شاكر الفحام
"شاكر الفحام" اللغة العربية أولاً
روشاك أحمد
تنقل بين مناصب عدة من المعلم إلى الوزير والإداري والسفير، فطوال فترة تنقله بين المناصب أصب جلّ اهتمامه على اللغة العربية... هو الدكتور "شاكر الفحام".
الدكتور "غياث بركات" من أصدقاء "الفحام" يقول: «الأستاذ الدكتور "شاكر الفحام" رحمه الله الذي أمضى عمره في خدمة العلم والوطن فكان أستاذاً متميزاً في جامعة "دمشق" أعواماً طويلة أسهم في تقدم هذه الجامعة عندما وكلت إليه رئاستها، وكان لجهوده الخيرة أثر واضح في جميع المهام التي ندب إليها سواء وهو وزير للتربية أم عندما تسلم وزارة التعليم العالي، فهو أول سفير لسورية في "الجزائر" وكذلك تأسيسه للموسوعة العربية ورئاسته لمجمع اللغة العربية إضافة إلى أعماله المشهودة على مستوى الوطن العربي لقد أخذ على عاتقه مسؤولية البناء والوطن وخدمة أبناء وطنه وأمته، فكان موضع احترام الجميع وتقديرهم وخير سفير لوطنه ولجامعته كما عرف عنه دماثة الأخلاق وطيب العشرة ووقار العلماء وتواضعهم وتهذيبهم وحب الآخرين والتفاني في خدمة الوطن والأمة، وكانت سيرة الدكتور "الفحام" العطرة موضع تقدير الجميع فقدمت له الجوائز والثناءات من جهات مختلفة وكرم في أكثر من مناسبة، ووفاء له وتقديراً لجهوده فقد أقر مجلس جامعة "دمشق" تسمية أحد مدرجات كلية الآداب باسم الدكتور "شاكر الفحام"».
أما الدكتور "مروان المحاسني" رئيس مجمع اللغة العربية فيقول: «كيف لي أن أرجح وجهاً من وجوه شخصيته على وجوهها الأخرى وكيف لي أن أجمع صفاته رئيساً للجامعة إلى مميزاته وزيراً للتعليم العالي لأصل إلى مسلكه سفيراً لبلاده في "الجزائر"، فلقد اكتملت معرفتي بالأستاذ الدكتور "شاكر الفحام" رحمه الله يوم استقبلني عضواً عاملاً في مجمع اللغة العربية "بدمشق" 1989 وكان يومئذ نائباً للرئيس وكانت قد امتدت نيابته للرئيس سنوات عديدة معاضداً ذلك الرجل المقدام والإداري الصارم الدكتور "حسني سبح" الذي كان من أنبغ أساتذة كلية الطب.
ثم استمر الدكتور "الفحام" نائباً للرئيس بعد رحيل الأستاذ "حسني سبح" عام 1993 وكان إصراره على عدم تقلد الرئاسة طوال تلك السنوات مرتبطاً بالتزامه الإشراف على تيسير الموسوعة العربية التي كان يؤمل لها أن تسد فراغاً ثقافياً لا يستطيع المجمع بأوضاعه الراهنة أن يسده إذ على الموسوعة أن تتطرق إلى مجالات علمية وثقافية وتاريخية تتجاوز مهام مجمع اللغة العربية وقد كان تسلمه رئاسة المجمع عام 1993 إيذاناً بعودته إلى التركيز على اللغة العربية وهي التي اعتمدها محوراً لحياته، فلقد نال الدكتور "الفحام" الإجازة في آداب اللغة العربية من جامعة القاهرة عام 1946 وأتبعها بدراسات عليا أهلته للحصول على شهادة الماجستير في الآداب عام 1960 وانتهى إلى شهادة الدكتوراه الجامعية في جامعة "القاهرة" عام 1963 ونحن إذ نتطرق إلى الدراسة الجامعية في النصف الأول من القرن الماضي لا بد لنا من العودة إلى الجوالفكري الذي كان يخيم على جامعات الوطن العربي في تلك الحقبة جوٍ تعصف به تيارات ثقافية وأخرى سياسة محدثة جدالات عميقة الأثر في استقطاب عقول الشباب وميولهم فقد عرفنا حينذاك نقاشات حادة في جامعتنا السورية بين الملتزمين بالتيار القومي العربي والمتعاطفين مع التيار السوري القومي أو التيار السوري الشيوعي أو التيار الإسلامي».
أما الدكتور" إحسان النص" عضو المجمع فيقول: «رافقت العزيز "شاكر" ما يزيد على ستين سنة، بدءاً من أيام الدراسة في المرحلة الثانوية، ثم رافقته في جامعة "القاهرة"، حين أوفدنا لنيل الشهادة الجامعية (الليسانس)، ولم تكن جامعة "دمشق" قد فتحت أبوابها آنئذ، ثم عملنا في التدريس سنوات عشراً، ورافقته مرة أخرى حين أوفدنا إلى جامعة "القاهرة" لنيل شهادتي الماجستير والدكتوراه، وكانت لقاءاتنا في تلك الحقبة متصلة، ولما فتحت جامعة "دمشق" أبوابها دخلناها معاً للتدريس في قسم اللغة العربية، ولما أوفدتني جامعة "دمشق" إلى "الجزائر" لتعريب جامعتها المفرنسة، كنت السابق إلى "الجزائر" سفيراً لسورية فيها، ثم كان بيننا لقاء آخر في هيئة الموسوعة العربية يوم كنت مديراً لها، والتقينا أخيراً في رحاب مجمع اللغة العربية بدمشق، وكنت رئيساً له، فعملنا معاً في الاضطلاع بمهامه، وكنا نترافق في سفرنا إلى "القاهرة" كل عام، ونحن عضوان عاملان في مجمع اللغة العربية بالقاهرة، وهكذا قدر لنا أن نكون رفيقين في دربنا طوال ما يزيد على ستين سنة، وكان لي طوال هذه السنين نعم الرفيق، ونعم المؤنس».
الدكتور "محمد حسان الطيان" وهو من طلاب الفقيد يقول: «لعل من أبرز مظاهر عناية الأستاذ بطلابه تلك المناقشات التي كان يشارك فيها، فقد تحولت به وبأمثاله من كبار الأساتذة إلى أنديةٍ علمية يسمع فيها الطالب كل مفيد وظريف، مازلت أذكر كيف كان يفسح المجال للأساتذة المناقشين يتقدمونه بالقول حتى إذا ما فرغت جعباتهم شرع يقول "لم يترك لي الزملاء بقية" وراح يتحفنا بأفانين من القول ودقائق من التحقيق وطرائف الأمثال والشواهد تنسي كل ما تقدم، أحب أستاذنا الفحام العربية وأصفاها زهرة عمره، ومنحها كل وقته، ووهبها كل طاقته وجهده، فهو المتبتل في محرابها أبداً، والقائم بشؤونها أنى كان وارتحل، لا تكاد تراه إلا كاتباً لمقال عنها، أو مشاركاً في ندوة لها، أو مؤلفاً لكتاب فيها، أو مراجعاً لنتاج يتعلق بها، أو مترئساً للجنة تعمل في سبيلها، هو عالم أسس بنيانه على قاعدة صلبة من قراءة التراث العربي الإسلامي القراءة المستوعبة، فهو عنده كل متكامل لا يغني فيه فن عن فن، ولا يترك كتاباً لكتاب، نهل ما نهل وعل ما عل من علوم اللغة العربية وآدابها».