"طاهر البني" والفن التشكيلي في "حلب"
د. محمد جمال الطحان
«إذا كانت الحركة التشكيلية في حلب ولدت في القرن العشرين ، فإن الفن التشكيلي في هذه المدينة يمتد بجذوره إلى العصور القديمة التي نشأت فيها ، وليس أدل على ذلك من المنحوتات الحجرية التي يحتضنها المتحف الوطـني بحلب ، بالإضافة إلى ما تحتويه الأوابد والمعالم الأثرية من أعمال فنية تدل على عراقة هذه الفنون».هذه هي إحدى مقولات الفنان" طاهر البني" الفنان الذي يرصد حركة الفن التشكيلي في مدينة "حلب".
التقيناه في الأول من الشهر الأخير من عام/2008/وسألناه عن مدارس الفن التشكيلي في "حلب" فقال: « ظهرت في "حلب" منذ منتصف القرن السادس عشر أبرز مدرسة للتصوير الأيقوني على يد الأب "يوسف المصور" وابنه "نعمة" وحفيديه "حنانيا" و"جرجس". وترافق ذلك مع وجود عدد من المصـورين الحلبيين من أمثال : "أحمد بن يوسف بن هلال الحلبي" ، و"أبو بكر محمد الجلومي" . بيد أن الحركة التشكيلية المعاصرة، نشـأت مع بداية القرن العشرين على يد عدد من الهواة الذين تتلمذوا على بعض الفنـانين الغربيين الذين وفدوا إلى "حلب "، وكان في طليعة هؤلاء الفنان الرائد "منيب النقشبندي" الذي عين أول مدرس للفنون في المكتب السلطاني « ثانوية المأمون » بـ"حلب" ، وكان من تلاميذه "غالب سالم" – "وهبي الحريري" – "إسماعيل حسني" . واشتهرت في العشرينات أعمـال الفنانين : " نديم بخاش" – "عبد الحميد قمري" – "علي رضا معين" ». وسألنا الفنان" بني" عن تأسيس مركز الفنون التشكيلية في "حلب"، فقال: « في أوائل الستينيات تأسس مركز الفنون التشكيلية ب"حلب "، وعيّن" إسماعيل حسني" أول مدير له بعد تخرجه من "روما" عام /1957/، فكان هذا المركز بمثابة أكاديمية صغيرة تخرّج منها عدد من الفنانين المتميزين الذين رفدوا الحركة التشكيلية السورية ». وسألناه عن أبرز الفنانين الحلبيين في تلك المرحلة ، فقال: « في تلك المرحلة عاد من" روما" عدد من الدارسين للفنون من أمثال : " فاتح المدرس" – "لؤي كيّالي" – "رولان خوري" – "طالب يازجي" ، مشكلين بذلك القاعدة الراسخة للإنتاج التشكيلي الإبداعي من خلال معارضهم وتدريسهم للفنون . وترافق ذلك مع ظهـور عدد من الهواة المبدعين من أمثال : "وحيد مغاربة" – "محمد اعزازي" – "أسعد المدرس" – "وحيد استانبولي" – "برهان نعساني" – و"سامي برهان" »الذي أقام أول معرض له في دمشق عام/ 1961/ ». وعن مرحلة السبعينات حدّثنا الفنان" طاهر البني" قائلاً: «في مطلع السبعنيات عاد الفنـان " لؤي كيالي " إلى "حلب" إثر أزمة نفسية حادة تعرض لها في "دمشق"، وأخذ الفنانون الشباب يلتفون حوله ، ويشاركونه جولاته التصويرية في المقاهي الشعبية حيث يختارون موضوعاتهم، فأنجزعدد منهم معارض فرديـة طليعية، فكان منهم : " مأمون صقال" – "سعد يكن" – "عبد الرحمن مهنا" – "طاهر البني" – "عبد الرحمن موقت" – "يوسف صابوني" وفي أوائل الثمانينيات أقام " سعود غنايمي " أول صالة خاصة للفنون ضمت إليها أصدقاء الفن ، فكانت موئلاً لعدد من الفنانين والأدباء وعرضت لمعظم الفنانين المقيمين في "حلب" والوافدين إليها من المحافظات السورية ، وقد تزامن ذلك مع عودة عدد من الفنــانين الذين درسوا في دمشق من أمثال : " سعيد الطه" – "زهير دباغ" ـ "يوسف عقيل" – "شـكيب بشقان" – "شريف محرم" – "جبران هدايا" – "مراد ويس". وكان لهؤلاء الفنانين نشاطهم المتميز وأساليبهم المحدثة التي أكسبت الحركة التشكيلية بـ"حلب" حضوراً فاعلاً ضمن المشهد التشكيلي السوري ».
وسألنا الأستاذ"بني" عن صالات العرض في "حلب"فقال : «في هذه الآونة تمّ افتتاح عدد من صالات العرض الخاصة التي نشطت في إقامة المعارض بمستويات متفاوتة، وكان من أبرز هذه الصالات : " صالة سومر " التي أسسها "علي الحسين" ، و" صالة آكاد" التي أسسها "جبران هدايا" ، و " صالة النقطة " التي أسسها "سعد يكن" ، و"صالة الخانجي " التي أسسها "محسن خانجي" ،و"صالة سرمد " التي أسسها "يوسف عقيل"، و" صالة بلاد الشام " التي أسستها "أمية الزعيم" ، و" صالة كلمات " التي أسسها "عدنان الأحمد" ، و" صالة بولمان الشهباء "ط و "صالة الجسر"، بالإضافة إلى صالتي" تشرين" و"الأسد" التابعتين لوزارة الثقافة ونقابة الفنون . وبذلك أتيحت الفرصة لظهور تجارب فنية جديدة ، كان بعضها وافداً من الأقطار العربية والأجنبية ، ووفد بعضها من المحافظات السورية ، وقد أخذت اللوحة الفنية تجد لها طريقاً إلى بيوت المقتنين الذين ابدوا حرصهم على اختيار الأعمال الفنية الجيدة من المعارض المتوالية ».
هذه إذاً أبرز ملامح الفن التشكيلي في "حلب" التي تنشط فيها الحركة الفنية، ويحرص الفنانون فيها على إبراز معالم المدينة القديمة والمهن اليدوية المختلفة.