النحات "مفيد بدوي :النحت فضاء تحكمه مقدرة المبدع
علاء الجمّال
«النحت.. فضاء تشكيلي تحكمه مقدرة المبدع في الكشف عن مكنون النفس الحامل لاتجاهات إبداعية مختلفة اختزنت من الرؤية المباشرة لعوالم الطبيعة ومخزونها الكوني العميق، وحكايات التاريخ المتناقلة في القصص الشعبية والموثقة في المؤلفات والسير».
هذا ما بدأه النحات "مفيد بدوي" في حديثه لـللمفكرة الثقافية عن الإلهام والمتخيل في النحت وذلك بعد أن زارته في 25/8/2008 في منزله ببلدة "ملح" مكان مولده ونشأته، وأضاف: «عندما تبدأ التراكمات الفكرية بالتحرر تحرض العقل على الفعل فتبدأ مرحلة البحث عن سبل تشكيلها في مادة ملموسة ومنحها الأبعاد الحسّية التي تصل إلى الذاكرة المتأمل وتشعره بغاية المبدع من وجود التكوين وفكرة العمل عليه، فيتحول المخزون إلى عمل نحتي أو لوحة زيتية أو مؤلف أدبي، وهنا تبدأ خبايا النفس في التحرر والتمحور حول أفق الفنان في تصوره واكتشافه».
تكوينات باتت مقصداً للرؤية
توسعت اتجاهات النحت في الوسط المحلي السوري، وبات لكل فنان شخصيته وأسلوبه، من حيث اختبار الخامة والتجريب عليها لتحرير المحتوى الفكري من تراكماته وإطلاق أفقه التخيلية، هنا اختار النحات "بدوي" خامة "البازلت" الحجر الصخري الأسود ليعمل على تحويرها وفق ما ارتأت إليه تصوراته، فبدأ ينتقي أحداثاً من التاريخ ويرصد الشكل الواقعي في الطبيعة ثم يختزل مخزونه بشكل فطري عفوي إلى أعمال فنية نحتية أخذت مكانتها وشخصيتها، وباتت مقصداً للرؤية واستقراء القصة التي حملت أبعادها.
حول هذا الجانب أوضح "بدوي" رحلته مع النحت قائلاً:«نتيجة تأثري بمنطقتنا الجبلية وطبيعتها المليئة بالغرائب قررت العمل في النحت وكان ذلك عام 1988، واخترت خامة "البازلت" كمادة للتشكيل، وكونها تعدّ من أصعب أنواع الخامات من حيث العمل فهي تحتاج إلى صبر ودراية في التعامل مع مواضع الحجر وملمسه، وخلال المواظبة على التجريب تحدد مساري الأسلوبي وصقلت موهبتي أكثر، وازداد بحثي في تناول المعارف الموجودة في المنطقة، أدرسها وأختار منها موضوعاً للتكوين فتارة يكون واقعياً تعبيرياً وتارة أخرى رمزياً».
وأضاف: «جذبتني في البدء أصناف الطيور النادرة وأبرزها الطير الحر، والصقر، فكانت محور تجريب في عملي النحتي، ثم انتقلت بعد ذلك إلى القضية الإنسانية، بما تضم من ملاحم وأحداث».
أشار النحات عبر حديثه إلى بعض منحوتاته الأكثر تأثيراً في النفس، قائلاً:«نفذت خلال الأعوام السابقة أعمالاً أضافت إلى حاضري مسارات تخيلية مفتوحة منها: عملين إيحائيين يمثلان سرير بنت عبد الملك الموجود في شهبا، ورأس النبي "يوحنا المعمدان" الموضوع في إناء، و أعمال أخرى دلالاتها حالات إنسانية مقتبسة من الواقع والأسطورة»، موضحاً أن أداة العمل لديه عبارة عن مطرقة لا يتجاوز وزنها 300 غرام، بعيداً عن الأدوات الحديثة في النحت.
الفنان التشكيلي السوري "جمال العباس" قال عن أعماله:« البازلت خامة استودعتها كل الحضارات أسرارها، والوحيد المكتشف لها هو النحات إذا استطاع الإغراق بأبعادها والبحث حولها منذ القدم وحتى عصرنا الراهن، وهنا سرني ما رأيت من أعمال النحات "مفيد بدوي" من حيث تشكيل الخامة وتحويرها بهذه الصور الجمالية التي تعكس شغف هذا الفنان في تجاوز الصعب وخلق الإبداع الفطري على الرغم من أدوات علمه البسيطة».
أقام "بدوي" خلال رحلته الفنية معرضاً في بلدة "المزرعة" عام 2003، ومعرضاً آخر عام 2004 في بلدة "ملح"، وحققت أعماله نجاحاً على الصعيد المحلي، كما حصل على شهادة تقدير من المركز الثقافي العربي في "السويداء"، ويأمل بعد لقائنا به أن يقام لأعماله المعاصرة معرضاً خارج القطر.