"حمود شنتوت": الطبيعة أشبعت ذاكرتي بمكنونها وخفاياها

توجهات الحس الصوفي في عفوية الشكل

الضوء والظل نسيج موسيقي في بناء اللوحة

"دمشق" ـ eCalendarـ علاء الجمّأل:

"حمود شنتوت" فنان تشكيلي سوري، هوى النور فحوله عبر مساراته التشكيلية إلى لمسات جميلة شديدة السطوع، لها بعدها وأثرها في النفس، كذلك أحدث تغيرات في نصه البصري توحي بتأثره ببعض المسارات الصوفية.. وعرف عنه اهتمامه بالمرأة كإنسان وحلم وخيار للبحث والتجريب في عمله التشكيلي.

 للتعرف إلى بعض السمات الإنسانية في أعمال الفنان "شنتوت" eCalendarزاره في مرسمه بمنطقة "المزه" "بدمشق" وذلك في /17/11/2008/، وأجرى معه الحوار التالي:         

ــ دعنا في البداية نتحدث عن خصوصية الأسلوب واللون في عملك التشكيلي؟

أنا متحول في أسلوبي التشكيلي والخامات المستخدمة.. أتبع أحاسيسي ومشاعري الداخلية، وأبتعد عن المواضيع الجاهزة أو التحضير للعمل بدراسة مسبقة فأشعر أن الشكل أخذ مساراً عقلانياً بل أتركه ظاهراً في اللوحة على صدقه وعفويته، لأن الحس الأول للفنان ينتقل على الكروكي، ويتغير عند ترجمته إلى عمل تشكيلي، ولوحتي هي الكروكي، وعليها أجري دراستي وبحثي مباشرة، فأحذف وأضيف الكثير من الصياغات البصرية حتى تكتمل بشعورية الإحساس الصادق.

أما المقام الأسلوبي للشكل فيندرج تحت التعبيرية المستخلصة من رؤية واقعية ممزوجة بلمسات من التجريد والسطوع اللوني الظاهر في خلفية اللوحة كمهد للتعبير الإنساني وحامل لقيمته الفنية واللونية، وبعض الأعمال لا تحمل هذه الخلفية، وإنما التعبير فقط هو الذهن المحدد للتساؤل والحوار.  

ــ الصمت والسكينة والسمو في عالم الروح الإنسانية بعض مفردات التي تتسم بها لوحتك، هلا أوضحت لنا هذا الجانب؟

 أختزن مفردات الإيحاء التعبيري من المشاهدات اليومية.. وتأملي للطبيعة وبدائع مشاهدها الحية.. هذه المفردات عندما تبلغ في ذاكرتي مرحلة النضج، تحثني العمل على تفريغها في محتوى تشكيلي ذو تقنية لونية عالية، رسمت الماضي والطفولة وحالات إنسانية مستوحاة من الأساطير والبيئة الاجتماعية، كذلك "البورتريه" ـ الوجه بمعالمه العديدة.. فالصمت والسكينة والسمو في عالم الروح تجليات حسّية نشأت من إشباعي بتلك المفردات وتعاملي معها بشفافية الحركة اللونية وعفوية الأداء.. فأجدها موائمة لمشاعري حزينة كانت أو فرحة، مترفة بالموازنات الصحيحة بين درجات الضوء والظل وانسجام التضاد بين اللون الحار والبارد.   

 

 

مواطن الحنين والجمال

ــ هل لك أن توجز لنا مراحل تطور النص البصري في أعمالك؟

اختلفنصي البصري عمّا كان عليه سابقاً فقد أصبح غنائياً أكثر من حيث القيمة اللونية والعمق في التعبير، أيضاً اطلاعي المستمر كان له أثراً واسعاً في تطوره.. كما أن دراستي للفن التشكيلي  "بفرنسا" أفادتني بتكنيك خاص للعمل، استخدمت فيه المائي والزيتي والإكريليك، وكان لي فيه بحث أسميته "الجدار"، وهو موضوع قائم على الاختزال والتبسيط والهدوء والاسترخاء.. مساحة لونية بيضاء متفاوتة في كثافة السطوح وفي جزء بسيط منها تكوين تشكيلي قد يكون شجرة أو إنسان أو نافذة.. ولا زال نصي البصري خاضعاً إلى التطور، والمثول إلى تقنيات جديدة في العمل.  

ــ ماذا قدمت الطبيعة إلى مفرداتك في التشكيل؟

قدمت لي مخزوناً عميقاًلا حصر لنهايته، وعندما أجلس في مرسمي وأخرج بخيالي إلى واحاتي التي أحب أرسم من هذا المخزون مزيجاً لونياً عميق الأثر، أستوحي منه تصوراً للمرأة العنصر الإبداعي الأقوى، موطن الحنين والجمال.. كذلك هي الطبيعة بمواطنها وأبعادها.. وإشباعها للذاكرة الباحثة في مكنوناتها وخفاياها..

ــ ماذا يوحي إليك الظل والضوء والصوفية في لغة اللون، ؟

تناسب درجات الضوء والظل ينسج موسيقى بصرية بين عناصر اللوحة، كالتركيز على مناطق محددة من الجسد: يد أو وجه أو عين، مما يجعلها مريحة للنظر واستقراء المعطى الفلسفي الذي تحمله، وصوفية اللون بأعمالي ناتجة عن تأثري "بالأيقونة"، المستلهمة من نصوص الكتاب المقدس، ولغة الشعر الصوفي أيضاً تخلق أمام متخيلك الكثير من الحالات الإنسانية.. وتعمق علاقاتك مع الكون والإله والحنين والماضي هذا الصفاء والامتداد يشعرني بعمر ناهز مئات الأعوام والسنين المنقضية مشاعر تعجز الوصف. 

ــ كيف تنظر إلى التبسيط في اللغة البصرية  الصعبة؟

التبسيط يسمى السهل الممتنع، وكلما اعتمدت اللوحة على التبسيط كان تحليلها أصعب، والبلاغة هنا إيجاد حلول تشكيلية لكمّ هائل من التفاصيل والتكوينات التي ستختزل على السطح المجرد للوحة، وكلما قلت العناصر المختزلة صعب موازنتها لذلك تحتاج إلى دراسة مسبقة وتجريب، ففي لوحة الحرس الليلي "لرامبرانت" ترى حراس عديدين، لكن عندما تم الكشف عن اللوحة وجد فيها أشخاص آخرين مرسومين بدقة عالية أخفاهم الفنان بتقنيته اللونية لإحداث الموازنة التي ذكرت.      

 

"فرنسا" تضم تاريخ يشمل العالم

ــ ما مفهومك حول الذوق الجمالي في التشكيل،  كفكر وأدب؟

الموهبة الفنية أهم عنصر لإنجاز العمل التشكيلي ومنحه سمات الذوق الجمالي والأبعاد الكاملة على أن تكون متبلورة بقراءة التاريخ والتجريب.. "محمود درويش" مثلاً شاعر أثار هواجسي  بمفرداته وأدبه الذوقي في الشعر وجعلني أحول إيماءات من قصائده إلى لوحات تشكيلية أضافت إلى ذاكرتي جانباً آخر من النضج المعرفي.

ــ درست الفن التشكيلي في "فرنسا"، ما المميز هناك في هذا المنحى؟

المميز في "فرنسا" وجود تاريخ شامل للعالم بأسره وليس لها فقط، فإنك ترى في متاحفها أعمالاً تشكيلية لفنانين إيطاليين وهولنديين وأستراليين..  متحف "اللوفر" مثلاً  يحوي جناحاً خاصاً عن الفن الفرعوني والروماني في "مصر" كبورتريهات "الفيوم" وهي وجوه رسمت بدقة عالية للشخص الحي قبل أن يموت على ألواح من الخشب الرقيق، ثم توضع فوق وجهه عند موته حتى تتعرف الروح إليه عند عودتها إلى جسده حسب المعتقدات القديمة، ووجدت هذه البورتريهات بمنطقة "الفيوم" ويعود عمرها إلى بدايات الميلاد، وهي أعمال شغلت بالشمع ودفنت مع الموتى.. وتجد أيضاً الفن السوري وآثار من حضارات تاريخية آبدة مثل "الفينيقيين والآشوريين والكلدانيين"..

في "باريس" ترى لوحات تشكيلية أصلية منذ عهدها الأول، والعين المدربة تستطيع تحليل مضمونها وكشف جمالها وتراثها، وهناك كنا نتعلم التكنيك في الفن الحديث والقديم، وكنا نرى معارض مكثفة في المتاحف الدائمة لأعمال الفنانين الانطباعيين والتكعيبيين ورواد المدارس الفنية القديمة، وأخيراً في "فرنسا" وبين عوالم هذا التاريخ  فإنك سترى الشرق بعيون أخرى.   

ــ هل لك أن تحدثنا عن معرضك للعام /2008/ في "آرت هاوس"؟

هو تتويج لتجاربي السابقة.. أطرح عبره مواضيع مستوحاة من الطبيعة الصامتة، وحكايات ألف ليلة وليلة مركزاً على التناسب بين درجات الضوء والظل، إضافة إلى موضوع الجدار أقدمه عبر رؤية جديدة، وهناك بعض الكروكيات الصغيرة المرسومة باللون المائي.

 

 

منح السمو للنفس البشرية

 

حول أعمال الفنان،  قال الفنان التشكيليل الراحل"فاتح المدرس": «"حمود شنتوت" طاقة إبداعية، لها شأن في مجال الرسم والتصوير، ففي عمقه كإنسان حزن عميق يعكس حزنه وألامه المعاصرة.. لقد عاش في "باريس" كما عاش في "دمشق" قوياً عملاقاً بتجاهله الفقر، مدركاً أنه يستطيع رسم نجوم الكون بقلمه وحريته في التعبير، متفهماً الزوايا المحروقة في النفس البشرية، وعملاً على تغييرها ومنحها السمو في المفردة والشعور».

وأضاف "المدرس": «"حمود شنتوت" شاعر تشكيلي ذو تقنية عالية، ومتقنة ببديهة لا خطأ فيها، كما لوأن الشتاء الإنساني الحزين هو من رسمها».  

"سعد القاسم" ناقد سوري في الفن التشكيلي، قال: «"حمود شنتوت" منذ البداية امتلك شخصية فنية متفردة، وفي "باريس" تابع دراسته وظل همه الشكل واللون، وموضوعه في الإبداع ماثلاً أمام عينيه، لوحاته الباريسية ماثلة أمام عينيه، وهي ترجمة صادقة لما رآه  وتحسسته نفسه».

 

ببلوغرافيا الفنان

تخرج الفنان "حمود شنتوت" في كلية الفنون الجميلة ـ جامعة "دمشق" بدرجة امتياز في العام /1980/ ، سافر بعد ذلك إلى "باريس" ودرس كطالب حر في كلية  "البوزار للفنون الجميلة"، وتخرج منها بتقدير جيد في العام /1984/، له /22/ معرضاً شخصياً، و مشاركات في معارض مختلفة.