"رضا نجم الدين صافي"... خلّد التاريخ بقلمه فخلّده أحباؤه
نسرين سلوم
في غمرة صراع ليس بين الأجيال بل هو صراع عنيف ضد أعداء ومحتلين، وفي تلك السنوات الغابرة أنجبت "حمص" ولدها البار الذي استطاع أن يترك بصمة واضحة المعالم في تاريخها وحياتها الأدبية والشعرية، حيث ظهر اهتمامه بالأدب والشعر منذ نعومة أظفاره فقد كان قلم الرصاص رفيق دربه، وأفضل أوقاته للكتابة عادة ما تكون مع بزوغ أول بصيص ضوءِ يشق طريقه في عتمة الليل.
من الأدباء الذين وجدوا في الشعر ملاذاً من قسوة ذلك الصراع وهموم ومآسي البلاد والتي ظهرت ملامحها بشكل جلي في أشعاره وكتاباته. هو الشاعر"رضا نجم الدين صافي" المولود في "حمص" عام 1907 وتوفي فيها عام 1988.
موقع eHomsالتقى نجل الأديب الراحل "نجم الدين رضا صافي" وهو أستاذ لغة عربية متقاعد والذي حدثنا طفولة الأديب وبداياته مع الشعر بقوله: «منذ طفولته المبكرة وقبل أن يبلغ السادسة من العمر كان يستمع إلى ما يلقيه أبوه الشيخ "نجم الدين" أحد أساتذة "حمص" الأعلام على طلابه في بيته من دروس في اللغة العربية والأدب فتفتح وعيه عليها وعندما بلغ السادسة بدأ يتلقى تعليمه في الكّتاب (كُتّاب الشيخ حسين السباعي يساعده ابنه الشيخ عبد الكريم السباعي) ثم في كُتّاب الشيخ (حامد عبد الجليل).
وعندما أنهى الثامنة انتسب إلى مدرسة الكلية العلمية تلميذاً في الصف الثالث مباشرة نظراً لتفوقه ثم إلى مدرسة الاتحاد الوطني التي حملت بعد ذلك اسماً جديداً هو المدرسة "الحسينية السلطانية" ومنها نال شهادة القسم التجهيزي الأول وهي تعادل رسمياً الشهادة الإعدادية العامة شهادة التعليم الأساسي، وكانت هذه الشهادة تؤهل حاملها أن يكون معلماً في المدارس الابتدائية، فعين معلماً عام 1927. وتابع تحصيله العلمي أثناء عمله في التعليم، فنال البكالوريا الأولى الثانوية عام 1930، ثم البكالوريا الثانية عام1940م، ثم الإجازة في الحقوق من الجامعة السورية في دمشق عام 1951م».
أما عن بدايته في الشعر فيضيف: «بدأ يحفظ الشعر منذ طفولته المبكرة وقد حفظ قصائد مشهورة لـ"صفي الدين الجلّي" و"السموءل" و"عنترة العبسي" و"الشيخ أمين الجندي" قبل إتمامه الثامنة من عمره، فألفت أذنه وزن الشعر السليم وهو في الحادية عشرة وراح يصف كلمات على هيئة أبيات شعر موزونة وهو في الثالثة عشرة.
ومن مكتبة أبيه بدأ يحفظ الكثير من شعر المتنبي والمعلقات وشعراء الحماسة وغيرهم وفي السابعة عشرة كانت له مطرّزة مقطوعة في الشريف حسين وقصائد غزلية يتناقلها رفاقه وزملاؤه وفي العشرين من عمره أي في عام1927 كانت له أول وقفة على المنبر ونشرت له أول قصيدة في الصحف (صحيفة الأحرار البيروتية وصحيفة صدى سورية الحمصية)، واستمر في نظم الشعر ونشره وإنشاده وكان بعض شعره وجدانيا ومعظمه واكب النضال الوطني والقومي في سورية وفلسطين والبلاد العربية».
كان للأديب الراحل تجارب أخرى في النثر والتأليف إلى جانب الشعرعنها يضيف السيد "نجم الدين" بالقول: «بالإضافة إلى الشعر وهو الفن الرئيسي الذي عرف به الشاعر، فقد كتب منذ شبابه في الفنون النثرية المختلفة فكانت له مسرحية (فظائع المنجمين) وهو في الثالثة والعشرين ومثل فيها دور البطولة، كما كتب خلال عمله في التعليم مسرحيات شعرية ونثرية تهدف إلى إيقاظ الروح القومية والوطنية عند الطلاب ومثلت هذه المسرحيات في المدارس وعلى مسارح "حمص" منها مسرحية "سيد الهررالتي" أصدرتها مكتبة الأطفال المصورة في "حلب" للطفي الصقال عام 1945 ومسرحية جيش الأطفال أصدرها المنتدى الثقافي الأدبي بدمشق عام 1957ومجموعة مسرحيات الأطفال (صرخة الثأر) أصدرتها وزارة الثقافة والإرشاد القومي في سورية عام 1980 وتعد هذه المسرحيات من آثاره المطبوعة».
وعن تجربته في الصحافة والدوريات التي نشر فيها قال: «كان يكتب المقالة بغزارة ويلقيها خطباً على المنابر، كما كتب في الخاطرة والقصة وألقى الحديث الإذاعي من إذاعة دمشق وكان ينشر في عدة صحف، ففي "حمص" نشر في (صدى سورية - حمص الهدى - التوفيق - السوري الجديد- الضحى - الفجر - الرأي العام - الميزان - العهد والعروبة )، ومن الصحف الدمشقية (المقتبس – القبس – الأيام – الكفاح –الإتحاد الصحافي – المنار – دمشق المساء – الإنشاء – العلم – الطليعة )، وصحيفتي الاعتصام والوقت في حلب والعاصي في حماه والمواكب في القامشلي ومن المجلات الحمصية (البحث والهدى واليتيم العربي والأمل وهي مجلة ثقافية جامعة كان "رضا صافي" أمين تحريرها) ومن مجلات دمشق (الإذاعة السورية – المنتدى –التمدن الإسلامي – حضارة الإسلام والموقف الأدبي وحولية (التراث العربي )، أما في لبنان نشر في صحف الأحرار والبرق ومجلة العروبة في بيروت وجو بيتر في بعلبك».
للراحل "رضا صافي" دور تربوي وتعليمي لم تنساه "حمص" من خلال تأسيسه للمدارس، عنها يضيف نجله: «انتدب الراحل أثناء عمله في التعليم إلى مديرية معارف "حمص" (مديرية التربية) وشغل منصباً رئيسياً فيها استطاع من خلاله وبمبادرته النشيطة أن يسهم في نهضة التعليم الرسمي ويذكر له الفضل في تأسيس أول ثانوية رسمية للبنات في "حمص" عام 1938، كما يذكر له الدور الأكبر والأهم في تأسيس أكثر من عشرين مدرسة ابتدائية في "حمص" وريفها في عام واحد وهو أول عام بعد الاستقلال.
وبعد إحالته إلى التقاعد بطلب منه عام 1953 افتتح مدرسة إعدادية خاصة للبنات (إعدادية حليمة السعدية) وأغلقها عام 1971 وخلد إلى البيت حيث كتب ذكرياته وجمع ديوانه المخطوط ومن آثاره ديوان شعر قيد الطبع ومجموعات قصصية ومقالات وخواطر وخطب وأحاديث إذاعية».
يعد كتاب "على جناح الذكرى ... حكاية حياة وملامح مدينة" من أهم أعماله المخطوطة عن هذا الكتاب وظروف كتابته بضيف السيد "نحم الدين": «بعد أن تخفف "رضا صافي" من أعباء العمل وكان قد بلغ السبعين من العمر كتب ذكرياته في حلقات أسبوعية مسلسلة في الجريدة الحمصية (العروبة) على مدى أربع سنوات ثم جمعت في كتاب سمي بذلك نشرته وزارة الثقافة والإرشاد القومي في سورية في أربعة أجزاء في الأعوام 1982-1983-1984-1986 فكان تأريخاً للحياة الاجتماعية والثقافية والنضالية في "حمص" من خلال ذكريات حياته بدءاً من طفولته المبكرة قُبيل الحرب العالمية الأولى وانتهاءً بستينات القرن الماضي ولعل عناوين وأبواب الكتاب التالية تشير إلى مضامينه: في فجر الطفولة – في مناهل العلم (حلقات العلوم الشرعية ,الكتّاب ,المدرسة ) في دروب الحياة (درب الشقاوة ,درب العمل ,درب اللهو والطرب ,درب الأدب ودرب الوطنية )».
تكريم الأديب هو وسامٌ يزين حياته الأدبية فماذا عن التكريمات التي حصل عليها "رضا صافي" سواء في حياته أو بعد وفاته: «تقديراً لدوره التربوي والأدبي فقد كرمته في حياته نقابة المعلمين في "حمص" واتحاد شبيبة الثورة واتحاد الكتاب العرب، أما بعد وفاته أقام اتحاد الكتاب العرب بالاشتراك مع نقابة المعلمين والمركز الثقافي العربي في المحافظة حفلة تأبين له في أربعينه كما أطلق مجلس المدينة اسمه على شارع رئيسي في حي الإنشاءات، وأطلقت مديرية التربية اسمه على مدرسة للتعليم الأساسي في حي المحطة، أما في المركز الثقافي فإحدى قاعات المطالعة فيه سميت باسمه وكرمه مجلس المدينة أيضاً في مهرجان حمص الثقافي الفني عام1997 لريادته في التأليف المسرحي.