"جاك عيسى"... مشهد من حكايات الإعلان السينمائي

 

 

الخميس 10 شباط 2011

 

 

 

"جاك عيسى" الشاب ذو الريشة الفنية ذات التجربة الإعلانية السينمائية التي لمع نجمها على أبواب دور العرض السينمائي في مدينة "حلب" فكان شخصية من أوائل الشخصيات الفنية التي مارست فن الرسم الإعلاني فيها.

 

 

eAleppoحاور الفنان "محمد مراش" وكشف لنا النقاب عن جزءاً من شخصيته الفنية التي عمل فيها مع الفنان "جاك" حينما كان أحد مساعديه في مرسمه للإعلان السينمائي حيث بدأ حديثه لنا بالقول:

 

«بداية معرفتي بالفنان "جاك" كانت عام 1958 وتحديداً عندما كنت في الصف الرابع، حينما اختلست النظر لمرات عدة ونظرت إليه كيف كان يقوم برسم الإعلانات في مرسمه وتأثرت به لكونه من أوائل الرسامين الذين عملوا في هذا المجال وعنه أحببت العمل الإعلاني وهجرت التعليم وبدأت بالعمل عنده حينما كان مرسمه خلف سينما "حلب"».

 

وأضاف: «ولد الفنان "جاك" عام 1931 في منطقة "شرعشوس" بـ "حلب" وانتقل إلى محلة "السريان القديمة" وعاش في كنف عائلة شبه متوسطة يتيم الأم وهو في السادسة من عمره، وحينما بلغ سن الشباب أصبح مسؤولاً عن عمته في رعايتها، ومنذ أن كان صغيراً كان يتردد على الفنانين ومن ضمنهم "جوزيف أيوب" الذي عمل عنده في المجال الإعلاني وعنه أخذ تلك المهنة، وبقي "جاك" يعمل سراً مع الفنان "جوزيف" لأن والده لم يرض بالعمل السينمائي في ذلك الوقت، إلا انه رضخ تحت موهبة ابنه الفنان "جاك" فيما بعد».

 

رغم عمله في السر إلا أن الفنان "جاك" ظل مثابراً من خلال تردده على العديد من الفنانين التشكيليين ومنهم ذكر "مرّاش": «"لؤي كيالي" الذي توقع له مستقبلا جيداً عندما شجعه على متابعة عمله في الإعلانات السينمائية وظل "جاك" يعمل عند الفنان "جوزيف" حتى جاء تاجر أفلام من عائلة "أنتيبا" وطرح عليه  

موضوع العمل في صالاته السينمائية من خلال قيامه بتصميم الإعلانات للأفلام التي يأتي بها "أنتيبا" فوافق "جاك" على التعاقد معه فقرر في ذلك الوقت أن يستقل بعمله عن الفنان "جوزيف" ومنها بدأ مشواره في الإعلانات السينمائية».

كانت بداية عمله مع عائلة "أنتيبا" في أواخر الخمسينيات القرن الماضي وتحديداً حينما قدّم أول إعلان سينمائي لسينما "الزهراء" في ذلك الوقت، وكان يوم الاثنين هو اليوم المخصّص لعرض الأفلام السينمائية ولذلك كان يجب على الرسامين أن يبدؤوا في تصميم الإعلانات يوم الأربعاء الذي يسبق يوم الاثنين، وكان هذا اليوم هو المفضل لدى "جاك" لأنه يبرز فيه مهارة رسمه التي عشقها منذ الصغر، فكان يأتي منذ الصباح الباكر إلى المرسم ولا يخرج منه إلا في ساعات الليل المتأخرة، نتيجة كثرة الأفلام التي كان التاجر يحضرها والتي كانت تبلغ من 40 ـ 50 فيلماً».

 

كان ليوم الأربعاء نكهة خاصة عند "جاك" فمنذ الصباح الباكر يأتي إلى مرسمه لكي يبدأ برسم العديد من الإعلانات التي سوف تعرض مساء السبت وعن تلك التفاصيل تحدث "مرّاش" قائلاً: «كان عملي تحديداً هو تحضير الألوان المائية وشد أرضية الإعلان، عندها يباشر الفنان "جاك" بتقطيعها على شكل مربعات ليقوم بعدها بالرسم عليها، وعند الانتهاء منها كان يقوم بتلوينها بالألوان المائية، والإعلان بشكل عام كان يرتبط مباشرة بمضمون الفيلم الذي يعلن عنه، فإن كان الفيلم حربياً يكثر "جاك" من الصور الحربية وإن كان اجتماعياً يعمد  

فيها إلى تكبير وجوه الممثلين، وحجم الإعلان الذي كان يعمل عليه في بعض الأوقات تبلغ مساحته، ثلاثة × ستة أمتار مقسم إلى ثلاثة أقسام، وهناك أيضاً الإعلان الخشبي الذي يعمد فيه أحياناً إلى تصميمه لكي يضعه أمام باب السينما مما يعطي للإعلان رونقاًُ وجمالية أكثر».

 

وفي أحد الأيام كان لعدد من الفنانين الإيطاليين فرصة لزيارة "حلب" وقد لفت إعجاب أحدهم ذلك الإعلان الذي صممه "جاك" وعن هذا يضيف "مرّاش": «حينما كان الفنان الإيطالي يتجول في شوارع "حلب" كان هناك إعلان قد أعجب به ما دفعه إلى المضي قدماً والتأمل فيه كثيراً، وهذا ليس بغريب على "جاك"، فمن بعد سنوات العمل إلى جانب الموهبة التي تمتع بها "جاك" استطاع أن يكون من أوائل الفنانين في "حلب"، وكان كل إعلان ـ أفيش ـ يأتي مع الفيلم هو بمثابة مدرسة بحد ذاتها يدخل في تفاصيلها "جاك" لأنها مرسومة على أيدي أفضل الرسامين العالمين ومنهم استطاع أن يستقي خبرته منهم، وفي أوقات الفراغ التي كانت تمتد من يوم الأحد إلى يوم الثلاثاء كان "جاك" يعمد فيه إلى المشاركة في رسم إعلانات المناسبات التي كانت تقام في ذلك الوقت مثل الوحدة بين "سورية" و"مصر" ومهرجان القطن الذي كان يظهر دور الفلاح في حقله إضافة لبعض الإعلانات التي تقدم عن المنتجات الغذائية».

 

اعتزال العمل الإعلاني

 

لكون مهنة الإعلانات تنطوي على حيوية الشباب، فقد اعتزلها "جاك" حينما بلغ الأربعين من عمره، وقد بدأت تشكل له إرهاق وخصوصاً أنه  

من أعمال الفنان "جاك" على سينما "حلب"

كان يشتكي من آلام الرقبة وقد حدثنا بها الفنان "برهان عيسى" ولد الفنان "جاك" قائلاً: «حينما ترك العمل الإعلاني شعر بجمالية الحياة التي تحيطه لأن معظم وقته قضاه في مرسمه سواء إن كان هناك إعلان يقوم برسمه أو مناسبة يعبر عنها، لكن ورغم اعتزاله الإعلان السينمائي ظل يمارس مهنة الفن من خلال مشاركته في العديد من المعارض الجماعية التي تقام في الصالات الفنية، وقد تخّرج في مرسمه فنانون منهم الفنان "سيريس" الذي تابع دراسة الفن بـ "أرمينيا" وابنه الفنان "زاهي" الذي تابع أيضا الفن في "ايطاليا"».