"عبد الوهاب الصابوني".. أديب ومربي فاضل
نضال يوسف
الأستاذ "عبد الوهاب الصابوني" من أبرز الشخصيات الأدبية في مدينة "حلب" رسم خلال مسيرته الطويلة بصمته المميّزة في الخارطة الفكرية والثقافية في مدينة الشهباء وعموم "سورية" وذلك من خلال عمله الدؤوب وإسهاماته الغنية في تطوير الحركة الفكرية.
لمعرفة المزيد حول هذه الشخصية الحلبية المشهورة التقى مراسل مدونة وطن eSyriaفي مدينة "حلب" بأبرز تلامذته الأستاذ والأديب "حسن بيضة" الذي افتتح حديثه بالقول: «في البداية أود القول بأنني قمت بتأليف كتاب حول أستاذي ومعلمي المرحوم "عبد الوهاب الصابوني" في العام 1987 وقامت "جامعة حلب" مشكورةً بطباعته ويتضمن دراسة وافية عن حياته ومؤلفاته ودوره في الحركة الثقافية في مدينة "حلب" والقطر».
وأضاف: «ولد المربي والأديب "عبد الوهاب الصابوني" في "حي البياضة" بمدينة "حلب" في العام 1912 وسط أسرة حلبية عريقة مشهورة بالتقي والاستقامة، وقد ترعرع المرحوم في رحاب مدينة الشهباء حيث درس في "ثانوية المأمون" التي كانت تُسمى آنذاك بالمدرسة السلطانية وذلك من الصف الأول وحتى الحادي عشر، وكان من ابرز أساتذته الذين تركوا فيه أثراً الشيخ "بدر الدين النعساني" حيث اكتشف مواهبه فعمل على تنمية حب العربية وآدابها فكان من خير أساتذته وارفعهم علماً وخلقاً».
وعن المرحلة التي خرج فيها "الصابوني" من "حلب" لمتابعة دراسته قال "بيضة": «انتقل المرحوم إلى مدينة "دمشق" لدراسة الصف الثاني عشر وأداء امتحان الثانوية وذلك في العام 1933 ومن ثم دخل دار المعلمين العليا وهناك تخرج منها ومن أساتذته حينها الدكتور "جميل صليبا"».
«وفي العام 1944 سافر "الصابوني" إلى "القاهرة" لاستكمال التحصيل العلمي فدخل كلية الآداب في جامعة "فؤاد الأول" وتخرج من قسم اللغة العربية في العام 1947 وأتيح له هناك الفرصة المناسبة لارتياد المكتبات العامرة ولا سيما "دار الكتب المصرية" فنهل من علومها النفيسة ليعود بعدها إلى بلاده حاملاً نفائس الكتب ونوادرها ومتزوداً بثقافة موسوعية في ميادين الأدب والنحو والتاريخ والفلسفة وعلم النفس واللغة، ومع مرور الأيام بدأت معارفه تتسع لأنه كان يرفدها بخبراته وتجاربه التي استقاها من رحلاته وأسفاره إلى بلاد الغرب والاطلاع على ثقافة شعوبها وحضارتهم مثل "فرنسة" و"ايطالية" و"ألمانية" و"سويسرة" و"اسبانية" و"رومانية" وغيرها».
وختم بالقول: «لقد كان للأديب "الصابوني" اهتمامات خاصّة بالفنون ولا سيما الموسيقى والتصوير والشعر والميكانيك هذا ما جعله معلماً يحلق بروح شاعر وفكر عالم ومزاج فنان وكان لذلك أكبر الأثر على الشخصية الثقافية والفكرية لذلك الجيل الواسع لذي تربى على يديه، وأخيراً وفي العاشر من شهر تشرين الثاني العام 1986 توقف قلب الأديب الكبير عن الخفقان ولكن روحه ظلت تحلق في سماء الخلود والإبداع، وقبل رحيله كتب وصيته التي تضمنت إهداء مكتبته النفيسة مع خزائنها إلى كلية الآداب في "جامعة حلب" ومنذ العام 1987 أشغل أمين مكتبة "عبد الوهاب الصابوني" في الجامعة و رغم أنني متقاعد من الوظيفة منذ سبع سنوات إلا أن ذلك لم يمنعني من الدوام يومياً لمدة ثلاث ساعات في خدمة الثقافة والفكر والحفاظ على المكتبة وإرشاد الطلبة والدكاترة لمحتواها».
أما الدكتور "مصطفى البكور" -دكتور في اللغة الفارسية وآدابها فقد قال متحدثاً عن أهم الآثار التي تركها "الصابوني": «لقد تجلت إبداعات الصابوني في العديد من مؤلفاته التي طبع بعضها بينما ما زال العديد منها مخطوطاً، فمن آثاره المطبوعة: كتاب /اللباب في النحو/ طبع في العام 1973 -464 صفحة ويضم طائفة من حروف المعاني مع شيء من النحو وغير ذلك، وكتاب /شعراء ودواوين/ وفيه يعرّف بطائفة من الدواوين الشعرية وأصحابها ويقع في 360 صفحة وطبع في "بيروت" العام 1978 في "مكتبة دار الشروق"، والكتاب الثالث عنوانه /"عصام"/ وهو قصة كتبها في شبابه ونشرتها "دار المعارف المصرية" في العام 1953».
وقال متابعاً: «أما آثاره المخطوطة فهي: ديوان شعر -رسائل وورود -فهرس مكتبته في ثلاثة أجزاء و1500 صفحة -كتاب في علم النفس -محاضرة عن المرأة -مختارات شعرية -مختارات من مطالعاته».
وأخيراً يقول الناقد والدكتور "عصام قصبجي" عن المرحوم: «كان "الصابوني" من الذين مزجوا بين العلم والجمال مزجاً صوفياً ولست تجد أثراً من آثاره في الأدب أو الفكر أو الحياة إلا ووجدت جمال العلم وترف الذوق وإنّ ذلك كله ليجلى عليك في صورة من التفاني الصوفي جوهراً ومظهراً وكأنّ يقين العلم لا يُدرك في آثاره إلا عبر رؤى الجمال وإذا نظرت في حياة "الصابوني" وكتبه وشعره وتقنيته فلا تبصر إلا حياة في شعر وفكراً في شعر وتقنية في شعر أيضاً».
يُذكر أنّ مكتبة الأديب "عبد الوهاب الصابوني" المهداة إلى كلية الآداب في "جامعة حلب" تتضمن مجموعة من من كتبه ومخطوطاته ونظارته والوثائق الشخصية المتعلقة به إضافة إلى قطعة معدنية صنعها "الصابوني" الميكانيكي بيديه باعتباره كان ميكانيكياً، والمكتبة جديرة بالزيارة.
كتابة بخط يد الصابوني تعود للعام 1929 -1930