الشاعر "علي حسن"
الشاعر "علي حسن".. فلسفة الترميز وقوة الألفاظ
نورس علي
السبت 10 أيار 2014
كتب الشعر في سن العقلانية بحسب رأيه، واعتمد الترميز في أغلب صوره للدلالة على الواقعية الشعرية، فالكلمات والحروف سر القضايا التي حمل همها.
مدونة وطن "eSyria" التقت الطبيب الشاعر "علي حسن" بتاريخ 3 أيار 2014، وأجرت معه الحوار التالي:
* في البداية حدثنا عن أولى الكتابات الأدبية وأهمية البيئة المعاشة في تشكيل مخزونها؟
** بالعموم أنا أحب الأدب كثيراً، ولدي مكتبة جيدة فيها الكثير من الكتب الأدبية المتنوعة، وتعدّ هذه المكتبة ملهمتي وصاحبة ثقافتي، ولكنني لم أكتب الأدب إلا في سن الثانية والأربعين، رغم أنني كنت متفوقاً في مختلف مراحل دراستي ومتميزاً بين رفاقي، وكتبت العديد من المقطوعات الشعرية في تلك الفترة، ومنها على سبيل المثال:
"كنت يوماً ألاعب الكون لا بل كنتَ طفلاً يا كون بين يديا
هل نسيت أم تناسيت أيام مجد لياليك شيئاً فشياً".
فأنا أرى أن في الكلمة الكثير من القضايا التي يحملها الحرف فيها، حيث إن الحرف المستقل يحمل قضايا وعندما يتصل بحروف أخرى يحمل قضايا مغايرة، وهذه المعرفة تجسدت عندما درست الكيمياء وعرفت أن الماء مكون من أوكسجين وهيدروجين، وأن الهيدروجين مسؤول عن الاحتراق خارج المادة الحية، وأن الأوكسجين وسيلة للاحتراق، أي إنهما يحملان صفة الحرارة والاحتراق عندما يكونا منفصلين، وعندما أتحدى كوناً صفة البرودة والليونة والحياة، وهكذا الحرف الذي أنا شغوف به.
* رغم أنك كتبت المقطوعات الشعرية باكراً، لا تعترف بالبداية الشعرية إلا في سن الثانية والأربعين، لماذا؟
** تحرضت داخلي إرادة الكتابة الشعرية الفعلية والسليمة في عام 1992 عندما كنت أقرأ ديواناً لـ"أبي النواس"، حيث غفوت وحلمت بأنني أكتب قصيدة، وفعلاً في لحظة ما استيقظت وبادرت إلى كتابتها حيث بدأ مشواري في الكتابة الأدبية، وهذا ما اعتبرته مخاض ولادة الكلمات.
"عتق حــروفك واملأ الأقداح... وترفق بفتى بحـــبك راحــــا
واعبر من الألم النزيل بمنزلٍ... صلد إلى ألف الحروف وشاحا
والسبيل بلامـــه متدفق بالنور... واســــكب مـــيمـــه أفــراحــا".
أي الحرف ينطلق، وركزت على البيان والكافي والكامل.
* برأيك من هو الأديب الفعلي الحقيقي؟
** الكلمة بتول ولا تقبل إلا فارساً لها، والأديب هو الذي يمسك الكلمة ويضعضعها فتضيء الكون، ومن ثم يمسك بكلمة أخرى يزيح الغبار عنها فتنير قلوب الخلق جميعاً.
* ماذا أضاف إليك الشعر تجاه مهنتك الطبية؟
** الطبيب تمكن من مهنته الطبية بتفوقه الفكري العلمي، وهذا التفوق ينتج حالات تميز ترافق الإنسان؛ كأن يكون طبيباً أديباً أو طبيباً فناناً أو غيرها من حالات التميز الإنساني، وأعتقد أن من أسرار تفجر طاقتي الفكرية حبي وعشقي لبلادي.
* يقال: إنك تتمتع أدبياً بألفاظ قوية، حدثنا عن سبب قوة ألفاظك؟
** هي فلسفتي الخاصة التي أحب الكتابة الأدبية بها، والناتجة عن قراءة الكثير من الكتب الفلسفية، أمثال: "سبينوزا"، و"ابن عربي"، وعمالقة الفلسفة، فهم يحرضون فيّ الكثير من المفردات الفلسفية الصعبة، إضافة إلى أن لكيفية نشوء اللغة وتكونها أثرٌ أيضاً.
* هل يمكن الحديث هنا عن أدب لمتلقين خاصين يدركون مفرداتك؟
** لا؛ فأغلب كتاباتي بألفاظ سهلة وبسيطة كما في قصيدتي "ما أقسى قلب العشاق"، حيث أقول فيها:
"ما أقسى قلب العشاق أخذت وتسلت بالباقي
لو جاءت، جاءت تحرقني والبعد يجدد إحراقي
وأريد وفاءً يجمعنا وتريد خداع الأسواق
لو جاءت زَهَرَ بستاني، فأعيش ربيع سواقي
لكن الكيد يباعدنا عن بعض بعد الآفاق
هي خابة خمر يملؤها الرحمن بطيب الأذواق
هي حرف جمال أكتبه عشقاً لكبار العشاق
هي لوحة رسام كبرى فيها ألوان الإشراق
هي قطرة نور من بدر جرحته عيون المشتاق".
وطبيعة الكتابة هذه كانت في البدايات، ولكن في التطور الأخير للأدوات أصبحت المفردات تميل إلى التعقيد أكثر.
* كيف تعتني بالجملة الشعرية لتظهر بأبهى حللها للمتلقي؟
** يتدفق الشعر من الشاعر بطريقة لا يدركها أبداً، القريحة مثل امرأة تحمل مولوداً ولا تدرك متى ستضعه أو أين ستضعه، والقصيدة المولود الجديد، وهنا أقول: إن الشاعر لا يمكنه التحكم بقصيدته على الإطلاق، لذلك جملي الشعرية تلقائية ناتجة عن ثقافة فكرية خاصة.
* هل لديك رسالة خاصة من طرح الإهداء في مقدمة كل مجموعة شعرية؟
** التفسير يختلف عن التأويل، ولكل مجموعة رسالتها الخاصة التي أطرحها في المقدمة، وهذا أمر مهم يختلف تفسيره عن تأويله، أي كل إهداء له ظروفه الخاصة وخميرته الفكرية المناسبة.
* كيف ترى المرأة لتعبر عنها في أشعارك؟
** المرأة هي خيال غير موجود للذات العليا، فأنا لم أكتب بيتاً واحداً في المرأة، ولكن كتبت ذلك بالترميز، وهذا ما أكد عليه الأديب الكبير "حامد حسن".
* ماذا يعني لك البحر وأنت ابن هذه البيئة الساحلية؟
** البحر وحش يبتلع في أوقات هيجانه كل شيء، ولكن بالترميز "البحر المسجور" هو الإنسان المملوء بالفضيلة والنقاء، وهذا علم كبير وعظيم، ويختلف بين تفسيره وتأويله.
* هل استخدامك للترميز هو للهروب من الواقع؟
** لا؛ والسبب الحقيقي هو تأخري في كتابة الشعر الحقيقي لسن الثانية والأربعين، أي في سن العقلانية الواقعية، وذلك بعد امتلاكي المخزون الثقافي الجيد الذي خدمني في تنسيق ألفاظي وجملي الشعرية.
فجميع المرمزين يهدفون بترميزهم إلى جعل الآخرين لا يفهمون كل ما يقال، ويجعلونهم في ذات الوقت يفهمون شيئاً مما يقال، فالترميز عبور من جميع الشعارات إلى الأشياء الخاصة.
* كيف تختار عنوان المجموعة الشعرية؟ وكيف يأخذ نصيبه من أفكارك ومفرداته؟
** لم أقدم عنواناً لمجموعة شعرية من أحد عناوين القصائد في داخلها، ولكن هو زبدة الفكرة العامة للمجموعة وله وقته وزمانه وأهميته، وهذا أنتج ارتباطاً وثيقاً بين مضمون المجموعة وصورة الغلاف والعنوان.
* "ما وراء الحروف" مجموعة شعرية صادرة عن دار أرواد للطباعة، حدثنا عن حاملها الأدبي؟
** لكي يصبح الإنسان بلا حدود تقيده يجب أن يمزق حد الحرف، ويجب أن يصل إلى جذور الأشياء.
وفي لقاء مع الشاعر "منذر عيسى" حدثنا عن الشاعر "علي حسن" فقال: «رغم الولوج المتأخر للدكتور "علي حسن" إلى عالم الشعر فقد دخله بزخم وبخطوات واثقة، متكئاً على ذخيرة فكرية وثقافية كبيرة، ومن أبرز مصادر فكره النقي الصافي.. أفكار الصوفيين من السلف الصالح، وأبرزهم "الأمير حسن بن المكزون السنجاري"، و"منتجب الدين العاني"، وغيرهما الكثيرون. كما ساعدت دراسته العلمية وممارسته للطب التي أكسبته حكمة حقيقية وعميقة، ساعدته على أن يصوغ أفكاره ومبادئه ويبثها في شعره، معتمداً على عمود الشعر وموسيقاهُ وإيقاعه، وقد أجاد من وجهة نظري بذلك.
وقد ظهرت صوفيته بارزة من خلال قصائده التي يحيكها بتقنية عالية، مستخدماً المترف من الكلام، وللدكتور "علي" بصمة جميلة يغلفها الوفاء، الوفاء للراحلين من أقطاب المحافظة، ولأصدقائه، حيث يكون لمشاركته أثر واضح لدى الحضور والقراء، وبوفاء قل نظيره، يعزى ذلك إلى خلقه الرفيع وتربيته الفاضلة، وليس أدل على سمو خلقه من غزارة علاقاته في المحافظة وتربيته الفاضلة لأبنائه وتفوقهم العلمي، تجربته مميزة من حيث عمقها الفلسفي والمعرفي والحكمة البارزة في جوانبها».
يشار إلى أن الدكتور "علي حسن" من مواليد قرية "بحنين" عام 1950، وله عدة إصدارات، منها: "كأس وسنابل"، و"وتكتب العيون"، و"ظلال الروح".