"أحمد عمران الزاوي"... عبقرية تتحدى ساعة الزمن
حسن محمد - طرطوس
أبعدته الحاجة عن ركب الزمن، فانكفأ خمسين عاما عن الكتابة ثم انتفض فألف 34 كتابا في الفلسفة والدين والتاريخ والمجتمع والإنسان ولازال يؤلف حتى اليوم.
هو الدكتور والعلامة والفيلسوف ورجل القانون "أحمد عمران الزاوي" الذي أخذ على عاتقه دحض كتابات المتهجمين على العرب والإسلام.
يعد وريث عائلة عريقة في العلم والدين، انتشرت أخبارها على امتداد جبال الساحل السوري، وحملت اسم "الزاوي" الذي يشتق لغويا من كلمة "زوى" أي "طوى"، وقد كني بهذه الزاوية جد العائلة الشيخ "عمران الزاوي" الذي بنى داره لطلاب العلم والدين.
لم يدخل مدرسة، حيث كان الفقر رفيقا ظالم المعشر، وولد في قرية "حكر الشيخ عمران" في منطقة "الصفصافة" جنوب مدينة طرطوس، ولم يستطع والده الشيخ "محمود الزاوي" تعليمه، فدخل أخوه المدرسة وبقي هو للعمل، ويقول : «كان أخي مريضا دون علمي، وكان أكثر ذكاء مني، وفي حين أدخله والدي المدرسة عملت أنا عند بياع للجبن، ثم أرسلني والدي إلى طرابلس للعمل كحارس، لكنهم استدعوني إلى المنزل بشكل مفاجئ لأجد أخوتي "محمد، وماريا، وجابر" قد ماتوا بسبب مرض "الحصبة" وذلك في حدود عام 1942، وكان عمري 11 سنة وقتها، وبين إصرار والدتي على دخولي المدرسة ورفض والدي باءت كل المحاولات بالفشل حيث كان عمري عندها قد بلغ 13 عاما، وفي تلك الأثناء قام الشيخ "منير العباس" بمبادرة لتدريس أبناء الشيوخ في منطقة طرطوس في المدرسة الشرعية، عبر مكتوب إلى "جميل بك الدهان" بهذا الخصوص، لكني لبثت فيها شهرين وطردت بسبب انتقاداتي لأسلوب التدريس والتعامل فيها، وخلال هذه الفترة زارنا الشيخ "عبد اللطيف غانم" وأخبرني بأن هناك مدرسة إنجيلية في حمص تسمح بتقديم الشهادة الإعدادية بغض النظر عن شهادة "السرتفيكا" وهي شهادة الصف الخامس قديما، فوافق والدي هذه المرة على سفري وباع قطعة أرض بـ 700 ليرة من أجل تكاليف الدراسة، وفي المدرسة الإنجيلية اقترح "القسيس حافظ" أن أدخل الصف السادس – لكني رفضت وطلبت دخول الصف السابع، فوافق القسيس، ثم طلبت تقديم امتحان الصف السابع، وبعد شهر امتحان الصف الثامن، وبعد ثالث امتحان الشهادة الإعدادية. وهنا ضحك القسيس ووافق على الطلب، باعتبار ذلك لايخل بشرط الامتحان النهائي، والقسط السنوي لكل مرحلة . وفعلا حصلت خلال عدة أشهر على الشهادة الإعدادية، وتابعت العمل في المدرسة لتدريس مادة الأدب العربي للطلاب، وكنت وقتها في الرابعة عشر من عمري. ومن هناك من المدرسة الإنجيلية حصلت على الشهادة الثانوية، ثم دخلت كلية الحقوق».
اتجهت أولى أبحاث الدكتور "أحمد" للدين والدفاع عن الإسلام والقرآن، ووصلت مؤلفاته في هذا المجال إلى ثمانية كتب في مختلف قضايا وبحوث الدين والتلاقي بين الاسلام والمسيحية، وجاء بعضها ردا على عدد من الكتاب السوريين والعرب والعالميين مثل :"نبيل فياض، صادق جلال العظم، محمد شحرور، نولد كي،...".
وفي ميدان آخر كتب في الأمة العربية والعروبة، وكانت بداية ذلك عندما وقع على كتاب "لأنيس منصور" يؤكد فيه أن العرب خرجوا من التاريخ، مما حرضه لتأليف كتاب "كلا لم يخرج العرب من التاريخ ولن يخرجوا منه"، وكتب في المستشرقين الذين رأى في أيديهم مطارق لا أقلام حين يكتبون عن العرب والمسلمين، كما كتب في المجتمع وعلومه، ومن ذلك كتاب بعنوان "عالم الرجال وعالم الأطفال".
أنتج أكثر من ثلاثين مجلدا، بدأ أولها في سن التقاعد من مهنة المحاماة، أي بعد أن أمضى ستة عقود من عمره، مبتدئا مشواره الفكري بكتابه الهام في الرد على "أبو موسى الحريري" وهو الاسم المستعار للأب "جوزيف قزي" المقيم في الكسليك في لبنان، صاحب "الحقيقة الصعبة" التي تنال من إسلام محمد بطريقة ليّ الحقائق وتطويع الوقائع.
كان يؤلف كتابه لمرة واحدة بدون "مسودة" حرصا على الوقت كما قال، رغم ماوجّه لأسلوبه هذا من انتقاد من حيث تكرار بعض الأفكار، لكن للدكتور حجته بذلك فالعمر جاوز التسعين، وطموحه للتأليف أسرع من سني عمره، وقد حضره خلال لقائنا معه قول الإمام "أحمد بن حنبل" عند سئل عن سبب جلوسه في منزله وبين كتبه فقال: "من المحبرة إلى المقبرة".
أما قضية عدم تأليفه لأي كتاب وابتعاده عن أي نشاط أدبي خلال خمسة عقود من حياته فقد عللها بأن عمله كمحامي والبقاء بين طبقات المجتمع البسيطة، والناس الباحثين عن حقوقهم، وحل مشاكلهم وجرائمهم، وأيضا بسبب التعب والمرض ترك المحاماة وعاد إلى كتبه، ويقول في ذلك: «شعرت بأني أولد من جديد، ورحت أسابق الزمن وأطارد نفسي فلا ألحقها، فألفت 34 كتابا ومازلت أعمل على مزيد من الكتب الجديدة، ورغم كل ماكتبته وقرأته أجد نفسي صغيرا بين الكبار».
وفيما يلي بعضٌ من كتاب الدكتور في الحضارة: «الحضارة من الحضور، ونحن لايزال حضورنا مع السابقين، نتغنى بصهيل خيول أجدادنا على جبال "البيرينيه"، وقبضاتهم التي دقت بلاد أوربا، وهذا ليس بحضور ولا بحضارة، لذلك نحن متخلفين، بمعنى سلفيين، بحيث يشمل المصطلح الشرق بأكمله لا مايسمى بالجماعات الدينية السلفية، لذلك فإن موقع العرب على السلم الحضاري هو في الحضيض، وهو الاسم الذي أطلقته على كتاب تحدثت فيه عن الحضارة، وموضوعها الحضيض العربي».
أما في فضل العلم فيقول: «"الاسكندر المقدوني" الذي وصل قرني الشمي في مشارق الأرض ومغارب لم تسبقه تلال قتلاه سوى عدة سنوات للموت، أما أرسطو الذي كان خادما له، حتى الأن نمجد يراعته، و"سيف الدولة الحمداني" على عظمته ومحاربته للروم، وحمايته للثغور، لايذكر إلا ي مواضع محددة، و"المتنبي" أحد جلسائه، لازلنا لحد اللحظة نتغنى بشعره، ويقول أحد الشعراء: "لقد ذهب الملوك بكل عصر، وعصر السوقة العلماء باقي».
وفي التاريخ كتب: «التاريخ يكتبه الناس، نأخذ منه ونضيف عليه، وهذا الخليط نتركه تاريخا لمن يأتي، فهو بالتالي نشاط الناس، فيه السيء وفيه الجيد، لذلك عندما تكون في عصر وتأخذ من التاريخ فإن لك عليه حق الوارث على الميراث، فتأخد منه ماتستفيد به، لأنه تسجيل لنشاط، فالتاريخ تلبية لحاجات إنسانية، ولايشترط فيه الصدق الكامل».
مارس مهنة المحاماة لخمسين عاما، وكان أمين سر نقابة المحامين في اللاذقية، ولما صارت طرطوس محافظة أصبح نقيب محامييها لثلاث دورات، وهو عضو في اتحاد الكتاب العرب، وأمين عام اتحاد المحامين العرب لدورتين متتاليتين، وحاليا هو عضو "اتحاد علماء بلاد الشام".
يذكر أن الاتحاد العالمي للمؤلفين باللغة العربية في فرنسا حصل على بعض دراسات وكتب الدكتور "الزاوي"، فأرسلوا له دكتوراه فخرية في الإبداع، وبعد فترة قصيرة، أرسلوا له شهادة دكتوراه فخرية ثانية في البلاغة.
يعمل حاليا بالاتجاه الفلسفي في كتاب متعدد الفصول بعنوان: "حوار مع الذات".