"مصطفى الحلاج": النور يريني العتمة ويعلمني كيف أتجاوزها

ذكرى راحل بين مقامات الجمال

 

علاء الجمّأل:

افتتحت غاليري "بيت الرؤى" للفنون الجميلة "بدمشق" في   2009، معرضاً تكريمياً للفنان التشكيلي الفلسطيني الراحل "مصطفى الحلاج" في الذكرى السابعة لوفاته، بمشاركة نخبة من الفنانين التشكيليين، يذكر منهم: ادوار شهدا، عبد الحي مسلم، محمد وهيبي، محمود خليلي، جهاد حنون، حسن أبو صبيح، أكثم طلاع، زكي سلام، عادل خضر" وآخرون.. ويستمر حتى نهاية شهر كانون الثاني.

تنوعت الأعمال في المعرض بين النحت والتصوير الزيتي و الجرافيك، وأتت في سياق العرض ضمن مدارس تشكيلية مختلفة، منها الواقعية والتجريدية والتعبيرية، وجزء منها تعلق بتشكيل الخط العربي، الذي يتسم بهندسة روحانية عالية، ومحمول أدبي رفيع، فضلاً عن كونه محوراً جوهرياً من معالم الفنون العربية الإسلامية في الشرق..

 

ارتجالات الحياة

ولا بدّ في هذا السياق من ذكر بدايات الوجود المعذب "للحلاج"، التي أخذت تتضح بعد رحيله مع أسرته مجبرين عن قريته "سلمة" في مدينة "يافا"، متوجهين إلى "مصر"، وبعد فترة من مكوثهم هناك، ومرحلة قاسية من شظف العيش التحق بكلية الفنون الجميلة في "القاهرة" ودرس فن النحت والجرافيك، وبعد تخرجه أقام معرضه الشخصي الأول عام 1964، ثم توجه إلى "تونس" و"بيروت" مستجداً نشاطه الفني، وفي العام/1982/استقر في "دمشق"، وبات فيها  مُعلماً وركناً هاماً في التشكيل.

"الحلاج" قال يوماً في إحدى محاوراته: «الغموض عوالم تنير نفسي بالصفاء، أوضحه على اللوحة، بوابة خروج من عتمة الصمت إلى فضاءات النور.. عندما أعبر لا أرى العتمة، ولكن أعرف كيف أتجاوزها، وكيف أنهيها». لقد حفر قصة الصراع والتدامي التي لحقت بالشعب العربي في "فلسطين" على ألواح رقيقة من خشب "المازونيت"، ناسجاً خيوط قضيته في كتمان الأسود المحترق، ومساحة الأبيض النقي، انبثاق أمله نحو السلام، وتحرر النفس من نوازع الشر والترهيب..فحملت أعماله الجرافيكية رغم بساطة تعبيريتها قيماً إنسانية مخلدة، تروي للمتأمل مأساة شعب أصيل، جعل جذوره الثابتة عِبرَاً تمزق قيود الظلم، كلما ذكرت مفردات الخوف والاستبداد..

عاش"الحلاج" سنواته الأخيرة معتكفاً الرسم في صالة "ناجي العلي" للفنون، حتى وافته المنية في 15/12/2002، لكنه ترك في ذكرى وجوده لوحة جدارية ضخمة، طولها مائة متراً، وعرضها نصف المتر، أسماها "ارتجالات الحياة"، جسد فيها أسطور الصدق والعدل في ظل الصراع والفناء، لكن اللوحة لم تنتهي بعد، بل بقي في جزئها الأخير مساحة بيضاء لا زالت تنتظر من يخط عليها سطورها الأولى.

 

بادرة تستأهل الثناء والتقدير

eSyria calendarزار المعرض في 8/1/2009، وأجرى محاورات قصيرة مع بعض الفنانين، والبداية كانت مع الفنان التشكيلي "عماد رشدان" الذي قال: «انحسرت مشاركتي بعملين نحتيين، الأول أسميته "رقصة الحلاج الأخيرة"، والثاني "ارتجالات الحياة"، عملت عليهما وفق أسلوب نحتي مبتكر من حيث الصياغة التشكيلية، وبساطة التكوين، وتلقائية الفكرة.. حريصاً على ملامسة داخل المتلقي، ومخاطبة المتخيل في مكنونه التأملي. أما التجربة مع الأعمال الباقية لم أعرضها بعد، رغم أني أتوق لمعرفة مدى انعكاس رؤيتها على الجمهور وتفاعلهم معها».

وحول بادرة غاليري "بيت الرؤى" في تكريم الراحل "مصطفى الحلاج" قال: «أن نتذكر أساتذة الفن التشكيلي في حياتهم وبعد رحيلهم بمعرض تكريم لهم، أمر جليل، وبالغ الأهمية، ويستوجب الثناء والتقدير، وهذا ما تستأهله غاليري "بيت الرؤى" في تكريمها للراحل "الحلاج"، بإقامة معرض مشترك يضم مذاهب مختلفة من الفن: جرافيك، وتصوير زيتي، ونحت، لكن هذا التكريم  قليل إذا ما قيس بتجربة الراحل التشكيلية، التي استمرت على نحو 40 عاماً من الإبداع، فمن الممكن للمعرض أن يترافق مثلاً بورش عمل للفنانين على حسب توجهاتهم التشكيلية، يرون فيها مدى تأثرهم به كمثقف باحث، وفنان مبدع في عمله الجرافيكي، وانعكاس ذلك على أعمالهم الفنية».     

أما الفنان التشكيلي "عادل خضر"، فقال: «قدم "مصطفى الحلاج" تجربة غنية في الفن التشكيلي، أثرت إيجابياً على جيل كامل من الفنانين، وهو صاحب جدارية "ارتجالات الحياة"، وهي ملحمة إنسانية بالأبيض والأسود، حفرها على خامة "المازونيت" ضمن خط تعبيري  جريء وجميل،  ومعرض "بيت الرؤى" لهذا العام، جاء وفاء له و تخليداً لذكراه».

 

وحول مشاركته في المعرض، قال: «قدمت للراحل قبل وفاته جدارية صغيرة من "البرونز"، على شكل ميدالية تمثل بورتريه لوجهه بمعالم تعبيرية دقيقة، وقد عملت عليها بتقنية "الريليف" النحت النافر، الآن أعدت التجربة لكن مع خامة مختلفة، كمشاركة مني بهذا التكريم، وتقديراً له».

وفيما يتعلق ببعض سمات الراحل، قال الفنان التشكيلي السوري "إسماعيل شموط" في إحدى محاوراته عنه: «تمتع "الحلاج" بمخزون فكري كبير، وخصوصية في الحديث عن الفن والفلسفة والتاريخ، وهموم التشكيليين الفلسطينيين في الصعيد المحلي والعربي، وهو صديقً للأدباء والشعراء والفنانين، وصاحب يقين ثابت بمبدأ الفن وسمو أهدافه وهويته الإنسانية».

 

ببلوغرافيا الراحل

ولد "الحلاج" في بلدة "سلمة ـ يافا" عام /1938/، درس النحت في كلية الفنون الجميلةـ جامعة "القاهرة"، وتخرج منها عام  1963، أتم دراسته بمراسم الدراسات العليا هناك وتخرج عام /1968/، أقام عدداً من المعارض الشخصية في العالم، وشارك في الكثير من المعارض الجماعية المحلية والعالمية، وحصل على جوائز تقدير مختلفة، مارس النحت والتصوير الزيتي والحفر والرسم الصحفي، وساهم في تحكيم عدد من المهرجانات التشكيلية و المسرحية والسينمائية، وهو العضو في الاتحاد العام للفنانين التشكيليين الفلسطينيين، وعضو نقابة الفنون الجميلة ـ "سورية"، وعضو الاتحاد العام للفنانين التشكيليين العرب، وعضو الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين. أما أعماله الفنية فهي موزعة بين متاحف "أوروبا وأميركا والشرق الأقصى".