"أديب نصور"... نبراس الجيل الصاعد

"أديب نصور"... نبراس الجيل الصاعد

عمار جواش

الخميس 26 حزيران 2014

حي المدينة

شاعر وبحّاثة في الفلسفة والسياسة، وصفه الرئيس "شكري القوتلي" بأنه نبراس للجيل الصاعد؛ فهو مرشد للناشئة الحديثة لسلوك طريق القومية الصادقة والوطنية الحقة.

أستاذ اللغة العربية الدكتور "راتب سكر" الذي التقته مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 17 حزيران 2014، تحدث عن حياة الدكتور "أديب نصور" بالقول: «ولد عام 1917 في كنف أسرة مميزة، فأبوه الطبيب اللامع الدكتور "جميل نصور" الذي تخرج في الأكاديمية الطبية في "استانبول"، وكان من محبي الثقافة والعلم والناشطين في سبيل الارتقاء بالمجتمع، وأمه السيدة "فدوى نصر الله" مثقفة اهتمت بالشعر والخواطر الأدبية، وحفظت من عيونه الشيء الكثير وأضفت على حياة عارفيها الألق الإنساني البهيج، نشأ الشاب قريباً من رعاية المطران "إغناطيوس حريكة" الكنسية والأبوية، وراحا يشاركان معاً في أنشطة الكتلة الوطنية لمكافحة الاحتلال الفرنسي، تخرج في الجامعة الأميركية ببيروت بتفوق أهله للسفر إلى جامعة "أكسفورد" البريطانية لمتابعة الدراسات العليا، وفي عام 1946 عاد إلى ربوع العاصي يحمل شهادة الدكتوراه في الاقتصاد السياسي، وفي العام التالي وقد بلغ الثلاثين من عمره فاز مع صديقه الدكتور "محمد السراج"، و(كانا من أوائل حملة الدكتوراه في العلوم غير الطبية في حماة) في الانتخابات البرلمانية بعد حملة دعائية واسعة كرست اسمه خطيباً مفوهاً وأديباً أريباً في وجدان الناس، وفي البرلمان تميز أداؤه ومساهماته في ظروف داخلية وعربية ودولية صعبة كان من أبرزها ما يتصل بنكبة فلسطينعام 1948».

نشاطه النيابي لم يشغله عن المساهمة في تنمية الحياة الثقافية في مدينته، يقول الدكتور "راتب": «ساهم مع آخرين في تأسيس نادي الرابطة الفنية بـ"حماة" والذي أصبح رئيسه الفخري، وأثرى أنشطته بمحاضراته القيمة وزود مكتبته بباقة ملونة من الكتب، عاملاً على النهوض برسالته الفنية والثقافية والاجتماعية، وعندما أسست دار الكتب الوطنية بـ"حماة" عام 1952 وجدت به واحداً من أبرز محاضريها، وكان صديقه المثقف البارز "أحمد سامي السراج" مديراً لها، فكان يسهب في تقديمه إلى المنبر بعبارات الثناء معبراً عن إعجابه بروعة حضوره فيتقدم بخطواته الواثقة معتمراً الطربوش الأحمر وحاملاً عصا الأناقة الجميلة التي يكمل بها أناقته اللافتة ليطلق كلماته محاورة فلسفة القوانين ونظريات الاقتصاد والاجتماع».

ويضيف الدكتور "راتب": «أصبح أستاذاً محاضراً في الجامعة الأميركية ببيروت، ثم تفرغ للتدريس في كلية القانون بجامعة "قار يونس" الليبية (بنغازي) لأكثر من عشر سنوات تزوج من الدكتورة "ماري صبري" مديرة كلية بيروت للبنات التابعة للجامعة الأميركية التي كانت زميلته في أيام الجامعة، وكانت تحاكيه في حبه للثقافة والفنون وتجاريه بروحها الوثابة إلى الخير، ما انعكس على علاقاتهما المشتركة مع المؤسسات الخيرية والتعليمية والدينية مادياً ومعنوياً، عاش عمراً مديداً رياناً بالصداقات والعلاقات الحميمية، يهتم  بالموسيقا والفنون اهتماماً جميلاً، ويكتب الشعر والخواطر الأدبية الشاعرية، لكنه لم ينشر ما كتبه في هذا المضمار».

السيدة "فدوى نصور" ابنة أخ الدكتور "أديب نصور" تحدثت عنه قائلة: «علاقته باللغات مميزة؛ ففضلاً عن الفرنسية والإنكليزية اللتين يتقنهما إلى جانب لغته العربية الأم ظل حريصاً على تعلم لغات جديدة، وقد كان في الخامسة والستين من عمره عندما بدأ تعلم اللغة الألمانية، ترجم قصيدة طويلة من شعر الأديب الإنكليزي "روديارد كيبلينغ" الحاصل على جائزة نوبل للآداب عام 1907 منظومة بموسيقا الشعر العربي في مقاطع متلونة بين بحور الشعر الطويل والبسيط والكامل بأسلوب حريص على أسس البلاغة الكلاسيكية؛ ما يعبر عن علاقته الأصيلة بعلمي العروض والبلاغة العربيين».

انتقل على مدارج سنواته بين مدن عربية وأجنبية كثيرة وظل عاصي مدينة "حماة" وأنات نواعيرها سلوته في حله وترحاله، وظل الحنين إلى واديها يسكن روحه؛ فكتب "دولة العرب والمنازل والأوطان" عام 1989، يقول: «مدينة على ضفاف العاصي تدعى حماة، وحي عتيق من أحيائها هو حي المدينة، ذلك هو موطني الأول، فإذا ما عدت يوماً أو حمل جثماني إلى تلك الديار، فإنما هي قطعة من حماة ترد إلى حماة، حفنة من ترابها، كأس من ماء عاصيها، نبات من زرع واديها، وكلمة من كلماتها في ضمير الزمان».

رحل "أديب نصور" عام 2007 مخلفاً وراءه العديد من المؤلفات التي صدرت تباعاً، وهي كتابه "مقدمة لدراسة الفكر السياسي الغربي في مئة عام"، ثم صدر كتابه "قبل فوات الأوان"، ثم تتالت كتبه ومنها: "رجل الدولة"، و"الدولة الفاضلة"، و"أفلاطون"، فضلاً عن دراساته المتلاحقة في مجلة الأبحاث الصادرة عن الجامعة الأميركية ببيروت، ومن مقالاته المميزة "سواد ليلة في لبنان"، وغيرها.