"أحمد إبراهيم": الطبيعة مصدر الإيحاء والإبداع والروحانيات

"أحمد إبراهيم": الطبيعة مصدر الإيحاء والإبداع والروحانيات

 

علاء الجمّال- 15/5/2014

"أحمد إبراهيم" فنان تشكيلي سوري، قضى ما ينوف على /27/ عاماً يرسم الطبيعة ويوثق ما تبصره عينه من جمال بدائعها الروحانية… فكانت محور إهتمامه وتطلعه التشكيلي، رسم "البورتريه" وأجاد فيه لمسته الإنطباعية الكلاسيكية فعرف بها وعرف بغنائية التكوين واللون في اللوحة.

eSyria calendarكان له مع الفنان "أحمد إبراهيم" الحوار التالي مستوضحاً خلاله رؤية للطبيعة ووصفاً بصرياً لها وفكرة حول الترف الفكري والبورتريه والفن… وذلك أثناء لقائه بتاريخ 19/4/2009 في معرضه الجديد في صالة "السيد" ـ "دمشق".

* يلاحظ شغفك وتولعك بعلم الطبيعة والبحث في جمالياتها وإستخراج بدائع الرؤية حولهاهل لك أن تصف علاقتك معها والروحانيات التي منحتك إياها؟

** الطبيعة مختزنة في ذاكرتي منذ الطفولة، فأنا إبن "للجولان" السوري المحتل، إبن لبدائع طبيعته  الجميلة، وللأسف اليوم لم تعد كما كنت أراها آن ذاك، فقد إمتدت يد الإنسان المعاصر إليها لتهدمها وتبني عليها العلب البيتونية التي حصرته ضمن مكعبات قاسية وبشعة، لذلك أنا كفنان هدفي أن أكشف جمالها وجمال بلدنا للعالم... وأن أستعيد بها ذكرى قرانا المحتلة في "الجولان"، وفنياً الطبيعة ملهمة كل فنان… "ليوناردو دافنشي" قال: «الطبيعة هي المنطق الصحيح فأرجعوا إليها لأنها لا تحمل أخطاء مطلقاً».

أنا لست فنان طبيعة كإختصاص ولا يوجد إختصاص كامل بها، ولكن هناك مصورين جيدين لها، إنها مصدر الإبداع والروحانيات… لقد نهل كل فنانين العالم  من بدائعها الجمالية والروحية  وأصبحوا بها عالميين، الخيال الواسع لا يغني مداركه التصورية سوى مشاهدات الطبيعة... كما أن كل المدارس الفنية إنطلقت منها، وأنا في تجربتي ألون من ألوانها وحتى الآن أرسمها وأغني ذائقتي منها لكي أكون متميزاً في اللون.

وأنوه في جانب آخر إلى أن العالم بأسره يعود الآن إلى الطبيعة ويحرص على حمايتها والحفاظ عليها، إنطلاقاً من ذلك بات هناك إهتماماً بالغاً من المؤتمرات العالمية والدولية… يشدد على حفظ ما تبقى من جمالها وثرواتها، وخصوصاً بعد الخطر الجسيم الذي يتهدد سلامة كوننا إثر التلوث الكيميائي الحاصل في البيئة والجو.

* ماذا عن لوحة البحيرة المغطاة بفرش رباني من زهور النرجس التي رسمتها حديثاً وكانت من بين الأعمال التي عرضتها في معرضك الأني للعام \2009\ في صالة "السيد" في "دمشق"؟

** طبعاً مع الأمطار الغزيرة التي هطلت هذه السنة، أشرقت طبيعة "الجولان" بمروج من الورود منها أزهار "النرجس" الأبيض، التي هي من خصائص البحيرات الصغيرة هناك، والمحزن أنها لا تدوم طويلاً فأحببت تصويرها عبر لوحاتي... حتى يتعرف الناس إلى طبيعة "الجولان"، وشكلها التكويني الأخاذ.

أما خصوصية المنظر فتبدأ من كونه مشهداً بصرياً محرضاً للإبداع، ومنحى لم يسبق لفنان قبلاً أن تناوله كتسجيل واقعي يوثق البحيرات وما يحيطها من الزهور في مناطق معينة من بلادي، لهذا بينت عبر معرضي طبيعة "الجولان" وركزت على ألقها اللوني فيه، مرافقاً ذلك ببورتريه لأصدقائي القريبين.

* كيف يمكننا إبتداع علاقات الإستحواذ على المشهد الواقعي في رأيك؟

** ليس الفنان القادر على الرسم فقط بل إنه المتمكن من رصد الجمال في أي شيء حوله، والقادر على صنع لوحة فنية راقية المضمون، عائدة إلى خبرة ووعي بصري عميق، وأكثر الفنانين لا يرون ما سيرسمون، وعندما يرون مشهداً جميلاً من الطبيعة لا يرسموه.

إن خصوصية الفنان الجيد أن يعرف ماذا يرسم وكيف يحور ما سيرسم من الطبيعة ومن الأشياء التي تحيطه ولا ينتبه إليها أحد، فيصنع لوحة رائعة يراها كل الناس... كما فعل الإنطباعيون في العالم، وهنا يمكنني القول: من لا يتفاعل مع الطبيعة لا يمت للأحاسيس الإنسانية بصلة، لأن الإنسان في حقيقته جزء لا ينفصل عنها في وعيه وحدسه، ولكنه للأسف أصبح فيها مخرباً.

*ما خطورة الترف الفكري والمادي في رأيك على الإنسانية و الفن؟

** الترف الفكري يؤدي إلى إبتذال كل شيء كما حدث في الفنون الحديثة المعاصرة وليس كل الفنون، الترف الفكري والمادي أوصلا الإنسانية إلى شبه خراب، ففي سبيل المال مثلاً يقضون على الطبيعة والحيوانات والإنسان... ومن نتائج هذا الترف الأزمات الإقتصادية الخانقة التي نعيشها الآن، فرضاً الحيوان في الطبيعة يأخذ ما يكفيه لأنه جزء منها وبدون إدراك ومنطق يغنيها بالرونق والجمال، الإنسان لجشعه يخرب هذه اللوحة بقدر ما يستطيع من أجل مصلحته الخاصة وحتى في العالم المتقدم، إلا أن الرجوع إلى روحانيات الجمال إن كان عبر الأديان أو الفن أو المسرح بدأ يحد من ذاك الخراب.

* بالنسبة إلى روحانية العمل الفني، كيف تنظر إلى إنفعالاتها الصادقة؟

** روحانية العمل الفني متعلقة بحس رسامه وصدق انفعالاته التي يجسدها على اللوحة...  والعمل الذي يحمل هذه السمات يخرج من حس وقلب الفنان ليصل إلى قلوب الآخرين، وإذا رسمت اللوحة بشكل نمطي تقليدي حتماً لن تصل إلى شيء، أنا لا أشكك بالفن الحديث والحداثة دائماً مع المذاهب الفنية وتسير لنهضة الفن والثقافة بشكل عام.

وإنما الفن الأصيل يصل إلى أي إنسان والعشوائي سيظل يدور في حلقة مفرغة، ولا أظن أنه يوجد إنسان يرفض فن "ماتيس" أو "بيكاسو" أو "ماليفيتش" الروسي، جميعهم رسموا بعد خبرة طويلة ومدرسة عظيمة مرّوا بها لسنوات حتى وصلوا إلى ما عليه الآن من الفن الحديث، وهذا يختلف في  حداثة فننا المحلي فهو تقليد ووليد أيام أو أشهر معدودات... لذلك تضل الأعمال التي نراها محتاجة إلى شروط العمل الفني الحديث الناجح، وكما قال "سلفادور دالي": «لأشفق على هؤلاء التجريديون لأنهم لن يصلوا إلى شيء». فالتجريد موجود في الطبيعة وحولنا لكن ثقافتنا البصرية ليست على ما يرام وليست بالمستوى.

* هل لك أن توضح رؤيتك حول "البورتريه"؟

** "البورتريه" فن قائم بحد ذاته، وبرأيي أعقد ما في الطبيعة هو الإنسان والذي يتقن رسم الإنسان كجسد وحس يتقن رسم كل شيء... ففي جميع أكاديميات العالم المحترمة طبعاً يدرس "البورتريه" كمادة أساسية للفن، وعندما يتقن الفنان رسمه بشكله صحيح ممكن أن يصل إلى حالة تجريدية وتعبيرية تشكل محوراً هاماً للتحليل والحوار، الخطأ عندنا في التشريح من عدم معرفة رسم جسد الإنسان فيبرر المخطئ خطأه على أنه حالة تجريدية أو تعبيرية ويقول أن هذا حس.

* "البورتريه" كفن، هل حقق لك إشباع في هاجس التجسيد الكلاسيكي الذي تصبو إليه؟

** حتى الآن أدرس "البورتريه" رغم أنهم يقولون لي: أني رسام جيد في منحاه، ولكن حتى الآن أشعر أنني لم أصل إلى المستوى الذي أطمح إليه رغم أن عمري الفني /27/ عاماً ليس تواضعاً ولكن كما قال الفنان الإسباني "سيلفادور دالي": «عندما أرى اللوحة الكلاسيكية (عذراء رفائيل)، أقول لنفسي الحمد لله أنني لم أخلق في ذاك العصر» رغم أن "سيلفادور دالي" ليس أٌقل من فنانين عصر النهضة، وأستحضر أيضاً قول أحدهم عندما ذكر له "ليوناردو دافنشي" و"ميكلانجلو" فقال: «إنهم لم يضيفوا شيئاً إلى الفن».  

*هل من الممكن إيجاد مدرسة تشكيلية سورية ليس لها علاقة بالغرب في رأيك؟

** بالتأكيد لا إن بقيت الأمور على هذا الوضع من حيث جدية ورعاية المؤسسات الفنية... وأقول بإفتخار: أن معظم فنانين الغرب أخذو من حضارة بلادنا الكثير... وللأسف نحن الآن نجتر المدارس التي مرّوا بها بإسم الحداثة والفن العالمي. في حياتي لم أقابل فناناً أوروبياً من الذين أعرفهم يحلم أن يرسم الشرق لأن الشرق هو لون و مدرسة بشكله الطبيعي، مثلاً "تدمر" وتيمناً بهذه المدينة العظيمة كجمال وفن بنا"بطرس" الأكبر مدينة "بطرس بورغ" الروسية التي جعلها عاصمة له وأسماها "تدمر الشمال" علماً أن مدينة "بطرس بورغ" تعتبر من أجمل مدن العالم، ومع الأسف أكثر مبدعينا لم يزوروا "تدمر" ولم يرسموا منها أي لوحة رغم أنني رأيت عشرات اللوحات الأوربية مرسومة عن تدمر" وعن منطقتنا.

وفي هذا السياق أذكر محاورة حدثت معي في السنة الأولى من إنتسابي إلى أكاديمة "بطرس بورغ" الروسية حيث سألني البروفيسور: «من أين أنت؟» قلت له: «من "سورية"»، قالي لي: «لماذا جئت إلى هنا؟» قلت له: «لأدرس الفن عندكم» قال لي: «الفن موجود عندكم وليس عندنا» وقال لي: «إرجع إلى موزاييك "شهبا" فهي مدرسة كاملة للفن، وأنظر في فنون ما بين النهرين عندها تصبح فناناً». وهذا واقعنا فإن كنا نعاني الضعف، فكيف سننشئ مدرسة فنية "سورية" دون الرجوع إلى التراث السوري وماضيه، والذي ليس له ماض ليس له حاضر.

الرسام الروسي "أليكساندرإڤانوڤ" الذي رسم خلال حياته لوحة واحدة ضخمة مع دراساتها أسماها (ظهور المسيح على الناس) قضى لرسمها شهوراً في الشرق الأوسط في "فلسطين"  و"سورية"، ولوحته تعتبر من الأعمال الفنية الهامة في العالم، وهي موجودة في المتحف الروسي في "موسكو".  

* ماذا عن ميولك نحو تشكيل لوحات كلاسيكية تتعلق بتوثيق تاريخ الحضارة السورية، وتكون شبيهة باللوحات العالمية الموجودة في متاحف العالم؟

 ** حتماً هذا حلمي، فما أطمح إليه هو أن أتفرغ لرسوم جدارية ضخمة أوثق بها التراث السوري، مثل أثار الحضارة الفينيقية والكنعانية والإسلامية وما تلاها من آثار قديمة... أن أأرخ جميع المراحل التي مرّ فيها الوطن، وإنما ضعف إمكانياتي الإقتصادية حال بيني وبين تحقيق حلمي رغم مقدرتي الفنية على التصوير.

* ما الجوانب السلبية التي تدفع إلى الإختزالية المعاصرة دون هضم لمراحل الفن في نظرك؟

** الخوف والهروب من عدم الإمكانية المهنية والفنية، يتحججون بالإختزال ولا يعلمون أنه يأتي نتيجة دراسة طويلة وتجارب هضمت خلالها جميع المدارس الفنية... نأخذ مثالاً "تيسيانو" فنان عصر النهضة الإيطالي عندما بلغ من العمر \80\ عاماً، قال: «الآن فهمت ما هو التصوير الزيتي»، وأضاف: «أعطوني طيناً لأرسم وألون فيه جسد "فينوس»، بينما عندنا أي فنان يعتبر نفسه قمة العالم في الفن.  

* عملت في متحف "أرميتاج - لينينغراد "، ما طبيعة العمل وما المعرفة الفنية التي حصلت عليها؟

** من برنامج الأكاديمية في الصيف أن ندرس شهرين في الطبيعة وشهرين لنسخ اللوحات العالمية في متحف "الأرميتاج" لكي نتعرف إلى أسلوبه وتكنولوجيا لون الأعمال، وكيف رسمها فناونها في عصرها، وهذا يعطي الفنان المبتدأ دفع عظيم من حيث معرفة كلاسيكيات فن العصور السابقة، ومعرفة الترميم في اللوحة الفنية.

* ما رؤيتك للكتابة النقدية السائدة حالياً في التحليل التشكيلي المعاصر؟

** للأسف لا يوجد لدينا نقد فني تحليلي بالشكل اللازم، ونادراً ما نرى ناقداً فنياً ينقد اللوحة بشكل علمي وتحليلي، وأغلب الناقدين يمدحون وذلك بات عنصراً هاماً من عناصر الكتابة التشكيلية... إن النقد  لدينا ما زال في طور البحث والبادرة والرأي العفوي، وللأسف الذين معهم شهادات دكتوراه في تاريخ الفن هم الأحرى بهم أن يكتبوا عن الفن.

 

ببلوغرافيا الفنان

 

ولد "أحمد إبراهيم" في "الجولان" عام /1950/، تخرج من كلية الفنون الجميلة ـ جامعة "دمشق" قسم التصوير الزيتي، أجرى دراسات إضافية في كلية الفنون الجميلة ـ جامعة  لينينغراد في عام  /1979/ ، ودرس الفن في "ليننغراد" وتأثر بالتجارب الواقعية، وقدم الموضوعات الإجتماعية والسياسية… عمل في متحف "أرميتاج" – "لينينغراد"، وحالياً يعمل مدرساً في مجال الفنون الجميلة في المركز الثقافي الروسي في "دمشق".