"فجر يعقوب": الفيلم التسجيلي... المطلوب رقم واحد

"فجر يعقوب": الفيلم التسجيلي... المطلوب رقم واحد

إيمان أبوزينة

الأحد 25 آذار 2012

استطاع المخرج السينمائي "فجر يعقوب" من خلال أفلامه التسجيلية التي قدمها أن يحمل همومه الخاصة، والعامة، وأن يوثقها في أفلامٍ يقول إنها أخلصت له أكثر من الآخرين.

موقع eDamascusالتقى المخرج بتاريخ 12/3/2012 وكان الحوار التالي:

* من هو "فجر يعقوب"، وما البيئة التي نشأ فيها والتي كان لها الدور الأكبر في دراسته للسينما؟

** أحيانا تبدو الاجابة أصعب بكثير مما هو متوقع، فهي هنا تفترض اختزال حياة وتجربة شخص بعينه من دون انتظار أو حتى تحميل كل تلك المسوغات التي تمهد للاجابة.

أنا ولدت في مخيم فلسطيني كان يعيش على حواف الأشجار والبساتين، ولاستغراقي المبكر بتلك الحواف بدأت أسمع من أبي همسا بأنهم قد وجدوني تحت شجرة، وأحضروني ووضعوني بين اخوتي. وعندما انطلقت لأكتشف تلك الشجرة وجدت نفسي منقادا إليها أعيش على حوافها دائما، وكم اكتشفت من شجر خبيث ومعمر وينظر إلينا بنوع من المكر الذي لا يمكن تحمله قطعا، ولهذا فهمت معنى أن تقطع كل تلك الأشجار ليس من تلك الحواف التي كنت أنظر إليها مرتابا، بل من قلوبنا حين بدأت أخطط للنزول من فوق تلك الأشجار لأكتشف تلك الحياة الرمادية التي أوغلنا فيها من غير ترحيب من أحد.

* من أين كانت البدايات؟

** قمت بتصوير أفلام روائية قصيرة، ولكن مع دبيب العمر بدأت أجد صدى للفيلم التسجيلي دون سواه من دون أن أخطط لذلك، فهو كما يبدو لي يظل مخلصا لصاحبه أكثر من سواه.

* هل تعتقد أن تنظيم مهرجان للفيلم الوثائقي ضروري وهام لتوثيق الحدث خاصة أن البعض ينظر إلى الفيلم التسجيلي على أنه كاميرا مضافا إليه واقع؟

** أعتقد أن الحياة نفسها هي أكبر مهرجان للفيلم التسجيلي وهي بحاجة لتنظيم فقط. وأعتقد أيضا أن اعتبار الحياة كذلك يمنح الاذن والشرعية للسينما التسجيلية لأن تؤكد ثباتها الحتمي في ميدان الفن البصري الأرقى والأنقى، بعكس كل ما هو متوقع منها حتى الآن.

* هل تعتقد أن التلفزيون استطاع استيعاب الفيلم التسجيلي؟

** أعتقد أن التلفزيون أصبح الوسيلة الأكبر والأهم التي سمحت للفيلم التسجيلي بأن يحتل مكانة مهمة، وربما جعل استيعابه من قبله حظوة له كانت متوقعة على أية حال، وما نشاهده اليوم عبر الفضائيات يؤكد أن هذا الفيلم في طريقه لأن يصبح المطلوب رقم واحد، بعد أن توسعت الفكرة القائمة على أن الانسان الأرضي هو غاية الفكر الانساني ومبتغاه.

* قلت في أحد لقاءاتك إنك تتمنى وجود مهرجان مستقل للأفلام القصيرة بعيدا عن العاصمة، بحيث نستفيد من هذه التجربة، ما صدى ذلك حتى الآن؟

** ليس هناك أي صدى لهذه الأمنية باستثناء أن الشاشة كبرت وأصبحت بحجم بلاد بأكملها، وما يحدث اليوم يؤكد أن هذه الشاشة لن تصغر وستظل تتوسع حتى يعلن هذا المهرجان عن وجوده في كل مدينة وكل شارع وكل بيت.

* كيف تم تكريس ظاهرة الفيلم التسجيلي في المهرجانات السينمائية، وكيف تنظر إلى هذه المسألة كمخرج أفلام تسجيلية؟

** الفيلم التسجيلي نوع قائم بذاته، لا بل إن بعض الأفلام الأولى في تاريخ السينما يمكنه مقاسمة هذا النوع الهموم ذاتها، ومن باب التأويل نفسه، وبالتالي ليس غريبا أن تتكرس هذه الظاهرة، لأن السينما في المحصلة النهائية هي فن التعبير عن الواقع، ولولا هذا الواقع الذي لا يكون ممتثلا هنا لحرفية مزورة، لما وجدت حتى المهرجانات السينمائية نفسها.

أعتقد أن انتصار الواقع يتحقق هنا بمطابقة كاملة مع ما جاء به مخرجو ومنظرو هذه السينما الكبار، حين بدؤوا بتحقيق أفلامهم بنوع من الصبر والتعالي على الجراح، وبانتظار أن تقدح شرارات الالهام وهم يقفون على عتبات الوثيقة التي لا تصبح نادرة– للمفارقة– إلا حين يأتي عليها مخرج وثائقي، وفي يقينه أن الفيلم الذي يغذيه من روحه هنا، هو وثيقة تقع في المستقبل تماما.

* هل من الممكن أن تطغى هذه الأفلام على السينما القادمة حسب رأيك؟

** من المؤكد أنها لن تطغى كما قد يتصور البعض، ولكنها ستحقق فتوحات كبيرة طالما حققتها من دون انتظار أي معجزة في هذا الخصوص. وبما أن الانسان أصبح تحصيلا علميا مدهشا لمجموعة عوامل، مع تقليل سلطة الخيال مع الأسف فرضها نوع من السينما يقوم على التقنيات المركبة والمبالغ فيها، فإن ميولا أشد اتساعا بدأت تظهر لديه نحو السينما الوثائقية التي تربطه نوعا ما بالأرض التي يقف عليها، فالسينما التي اقتيدت في مجاهل تقنية مغلقة لم يعد فيها ما يشده إليها، وهي في ضمور بصري وعقلي وفكري، وإن بدت أن الاضاءة والأصوات المجسمة لا تأتي فقط من تحت المقاعد في الصالة كما يشير إلى ذلك المخرج الايطالي الكبير "فيدريكو فيلليني"، وانما من كل حدب وصوب، وكل ما يحيط بهذا المشاهد الذي يصبح في تعاطيه مع الظاهرة أكثر "أرضية وواقعية من ذي قبل".

* هل لأنها أقل كلفة، أم لسهولةانتشارها؟

** بعض هذه الأفلام مكلف، وقد يتطلب نوعا من المراقبة الدقيقة تمتد على أعوام، وتحتاج إلى سفر دائم مرهق ومكلف في نفس الوقت. أعتقد أنها بدأت تنتشر، لأن السينما نفسها بدأت تقتاد في مجاهل مغلقة يخيل للبعض للوهلة الأولى فيها أنها تحاكي الخيال وتعلي من شأنه، فيما هي تصادر هذه السلطة وتمنع المتفرج الجديد من مقاطرتها والتمتع بها، ولهذا بدأ يجد خياله في واقع أرضي ملتصق به وشديد التنوع والثراء.

* ما رأيك بظاهرة الفيلم التسجيلي على "الأجهزة الخليوية" السائدة هذه الفترة؟

** أعتقد أن الفيلم المنتشر على أجهزة الخليوي بغض النظر عن قراءته فنيا يفرض نوعا من تحديات اجتماعية هي من ستقرر مصيره لاحقا، ولا أعتقد أنه سيكون بحاجة لتبرير جمالياته في سياق فوضوي ومتمرد بدأ يتشكل في وعينا وأمام أعيننا بوضوح كامل.

* كيف يقضي المخرج "فجر يعقوب" أوقاته خارج أوقات العمل؟

** هناك مشاريع كتابية وسينمائية أصبح متعذرا الحديث عنها الآن بنوع من التمني، فالظروف التي تحيط بنا تدعو للتأمل أكثر، والانصات أكثر لواقع أصبح متفوقا على الجميع. ثمة كتابة مشتهاة تبرر سلوكنا اليومي ولكنها لا تفقدنا إلا الحاجة لأن نكون أكبر، ولا نبالغ في حجم تضحياتنا من أجلها، بل من أجل المستقبل الذي بتنا لا نتطلع إليه كثيرا، بعد أن استقرت المعلومة حولنا، وأصبحت هي بديلا آمنا ومطمئنا متاحا أمام الجميع، وهنا تكمن الخطورة، حين يتوقف المثقف عن أن يكون مثقفا، ويصبح داعية لجمع المعلومة فقط.

الناقد والصحفي "خليل صويلح" قال عنه: «ينتظر "فجر يعقوب" فرصته المؤجلة في تحقيق شريطه الروائي الطويل الأول، من دون أمل كبير، فقد أتى هذا المخرج إلى الساحة في لحظة استعصاء انتاجية، وندرة في الفرص، خصوصاً، بالنسبة لمخرج مستقل. هكذا اكتفى- في الوقت الضائع - بتحقيق أفلام قصيرة، قد لا تعبّر تماماً عن رغباته وبصمته الواضحة.

يكتب عن أفلام الآخرين، يحضر مهرجانات، يترجم كتباً في السينما، ويكتب شعراً، لكننا لن نقيّم تجربته حتى نرى توقيعه على فيلمه الروائي الطويل وقد أفرغ شحنته كاملة. وقتها قد نهتف" اللعنة! لماذا تأخرت كل هذا الوقت؟».

يذكر أن المخرج "فجر يعقوب":

• تخرّج المخرج والكاتب والناقد السينمائي فجر يعقوب في المعهد العالي للسينما في صوفيا 1994.

• في 1998، أنجز أول أفلامه بعنوان "سراب"

 (15 دقيقة) عن قصة بالاسم نفسه للأديبة "كوليت خوري"، من إنتاجه الخاص، وتمثيل كل من "بسام كوسا" و"يارا صبري".

• في 2003/2004، صوّر فيلمَين تسجيليين في بيروت هما: "متاهة" (4 دقائق) من إنتاجه الخاص، و"صورة شمسية" (15 دقيقة) إنتاج "تلفزيون المنار" ومؤسسة "غسّان كنفاني".

• في 2004، أنتجت له المؤسسة العامة للسينما فيلم "البطريق" (18 دقيقة)، تمثيل "بسام كوسا" و"نادين سلامة".

• أتبعه في 2008 بفيلم تسجيلي اسمه "عراقيون في منفى متعدد الطبقات"، من إنتاج "شركة صورة" لحاتم علي. وكان من بين 8 أفلام مختارة من آسيا للمشاركة في المهرجان العالمي للأفلام الآسيوية في "فيزول" بفرنسا.

• عام 2009 شهد إنجاز فيلم "السيدة المجهولة" (22 دقيقة) عن قصة بالاسم نفسه للأديبة "كوليت خوري"، إنتاج المؤسسة العامة للسينما، وتمثيل "تاج حيدر" و"نادين".

• في 2010، أخرج فجر يعقوب فيلماً من تأليفه وإنتاجه الخاص بعنوان: "This is my Casablanca.. أثر الفراشة" (14 دقيقة)، تمثيل مجموعة من الأسماء الشابة.