الشاعر "محمد خالد الخضر".. ليس من حق الناقد أن يعيد بناء النص
إيمان أبوزينة - دمشق
حين يكون اللقاء مع الشاعر "محمد الخضر" يكون الوطن حاضرا في كل الكلام سواء في حديثه عن آمال وأحلام الناس في هذا الوطن، أو في عشقه وانتمائه لكل جزء منه.
وفي لقائنا به في موقع "المفكرة الثقافية" بتاريخ 10/10/2014، لم يرد أن يكون حديثه عاما عن الشعر كما في بقية اللقاءات التي أجراها مع عدة صحف ومجلات، إنما أراده لقاءً يتحدث فيه عن النقد في الكتابة الشعرية، لأن النقد بالنسبة إليه تحليل، وفهم، وقراءة معمقة للنص للإحاطة بمعانيه والوصول إلى سلبياته وإيجابياته.
في الحوار التالي تلخيص لإيمانات الشاعر وقناعاته، وفيه أيضا الكثير من روحه التي أرادها صادقة وشفافة كما أفكاره:
*ماهي الأدوات النقدية التي يستخدمها الناقد في تحليل النص الشعري ؟
**إن النقد أمام كل نص أدبي أياً كان نوع هذا النص وجنسه ، يحتاج إلى فهم كامل وقراءة نفسية يدخل الناقد فيها أعماق صاحبه، ولا بد من تفكيك البنية التركيبية للنص من خلال مقدرة الناقد على الوصول إلى المعاني الحقيقية التي يذهب إليها، فالوسيلة هنا أهم من الأداة والتي تعتمد أولاً وأخيراً على فهم معنى النص وتحليل كافة معطياته ومفاصله والمعاني المقصودة من أحرف الجر، وأحرف الشرط، وأحرف العطف، إضافة إلى وجود الأداة الحقيقية التي تدفع الناقد إلى قراءة النص ألا وهي الموهبة، فإذا تمكن الناقد من فهم المعاني بمقدوره أن يفهم الدلالات كونه يمتلك موهبة مشابهة للموهبة المقابلة، فلا يمكن أن يصل الناقد إلى ما يريده شاعر ما لم يتمكن من كتابة الشعر وهذا ينطبق على الأجناس الأدبية الأخرى .
وبذلك يتمكن الناقد من تحليل النص وفق البنى الفنية التي يصل إلى معانيها، وهذا ما يمكن أن نذهب من خلاله إلى بيت الشاعر "امرؤ القيس" في قوله : "فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع .. فألهيتها عن ذي تمائم محولي" . وهنا نجد أن "الفاء" حرف جر وارتبطت بواقع معنوي يحتم أن يكون "مثلك" مفعولاً به، ومثل هذا الأمر إذا لم يتمكن الناقد من فهمه وفهم روابطه يكون نقده باطلاً ولا يتعدى العرض الصحفي .
* كيف يمكن للنقد أن ينفي صفة الهجومية لفكرة أو موقف ؟
** إن الناقد عندما يفكك نصاً أدبياً ويقدم المعاني المنطقية البعيدة عن الافتراء أو الزيف أو الضعف والتي يقف أمامها المتلقي أو القارئ مندهشاً ومقتنعاً بشكل موضوعي، هنا لا يكون النقد هجومياً ولا سيما إذا كان الناقد معتمداً على رؤية شاملة لا ترتكز على مذهب معين أو اتجاه دون آخر، فالناقد عليه أن يتناول الشعر بما يمتلكه من أسس مقنعة دون التفريق بين شكل أو آخر، والناقد الذي يلغي قصيدة الشطرين لصالح نوع آخر هو ناقد هجومي هش الشخصية وعديم القدرة، مايقاس على الجوانب الأخرى .
* برأيك متى يجب التجرد عن المواقف المسبقة التي قد تؤثر في القيام بدور الناقد ؟
** التجرد عن المواقف المسبقة هو واجب شرف وغير ذلك كارثة ثقافية لا تخدم المصلحة الوطنية ولا الثقافية والاجتماعية، لأن الارتكاز على موقف مسبق يعني التخلي عن كافة الأسس المؤدية لتحليل النص وفهمه بشكل حقيقي، وبذلك تولد حالة من التوتر والمهاترات وانعدام الوزن الأخلاقي والثقافي، وهذا ما أصبح دارجاً في زمن شعر الفيسبوك ونقده .
*كيف يكون نقد الدراسات الأدبية مجالاً واسعاً لتنمية وتغذية النص الأدبي حسب رؤيتك ؟
**عادةً يتصدى النقد لما هو ضعيف وسوقي ومبتذل في الكلام، ويعمل على تنمية الألفاظ الإيجابية والقوية في ترتيبها الشعبي، ويبين جماليات القوافي وتوافقها مع الموسيقا، أو ما يعادل ذلك في الأجناس الأدبية الأخرى كالرواية والقص والمسرح، فكثيراً ما يسلط الناقد ضوء نقده على إسناد وإقواء في الشعر، أو كثيرا ما يكشف خفايا معنوية في الرواية كما حصل في رواية "أحلام مستغانمي- ذاكرة الجسد" التي كان بطلها "خالد " ماثلاً لأوامر طبيب يوغسلافي يهودي، وغير ذلك من مفاصل الرواية دون أن يكتشف أغلبية قراء الوطن العربي هذا الأمر .
كثيراً ما أظهر النقاد عيوب "أبي الطيب المتنبي" كما فعل "الجرجاني" وفرق بين سلبياته وإيجابياته، حيث كان يذهب في نقده إلى احترام المعاني المتوسطة والتي لا تذهب إلى الصعوبة ولا إلى السهولة، ومن هذه الأمور نجد أن النقد يعمل كثيراً في تغذية النص الأدبي وتنميته .
* ظهرت مؤلفات مهمة في النقد تهتم بتوثيق الشعر القديم لكشف غير الصحيح منه ما رأيك في ذلك ؟
**إن المؤلفات النقدية التي تلت مؤلفات "الجرجاني" وجاءت بعد مؤلفات "أبي الهلال العسكري"، وحماسة "أبي تمام"، وطبقات فحول الشعراء أصبحت عاجزة عن العمل في التعاطي مع الشعراء القدامى لأن الشعر الذي جاء سواء كان نسبه صحيحاً أو باطلاً فهو شعر حقيقي، وهناك من الشعر ما لم يتمكن من تجاوزه كل شعراء الحداثة .
* بما أن النقد عملية تستهدف قراءة الأثر الأدبي ومقاربته من قبل مختص ، فكيف تفسر نقد قارئ يعيد انتاج النص وبنائه من جديد ؟
** إن دور الناقد أن يقرأ النص كما هو ويعمل على الإحاطة بمعانيه ويصل إلى سلبياته وإيجابياته، ومن المفترض أن تتوافق وجهة نظره مع وجهة نظر صاحب النص في حال امتلك الاثنان البراعة في الكتابة والتحليل، وليس من حق الناقد أبداً أن يعيد بناء النص لأن ذلك يبطل البنية الفنية للنص بصفته يمتلك مقومات وأدوات، وفي حال اشتغل الناقد على ذلك يكون قد أخل بمصداقية النقد، فالأدب هو طرح رؤى منطقية تعتمد على أساليب منطقية مدهشة، والنقد يجب أن لا يخالف المنطق وغير ذلك هو ضعف وخروج عن المسمى .
* ماذا تقول بظهور اتجاهٍ دافع عن الحداثة النقدية بالاستفادة من كل ما هو مستجد في الساحة النقدية الغربية ؟
** في الواقع كل الاتجاهات النقدية الحديثة لم تثبت هويتها بعد لأن الكتب النقدية التي صدرت كثيرة وهي تقتصر على آراء الكتاب والنقاد القدامى، وعلى توصيف حالات النقد واتجاهاته، وهذا ما وجدناه في كتاب الأدب المقارن الذي ترجمه الدكتور "فؤاد عبد المطلب" عن الكاتب "هنري غيفورد"، إضافة إلى كتب كثيرة تعاني من نفس الأسلوب، وبذلك تكون بدأت حركة النقد بالتراجع بعد أن نشر "رضوان الشهال" في الثمانينات عن الشعر ومسائل الفن، وهذا سببه تراجع الحركة الأدبية بشكل عام والحركة الثقافية أيضاً، ودخول ما يسمى بالأدب الحديث وتداعياته الضعيفة وإهمال الثقافة الحقيقية والأدب الحقيقي. وإنني استغرب في يوم ما إذا تمكن النقاد من إيجاد حلٍ نقديّ للأدب الضبابي الذي تجلى في السوريالة والدادائية .
يذكر أن الشاعر "محمد خالد الخضر" عضو اتحاد الكتاب العرب وعضو لجنة القراءة .
شغل العديد من المناصب الثقافية منها رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب في محافظة ادلب وأمين سر جمعية الشعر في سورية.
نشر في العديد من الدوريات المحلية والعربية، وكتب عديدا من الدراسات النقدية وله زوايا صحافية في النقد والأدب.
وله عدة دواوين منها:
"سأعود مرفوع الجبين"
"صرخة في زمن الصمت"
"عبير الياسمين"
"لعينيك كل هذا الحب"
"السقوط في مدينة مغلقة"
"امراة مهددة بالسبي"
"على ضفتي الجرح" .