حسن ملحم: المتناقضات مهد السكون "للنفس والروح"

الفلسفة  مسارات الإيحاء والجمال

"حسن ملحم": المتناقضات مهد السكون "للنفس والروح"

 

علاء الجمّال:

"حســــن ملحـــــم" فنان تشكيلي سوري، حقق لنفسه على مدار خمسة عشرعاماُ  الماضيةحظوة ومكانة في الفن التشكيلي السوري حيث عرف ببحثه الدائم عن صياغة المشهد الجمالي، بواقعية دقيقة تارة، وتجريدية مبسطة تارة أخرى، وخلال الآونة الأخيرة ازدادت ميوله بالسفر إلى "أوروبا" وإقامة نشاط خارجي لعرض أعماله، واكتساب الخبرة والاطلاع..

eSyria calendarكان له مع التشكيلي "حسن ملحم" هذا الحوار، مستوضحاً بعض الومضات الهامة في الفن، وذلك أثناء لقائه في 25/1/2009 بصالة "الشعب"، مقر اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين "بدمشق".

* يحمل العمل الفني صيغاً تعبيرية مختلفة، تسمى في علم النقد الجمالي "ميزان الكمال"، كيف تراها كباحث في علم الشكل؟ وما ماهية الصيغ التي دخلت إليها؟

**الصيغ التعبيرية أولاً، هي المعادلة الأصعب في تشكيل العمل الفني، وعليها يتمّ النقد والتقييم سلباً أو إيجاباً، إنها المحتوى الانفعالي الذي يولد في الذاكرة شحنة الإبداع والإنجاز الجمالي، ويختلف تفريغها من فنان لآخر كلّ على حسب أسلوبه ومهارته، منهم الفطري ومنهم الأكاديمي، والأكفأ من يلامس منجزه الفني سواء كان لوحة أو نحت أو خزف أو تصوير كينونة النفس الإنسانية، ويحرض في متخيلها هاجس التصور و الإبداع.

الرؤية في الذاكرة كالومض توحي بها تجليات السحر في الطبيعة والكون والإنسان، وإن تحررت إلى عمل فني حملتها ألوان "الطيف والشفق والفجر والغروب" كصيغ تعبيرية يحسّها ويراها كل مبصر، وهي النافذة التي أطلّ منها إلى فردوس الكمال في لوحتي.

 

* ستقوم خلال الفترة القادمة بزيارة إلى بعض الدول الأوروبية، ما حقيقة هذا المشروع؟    

**بعد سنين من الصبر والعناء سنحت لي الظروف أخيراً بأن أقوم بجولة في أنحاء الدول الأوروبية، أتعرف خلالها على مستجدات الفن المعاصر والمعارض العالمية المقامة، وستكون الرحلة فرصة لإقامة معرض شخصي متنقل أقدمه "رؤية" إلى المتذوق الأجنبي، فأشهد مدى انجذابه له وتفاعله معه، ولاسيما أن موضوعات الأعمال مستوحاة من "دمشق" وطبيعتها الهادئة كما أن مشاهدة المعرض ستحدث أمامي فضاء أستبين به درجات الضعف في أسلوبي وتقنيتي، فأعمل على معالجتها مستفيداً من مخزوني وخبرتي الحاصلة. أما بداية الرحلة ستكون إلى "إسبانيا" من ثم الدول التي اخترتها، والحقيقة أن خطوتي هذه أتت بعد طول انتظار لتظهر بها أعمالي إلى النور.

* ماذا قدم التشكيليين الوافدين من "روسيا" إليك على مستوى التشكيل؟

**أفدت كثيراً من تجارب الفنانين الروس.. وخاصة التقنية العالية لديهم في خلط اللون وإبراز التكوين الانطباعي والتجريدي، والنقل المباشر للمشهد الواقعي، تعرفي إليهم واحتكاكي بهم كان فرصة ثمينة لي أضافت إلى مخزوني اتجاهات أخرى لم أكن أعرفها، باتت في داخلي دافعاً يحثني إلى فعل الأفضل.

 

مفردات الشعر إيحاء الشكل للفنان

* ما أسس تطور النص البصري برأيك؟

 **النص البصري مسألة يحددها أسلوب العمل في التشكيل، ويعود تطويره إلى الجديد في أدوات الفنان، بدءاً بأرشيفه البصري واختزانه للمشاهدات الحاصلة في الواقع، وارتكانه إلى التجريب ومعايشة الفن الحديث في العالم، والعودة إلى تاريخ الفن القديم والتعرف إلى مشاهيره، والنظر في مخلدات العمارة الأثرية واللقى المتحفية والتراث.. هذه المقومات تهيئ أمام الفنان أفقاً واسعاً  من الصور يمتدّ بلا نهاية، وعليه فقط أن ينهل منه المعرفة والرقي والمتعة والجمال..

* ما تصورك للمتناقضات في الواقع الزمني المحسوس، وانعكاسها على الفن؟                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                            

**المتناقضات مهد السكون "للنفس والروح"، الحياة والموت، المحدودية و المدى، الشر والخير، الغموض والصمت والخيال، كلها مزيج رباني يلقينا في أحضان  ذاكرة زمنية وجودنا فيها كاللحظ، ومض فجأة يلتمع ثم يتلاشى، هكذا نحن لا تكاد أعيننا ترى الضوء حتى تودعه بعد حين، لكن هذه الفترة من الزمن ماذا فعلنا بها؟

هنا أجلس مع نفسي طويلاً باحثاً عن الجواب.. فأرى يدي ترسم وترسم دون انقطاع، لأجد الفناء وتعقبه الولادة، التكوين واللون والضوء ولادة، الإنسان والطبيعة والبقاء ولادة، إذاً الحياة لوحة رسمتها مقدرة "الله"، والعقل أهم العناصر فيها، فلماذا لا نكون به خالقين لذات الفعل ضمن مسار الحياء والموهبة؟ إن النبيل فقط من يصل بفنه إلى تلك الولادة ويبلغ به الضياء، ولا ضير من المحاولة.

 

* الشعر: «مسار وجداني تحكمه إشارات الإلهام ودلالة المفردة"، كيف تجد تأثيره على الفن كوصف وتحليل، علماً أنك شاعر قبل أن تكون فناناً؟

**الشعر متنفس البصيرة فيما تملكه من الرؤية والحدس، هو حالة وجدانية تعكس صوراً نتخيلها ونعيشها بين مقامات الحنين والحب والصفاء. إنه البداية وحدس النهاية. إنه الحكمة والبعد، وثورة الغضب..

مفردات الشعر إيحاء الشكل للفنان، يترنم بها مع إيقاع الريشة واللون. إنه الصياغة المنسوجة بالتعاطف والنداء. إنه "ناي" تستفيق بلحنه هواجسي وأحلامي فتصبح الكلمات وحياً يثير ذاتي إلى الهيام والاقتباس… كتبت من وحي تجربتي:

«جمالاً كوجه الصبح مبتسماً   شكلاً وعقلاً وتمجيداً لمن خلقا»

«بـتّ بـه اشاطر الصبـا أنفـاً    بين الخمائل والألوان والطبقا»

 

الفن الفطري جوهر يحكمه الصدق

* إلي أي مدى برأيك يمكننا القول: أن الفن التشكيلي قادر على خلق حالات من التبدل الإنساني المثالي في المجتمعات؟

**التأثر بالفن قائم على المشاهدة والمتابعة، وبقدر ما ازداد العمق والتواصل بقدر ما ازداد النضج والتأثير، بالتالي سيثار الرأي والسجال بين المتفرج والفنان والناقد.. والنتيجة انعكاس مثالي يستشفه المحاور من الغاية والتحليل، فيرتقي به إلى أفق المحاولة والتجريب، وإن كان على غير علم بمدارس الفن، فالقدوة الحسنة تفرض مثاليتها ووجودها بمختلف المجالات، وكثيرون بلغوا المجد بهذه المؤثرات.

*قلت في أحد محاوراتك: «التجريد مفهوم سام، وعبره نستطيع اجتياز الواقع الزمني» أوضح ذلك؟

**التجريد اختزال لمفردات الواقع، يلجأ إليه الفنان بعد خبرة طويلة مع كل المدارس الفنية.. ويعد الذروة الهرمية للإنجاز، ويختلف من حيث المدّ اللوني على اللوحة وإيضاح هاجس الفكر بنص التجريد، ويمكن عبره إحداث مساحات موحدة لونياً وفيها عنصر واحد يقود العمل أو منمنمات لونية تجمع أشكالاً مبسطة تعطي دلالات الأشياء، وقد يكون في نسيجها اجتيازاً لأبعاد الزمن أو المستقبل.. هذا النص في كل أحواله يبقى لغزاً غامضاً على المتلقي فهمه وتحليله بالبحث والسؤال.

* ما هو تصورك للفن الفطري ؟

**الفن ولد مع الإنسان فطرياً، ويبقى الدور في إنمائه على الشخص نفسه فربما يكمل أو يبتعد، الفن الفطري أساس جوهري متحرر من قيود أو ثوابت أو معايير، يحكمه الصدق ورهافة الحس.. كما أنه عفوي وتلقائي يطلق الفنان به عنان خياله ليبدع كيفما يشاء.

 

رحلة مع إثبات الوجود

كان للفنان التشكيلي السوري "سمير صروري" رأياً حول شخص وأعمال الفنان "حسن ملحم": «قال فيه:«"حسن ملحم" فنان متواضع، كوَن مدرسة مع ذاته من خلال تجربته العملية ومتابعته للحركة الفنية التشكيلية في "سورية"، واستطاع أن يثبت حضوراً، ولا أجزم إن قلت في أغلب المعارض التي تقام في صالات "دمشق" حضوره لم يكن كافياً بقدر محاورته للفنانين في المعارض، فنجده يتساءل كثيراً ولكن بلغة منطقية وعقلانية عن أعمالهم وأساليبهم في التشكيل». 

وأضاف: نستطيع القول أن "ملحم" فنان يكتشف ذاته بالمحاورة الهادئة والمنطقية، وهذه الصفة حصراً هي مدرسة بحد ذاتها، وقد كوَن عبرها سلوكاً ومسائلة فنية خاصة به، جعلته يحسن تكوَين مشروعه البصري بالفكرة واللون والموضوع، ومن يسير بهذا المبدأ بالتأكيد كل يوم عنده تجربة جديدة ومعلومات مكتسبة، يرافقها العمل والمثابرة».

أما الفنان التشكيلي السوري "جليدان الجاسم"، قال: «"حسن ملحم" فنان مجتهد على نفسه، يعمل  بشكل واعي وسليم ولا زال في طور البحث والتجريب، ومعالم شخصيته الفنية بدأت  تتضح من خلال أعماله التشكيلية المتتالية، وأتمنى عليه أن يواظب العمل بهذا الحس والدأب، فقد وضع خطوات إثبات وجوده والانفتاح إلى العالم على الطريق الصحيح». 

 

ببلوغرافيا الفنان

ولد الفنان "حسن ملحم" في "حماه" عام/1970/، وهو عضو اتحاد "فنزويلا" للفنون الجميلة "avap"، وعضو اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين، له مشاركات فنية في معارض محلية ودولية، وحاز خلالها على أكثر من شهادة تقدير.