والده تأمين ما عليه ثمناً للمقعد فأضطر إلى اتخاذ صندوق خشبي فارغ يضعه أمامه وصفيحة فارغة يجلس عليها، هكذا كانت بدايات الأديب "أحمد الدريس"».
من جانبه بيّن الدكتور "أحمد الدريس" قائلاً: «إنكل ما تفوه به صديق عمري الشاعر "علوش عساف" هو الحقيقة بذاتها، لكن أزيد على ذلك إن المدرسة كانت في عرفي سجناً وأنا أبن البرية والسهول المفتوحة فقد كان الهرب من نافذة المدرسة سهلاً عليّ حين يسهو المعلم عن تلاميذه لأجد أمي في استقبالي لأنها كانت ترافقني إلى حيث أتعلم لتعيدني إلى الصف وهكذا حتى استقرت روحي لأجد نفسي بعد عدة أشهر من أفضل أقراني استيعاباً ومحاكمة وقدرة على القراءة والكتابة والحساب حتى إذا انتقلت إلى الصف الثاني كان يطلب من معلمي أن أشارك تلاميذ الصف الرابع والسادس بكتابة الإملاء حيث كنت أتفوق على أكثرهم، وقد لازمني التفوق وكنت الأول على زملائي في المرحلة الابتدائية ثم الإعدادية ثم الثانوية».
أما عن موهبته ورحلته الشعرية فقال "الدريس": «في المرحلة الثانوية برزت موهبتي الشعرية ورحلتي مع الإبداع لتحط
رحالها في مهرجانات الأدب للشباب وأنال دائماً الجوائز المتقدمة. وبعد سنوات من التجريب في المرحلة الجامعية خرجت بديواني الأول "الولادة من خاصرة الموت" الذي أوصت لجنة من اتحاد الكتاب العرب بتحمل الاتحاد جزءاً من نفقات طباعته ثم صدر ديواني الثاني "رقصات امرأة الغجر" على نفقة اتحاد الكتاب العرب ثم ديواني الثالث "براكين من دم أخضر" ثم "فصول الدم المر" ثم "مشاهد على رصيف الهذيان" وآخرها كان ديوان " أيها الأرمني الجميل"، نلت عضوية اتحاد الكتاب العرب عام /1989/، وفي الجامعة لم أكن طالباً مداوماً في قسم اللغة العربية لكنني لم أكن نكرة أيضاً لأنني كنت من الخمسة الأوائل على القسم حيث تخرجت بتفوق وتابعت دراساتي العليا في جامعة "حلب" فنلت دبلوم الدراسات الأدبية ثم الماجستير في الأدب الحديث ثم دكتوراه الإبداع من جامعة الإبداع التابعة لإتحادالمؤلفين العالميين في "باريس"».
وعن تجربته في شؤون الفكر السياسية قال: «إلى جانب الأدب والدراسة الأكاديمية وجدت نفسي منغمساً في شتى شؤون الفكر السياسية والاجتماعية فقدمت العديد من الدراسات والبحوث الهامة وألقيت عشرات المحاضرات النوعية، ولأن الكتابة الإبداعية يلزمها النشر فقد راسلت عشرات الدوريات والمجلات ونشرت أبحاثي فيها حتى أصبحت عضواً في اتحاد الصحفيين، كما أن اهتمامي بالتراث كان وراء اختياري رئيساً لفرع جمعية العاديات في "الحسكة" إلى جانب مهمتي لمديراً للثقافة بالمحافظة».
ثم ختم الدكتور "أحمد الدريس" حديثه مبتسماً ومعلقاً على الماضي: «أنا لا أخجل من ماضيَّ على ما فيه من بؤس وحرمان وشقاء وإني أعتز بأنني قد حملت الفأس منذ طفولتي وعملت مع الفلاحين في الحقول، وفي المدينة عملت عاملاً مياوماً مع أخوتي حتى نلت الثانوية، وقد علمتني الحياة أن المعاناة تصنع الإنسان وتصقل تجربته وتغني حياته وتدفعه إلى الأمام».