محمد عبد الكريم
حمد مزهر – همام كدر
فنان ينضوي تحت ظاهرة العزف الموسيقي المبدع المنفرد، يطربنا بعزفه و يسكرنا بلحنه و يسمعنا غناءً على آلة البزق يعبر عن شيء ما، يجيش في داخلنا عبرآلة موسيقية مجردة ..
هو"محمد بن علي المرعي" الملقب "بمحمد عبد الكريم الحمصي الأصيل" . ولد عام 1911 ليكون أميراً للبزق بكل معنى الكلمة، نشأ و ترعرع في مدينة حمص في حي الجوالة في عكرمة أو حي الخضر، انحدر من بيئة فقيرة فنية مبتدئا حياته الفنية بحفلات الأعراس حيث كان أبوه وأخوه يحييان الحفلات الموسيقية .بداية موهبته للعزف على البزق رأت النور عبر قصة طريفة يذكرها لنا التاريخ الحمصي ، تقول القصة :
عندما كان في العاشرة من عمره, قدم مع أمه إلى دمشق، وفي أحد الأيام كان يسير معها في منطقة الدرويشية أول شارع مدحت باشا، لمح فجأة محلاً لبيع الآلات الموسيقية, والبزق معروض في الواجهة، فأفلت من يد أمه وتمدد على سكة الترام وهدد والدته أنه سينتحر دهساً بدواليب الترام إذا لم تشتر له آلة بزق. شاهد المنظر(جميل القوتلي) صاحب المحل آنذاك، فتقدم من محمد مرعي قائلاً (اذا استطعت أن تعزف على البزق, أقدمه لك هدية) ..ذهب الطفل وأمسك بالبزق وعزف عليه بشكل أدهش صاحب المحل الذي أوفى بوعده وأعطاه البزق،هدية...!
تتلمذ أمير البزق على يدي ( حسين محي الدين بعيون )أمير البزق الشهير , ثم سافر إلى البنان، وبعد فترة من الزمن عاد أدراجه إلى حمص ليعمل كعازف مع مغنّ مصري اسمه ( محمد البخيت ) ، ثم انتقل إلى حلب و بقي فيها مدة ثم عاد مرة أخرى إلى لبنان و من ثم إلى فلسطين، و ذلك عام 1921 م و كان عمره في تلك الأثناء 11 عاما واستقر في يافا ولكن لم يحالفه الحظ بالنجاح كما أراد و ذلك لكثرة المغنين فيها . ثم انتقل إلى مصر ليعمل مغنيا و عازفا، وأخيرا عمل في مسرح (مدام بلانش)هناك.
منذ نعومة أظفاره أحس بأنه مميز و عبقري و أن شكله غير مرغوب فيه ،و قامته قصيرة لدرجة شكلت عنده عقدة نقص عالجها و تصدى لها بتمرينه و عمله المتواصل و المبدع على آلته، تحسباً لأي ظروف قاهرة تواجهه من مفاجآت و مآزق.
كل من كان يسمع لحنه وعزفه كان يطرب لحد الدهشة ،فاستحق أن يطلق عليه لقب أمير البزق ،هذه الآلة التي طور فيها الكثير حيث جدد بعقد البزق و أضاف إليه ( زندّ و دساستين ) و غير الطاسة و صنعها من خشب(موندرين ) وزاد على البزق وترين، ووضع بالقرار وترا زيادة بإضافة ( سلك + قصب ) أما أربطة زند البزق فقد كان عددها (18 ) رباطاً و جعلها ( 38 ) للتنوع في النغم.
اشتهر محمد عبد الكريم بالشارات الموسيقية التي وضعها لعدد من الإذاعات لدى افتتاحها. وهذه الشارات تعزف عدة مرات قبل بدء إرسال الإذاعة صباحاً، منها إذاعة القدس العربية عام 1936 وإذاعة الشرق الأدنى في يافا (لندن اليوم )
وإذاعة دمشق في السابع عشر من نيسان عام 1947. وضع لها أيضا شارة الافتتاح التي لا تزال تبث حتى اليوم .
يعتبر الفنان محمد عبد الكريم من المساهمين بتأسيس إذاعات كل من ( دمشق- القدس - الشرق الأدنى ) ويعتبر من أسرع عازفي البزق بالعالم.
لقد عشق الأمير البزق وعشقه حتى أصبحا شيئاً واحداً, بل وجــهان لعملة البزق (الآلة والعازف) وقام بتطوير البزق وجدد بعقده وأضاف إليه ( زندّ و دساستين) وغير الطاسة وصنعها من خشب (موندرين) وزاد وترين على البزق و وضع بالقرار وتر زيادة (واحد قرار وواحد جواب)بإضافة (سلك + قصب أي (قرار + جواب). أما رباطي زند البزق فقد كان عددها (18) رباطاً وجعلها (38) للتنوع في النغم. علما ً بأن البزق وتر فوق وشريط تحت. والجدير بالذكر أن معظم آلات البزق كانت من صنعه سابقا ً وهكذا كما يقولون زاد في الطنبور نغما. له لحن بل مقام خاص به مسجل باسمه باسم (مريومة).
وتعتبر معزوفة محمد عبد الكريم (رقصة الشيطان) من أصعب وأسرع المعزوفات على البزق, لذلك لقب بألقاب كثيرة منها (شيطان البزق– باكنيني البزق– أميرالبزق- ملك البزق ... الخ)
لحنّ أمير البزق الكثير من أغنيات المشاهير من المطربين والمطربات أمثال: (سعاد محمد -صالح عبد الحي– ماري مكاوي – فهد نجار- فايزة أحمد بأشهر أغانيها \ياجارتي ليلى\- نجاح سلام وأغنيتها الجميلة رقة حسنك وجمالك .....) وغيرهم.
نال إعجاب سيدة الغناء العربي أم كلثوم بعزفه على البزق، وقد قالت عنه (دنت موهبة عظيمة يا سلام يا أمير) أما محمد عبد الوهاب كان يصغي لألحانه ويقول له (آه ...طيب يا أمير)
توفي أمير البزق محمد عبد الكريم (1989)م وحتى أواخر حياته بقي فقيراَ معدماَ يسد رمق عيشه من عرق جبينه, واستقر في مدينة دمشق قرابة الثلاثين عاما ً يسكن في غرفة متواضعة بحي عين الكرش رافضاً الانصياع إلى تيار الأغنية الشبابية وإعطائها ألحانه التي لو فعل ذلك لكان من أكبر الأثرياء لكنه بقي محافظاً على مبادئه و فنه. أقامت له كنيسة مار اليان الحمصي ضمن أسبوعها الثقافي في حمص حفلا تكريميا لذكراه وإعادة توزيع أعماله على الجمهور في CDخاص.