محمود فاخوري
مازن بغدادي
علم من أعلام العطاء والبحث والدراسة والتحقيق، علاّمة في فقه اللغة العربية، "محمود فاخوري".. أستاذ الأساتذة، ومرجع الأدباء، يعتبر نفسه مسؤولاً عن أي كتاب يصدر، ومن واجبه أن يصحِّح أخطاءه النحوية، لا يتأخر عن تصويب الأخطاء، بل يأتي بنفسه إذا لم يأتِ إليه صاحب الحاجة، كأن اللغة العربية حبيبته المصون التي يجب أن تبقى في أبهى حلّة لها.
"محمود فاخوري" لا يتعصب للقديم ولا يخاصم الحديث، بل يتَّصف نقده بالنقد العصري متماشياً مع الحداثة والجديد وفضلاً عن هذا فهو سريع البديهة يتفهَّم الطرفة يضحك من القلب راقي التصرف يفي بوعده أو يعتذر.
ولد في حماة عام 1933 تلك المدينة التي أعطته الكثير في صغره وأكمل هذه المسيرة حين أصبح عمله في كلية الآداب بجامعة "حلب"، رئيس نادي التمثيل العربي للآداب منذ عام 1990، وعضو جمعية البحوث والدراسات.
التقينا الأديب الأستاذ "محمود فاخوري" بتاريخ 9/10/2008 الذي بادرنا قائلاً:
«إن الكتابة في نظري ليست رسالة إنسانية فحسب، وإنما هي أيضاً رسالة اجتماعية وثقافية وفكرية ووطنية وقومية كل ذلك يندمج بعض في بعض ليكون للحياة معنى، ويؤدي المثقف فيها دوره على الوجه الأكمل تلك هي رسالتي في الحياة أعمل من أجلها وفي سبيلها، وكنت وما أزال أجعل هدفي قول الشاعر "أبي الفتح":
إذا مر بي يوم ولم أتخذ يداً
ولم أستفد علماً فما ذاك من عمري.
وقول "الوزير المغربي": أليس من الخسران أنَّ ليالياً
تمرّ بلا نفعٍ وتُحسب من عمري».
وعن مقومات المبدع الحقيقي وأدواته يذكر: «المبدع الحقيقي يحتاج في رأيي إلى مقومين أساسيين لتكتمل له أدواته وهما الموهبة التي تولد معه والاكتساب الذي ينميه ويغذي فيه تلك الموهبة، وذلك بالإكثار من القراءة والمطالعة أولاً والاهتمام والعناية بالجنس الأدبي الذي يكتب فيه ومتابعة ما يعالجه أعلام الأدب في هذا الفن، وبذلك يتاح للمبدع الحقيقي أن يتمرس بفنه الذي اختص به وتابعَ حركات التجديد والتطور التي يقودها المختصون من الأعلام والمبرزين، وإلا وقف المبدع في مكانه حيث هو ولا يكون عندئذٍ مبدعاً حقيقياً يخدم إبداعه وفنه خدمة حقيقية، وكل الأعلام المبدعين ساروا على هذا الطريق منذ شبابهم وتعبوا وعملوا حتى نبغوا، كلٌٌّ في فنه "كيوسف السباعي، وطه حسين، وعباس محمود العقاد، وإبراهيم عبد القادر المازني، ومصطفى صادق الرفاعي" وغيرهم سواءً أكانوا من البلاد العربية أم من بلاد المهجر "كجبران خليل جبران والشاعر القروي وميخائيل نعيمة وإلياس فرحات" وسائر المبدعين من أدباء المهجر».
أما أهم الثغرات التي تواجهها الثقافة العربية بحسب رأي الأستاذ "الفاخوري" فهي: «إن الثقافة العربية تواجه مشكلات مختلفة وثغرات مكشوفة أو غير مكشوفة منها فقدان العمق وعدم الشمول، والاقتصار على جوانب وموضوعات محدودة أو محلية، وعدم الاهتمام بالآداب الغربية ومذاهبها ومدارسها النقدية، صحيح أن هناك كتباً تترجم وتنشر ولكنها لا تكفي أولاً، ثم إن الترجمة نفسها لا ترقى إلى المستوى المطلوب ثانياً، إذ أن كثيراً من المثقفين لا يحسنون اللغة الأجنبية التي يترجمون عنها، أو اللغة العربية التي يترجمون إليها، ومن البديهي أن المترجم ينبغي أن يتقن اللغتين معاً: اللغة الأجنبية واللغة العربية حتى يكون عمله متقناً كما نجد في ترجمة "أحمد حسن الزيات" و"محمد بدران" و"منير البعلبكي" وغيرهم، وكلما قرأت كتاباً مترجماً حاولت أن أستوعب مضمونه فأرى أن المترجم يسير في عمله واضعاً المعجم أمامه كلمةً كلمة، فتشعر بغموض عبارته وضعفها، والترجمة الجيدة أن يقرأ المترجم العبارة كاملة ويعبر عن مضمونها بشكل مترابط لا تفكك فيه ولا انقطاع».
وعن أوجه الاختلاف بين الثقافتين العربية والغربية وأسباب الفجوة بينهما قال:«أنا لا أتصور ثقافة معزولة عن سائر الثقافات عند الأمم الأخرى وما دامت الأسفار متواصلة، والتواشج قائماً بين الأمم بوسائل شتى وطرائق مختلفة، فلا بد أن يكون التأثير والتأثر بين تلك الأمم متيناً وقوياً، والثقافات منذ القديم كانت متداولة بين الأمم عن طريق الترجمة والتأليف والأسفار، وقد أخذ العرب والمسلمون من ثقافات الهنود والسريان والفرس وأعطوهم أيضاً، واستمر هذا التبادل حتى عصرنا هذا، بل ازداد قوةً نتيجة للتطور الحضاري وسرعة التواصل بين مختلف الثقافات عن طريق وسائل الإعلام المختلفة من مرئية ومسموعة ومقروءة، فضلاً عن الشابكة (الإنترنت) التي جعلت العالم كقرية صغيرة بعد أن كان في الماضي متباعد الأطراف واسع الجنبات، وإذا وجدت هناك فجوة بين الثقافتين العربية والغربية فإنما يعود ذلك إلى أسباب سياسية حيناً، واجتماعية حيناً آخر، وفكرية أحياناً، وهذا طبيعي لأنه لا يمكن أن تكون شعوب الأرض كلها متوافقة تماماً في كل شيء».
أما رأي العلامة "فاخوري" بالنقد فهو:«ليس للنقد دور فعال في عالمنا الحالي لأن معظم الذين يمارسونه لم يهيئوا أنفسهم له من حيث الدراسة والتعمق، وإنك لتجد كثيراً منهم يصبحون نقاداً بلا استعداد، ففيهم الطبيب والمهندس والحقوقي وغيرهم ممن ألفنا أن يكون نقدهم انطباعياً أو قابلاً للرد والتصحيح، ولا يتم دور النقد عندنا على الوجه الأكمل إلا حين يكون في جامعاتنا قسم للنقد في كلية الآداب يتخصص فيه الطلاب ويتوسعون في دراسته ومعرفة مذاهبه، ولم يعد يكفي أن يدرسه طلاب الجامعة كمادة درسية مثلما يدرسون المواد المختلفة، وكثيراً ما دعوت إلى إحداث كلية أو قسم للنقد وإذا تحقق هذا الحلم استطعنا أن نؤدي الرسالة الجادة المطلوبة وفق قواعد وضوابط ملائمة».
وعن سبب اتجاهه وميله إلى البحث والدراسة وعدم اهتمامه بالمجالات الأدبية الأخرى كالشعر والقصة والرواية يقول: «عندما كنت في مرحلة الطلب– في أربعينيات القرن الماضي- لم تكن الأجناس الأدبية على مستوى النضج المطلوب ولا بهذا التفرع الذي نعرفه اليوم، فكنا نقرأ كتب الأدب والثقافة العامة والروايات المترجمة والقصص الشعبية وما إليها، وهذا ما دفع أبناء جيلنا إلى سلوك طريق البحث والدراسة من دون الشعر أو القصة أو الرواية، وتابعت هذا الطريق في دراستي الجامعية فلم أمارس كتابة القصة والرواية وإن قرأتُ المئات من كتب هذين الفنين، وكنت أجد أن انصرافي إلى البحث والدراسة يعود علي بفائدة أكبر، وأرضي بذلك ميولي الأدبية والثقافية، أما الشعر فإنني أحفظ منه آلاف الأبيات ومئات القصائد خلال دراستي الثانوية والجامعية وما بعدهما، ومع ذلك فإني مقلّ بالنظم ولي بضع قصائد وجدانية».
وعن مؤلفاته يقول الأستاذ فاخوري: «لي مشاركات في إعداد بعض الكتب المدرسية في سورية وخارجها وأعمال أخرى تنتظر النشر، ولي أيضاً ثلاثة وثلاثين كتاباً مطبوعاً منذ عام 1963 وحتى اليوم ما بين تأليف وتحقيق، من أهمها:
1-المعين في الأدب العربي الحديث- حلب 1963.
2-المعين في النحو والصرف- حلب 1963.
3-المعين في الدراسة الأدبية- حلب 1964.
4-المنهل من علوم العربية- بيروت 1968.
5-الموسيقي الأعمى- دمشق 1969.
6-سفينة الشعراء في علم العروض وعلم القوافي والأوزان المحدثة- حلب 1970- ط2 -1990.
7-صفوة الصفوة لابن الجوزي- القاهرة 1973.
8-مسلم بن الحجاج القشيري- بيروت 1979.
9-دروس في اللغة العربية- حلب 1979.
10-الأغراض الشعرية عند الأخطل- حلب 1979.
11-منتخبات من نصوص قديمة- حلب 1981.
12-موسيقى الشعر العربي- حلب 1981.
13-في الأدب العثماني- حلب 1981.
14-سيرة ابن سينا- حلب 1982.
15-أبو محجن الثقفي- حياته وشعره- حلب 1982- ط2 1988.
16-دروس ونصوص في اللغة العربية وآدابها- حلب 1982.
17-مصادر التراث والبحث في المكتبة العربية- حلب 1989.
18-مهاجر في زمن الورد.
19-خواطر مرحة.
20-المغرب (معجم لغوي) للمطرزي- حلب 1979.
21-خريدة العجائب، لابن الجوزي- بيروت 1992.
22-روض الأخيار، لابن الخطيب- الأماسي- بيروت 2000.
23-موسوعة وحدات القياس العربية والإسلامية وما يعادلها بالمقادير الحديثة: ألفته أنا وزميلي المرحوم "صلاح الدين خوام"، وطبع في بيروت 2002، ونشرته مكتبة لبنان، وهو يضم نحو أربعمائة مادة في 500 صفحة، وهو أول موسوعة ضخمة وشاملة لمقاييس الطول والوزن والمساحة والكيل كالذراع والأوقية والقنطار والصاع وتحويل هذه الوحدات كلها إلى ما يعادلها من المقادير الحديثة كالمتر والكيلو غرام إلى آخره.
24-روض الأخيار: لابن الخطيب الأماسي- تحقيق دار القلم بحلب 2003.
25-فن التعبير بالعربية المعاصرة: ألفته مع "فائزة القاسم" و"جورج بوهاس"، وطبع في باريس سنة 2005.
26-عيون الأخبار وفنون الآثار (السبع السادس) لإدريس بن الحسن الأنف، وقد حققته بالاشتراك مع "محمد كمال" ونشره المعهد الفرنسي للشرق الأدنى بدمشق سنة 2007.