معرض الربيع السنوي .. تشكيليون شباب يصيغون بانوراما جمالية متميزة

الثلاثاء 19 نيسان 2011

افتتح في خان أسعد باشا بدمشق القديمة مساء أمس معرض الربيع السنوي 2011 الذي تقيمه مديرية الفنون الجميلة بالتعاون مع اتحاد الفنانين التشكيليين ويضم أكثر من 100 عمل فني متوزعة على ثلاث تقنيات هي التصوير والنحت والغرافيك.   

وقياسا إلى المعارض السابقة فإن هذا المعرض الذي يستمر حتى الخامس من الشهر المقبل يتميز بالأفضلية ويقدم بداية مبشرة لمستوى الفن التشكيلي السوري من حيث التقنيات والمضامين والاشتغال على الفكرة إضافة إلى الجرأة في طرح اللون والتعامل معه وتكنيك اللوحة وبنائها.

واللافت في لوحات التصوير أنها تنقلت بين جميع مدارس الفن التشكيلي المعروفة من الكلاسيك مروراً بالواقعي والتعبيري والانطباعي والتجريد حتى إنها تشكل بانوراما جمالية تحوز الأفضلية من أي معرض فني سابق تم تخصيصه للفنانين الشباب.

وبدت الأعمال الفنية المعتمدة على تقنية الغرافيك متميزة أيضا لجهة الجهد المبذول في اكتشاف المواد وتعدت إلى أساليب متطورة من التقنية الفنية.

ولا يقل النحت قوة عن التصوير أو الغرافيك إذ إنه يضم تقنيات متعددة من حجر صناعي ومعادن وأعمال تركيبية أخرى تدور جميعها في فلك الأفكار الشبابية الواعدة.

وقال الدكتور رياض عصمت وزير الثقافة لسانا إن تميز معرض الربيع في هذا العام جاء بجهد القائمين عليه الذين اعتمدوا الموضوعية في المعايير الفنية بحيث أنهم انتقوا بشكل دقيق الأعمال المناسبة للعرض فكانت النتيجة هي تميز المستوى الفني للمعرض وتعدد المدارس الفنية التي قدمها الفنانون الشباب المشاركون.

واعتبر الدكتور عصمت معرض الربيع السنوي معرضاً يؤشر لربيع الفن التشكيلي السوري لأنه يعطي صورة صادقة وحقيقية عن المستوى الرفيع التشكيلي في سورية لدى الفنانين التشكيليين الشباب.

وأضاف وزير الثقافة أن هذا المعرض يحفل بأعمال فنية متنوعة وغنية ولذا فمن الصعوبة التحدث عن سمة وحيدة يتيمة للمعرض لافتاً إلى أن الأعمال تتمتع بالتنوع وإتقان أصحابها للمدارس والأساليب الفنية والتي تدل على مستوى جيد جداً من النضج رغم أنهم في بداية طريق طويلة من الفن التشكيلي الذي يطالب دائماً بالتجديد والإبداع.

ولفت الدكتور عصمت إلى أن مرجعيات الفنانين الشباب كثيرة ومتعددة تتراوح بين تولوز لوتريك وبين سلفادور دالي وغيرهم من الفنانين العالميين إضافة إلى الفنانين السوريين من الرواد ومن الأجيال اللاحقة مضيفاً أن تمثلهم لتلك التجارب هو تمثل جيد جداً يؤكده مستوى العديد من الأعمال الفنية التي لا يقل مستواها عن أعمال كبار الفنانين التشكيليين.

من جانبه قال النحات أكثم عبد الحميد مدير الفنون الجميلة إن الأعمال المشاركة في المعرض منتقاة من لجنة  

معتمدة من وزارة الثقافة بهدف رصد الحركة التشكيلية المعاصرة في سورية من خلال نتاج عام كامل للفنانين التشكيليين الشباب.

ووصف عبد الحميد المعرض بالمتميز والرفيع ولاسيما أنه استطاع تجسيد جميع التقنيات عبر أعمال لفنانين يملكون الكثير من الأفكار الفتية المبدعة التي تطمئن الجمهور لمستقبل الفن التشكيلي في سورية.

إلى ذلك كشف مدير الفنون الجميلة أنه سيتم في العام المقبل افتتاح أكبر صالة عرض في سورية تضم جميع التجهيزات المطلوبة للعرض المثالي إضافة إلى مخازن مرافقة ومكاتب للتوثيق ومخابر للترميم مشيراً إلى أن هذه الصالة الضخمة التي تشرف على تجهيزها وزارة الثقافة ستضم أيضاً عدة صالات أخرى للعرض الدائم.

ورغم أن الناقد الفني سعد القاسم رفض تقسيم المعرض السنوي إلى معرض للشباب وآخر للخريف على اعتبار أن هذا التوزيع يحرم الفنانين الشباب من فرصة المنافسة والاحتكاك المباشر مع الفنانين المخضرمين إلا أنه أكد أن معرض الربيع 2011 يتسم بنقلة واضحة عن معارض السنوات السابقة ولاسيما أن الفنانين الشباب أثبتوا أنفسهم كفنانين جديين في العمل الفني إلى جانب تنافسهم فيما بينهم لتقديم إبداعات جديدة.

وأشار القاسم الذي كان عضواً في لجنة التحكيم التي انتقت الأعمال المعروضة إلى أن اللجنة اعتمدت مبدأ الأفكار المبدعة والمتجددة أكثر من المهارة التقنية في اختيار الأعمال الصالحة للعرض مضيفاً إن أعضاء اللجنة حددوا اتجاه المعرض نفسه ولاسيما أن هذه اللجنة ضمت أعضاء متنوعي الاختصاصات ولديهم نظرة محايدة وموضوعية تجاه الأعمال الفنية وليس لديهم مواقف مسبقة ولم يكونوا مأخوذين بتيار أو اتجاه فني بحيث إنهم كانوا منسجمين ومتفاهمين فيما بينهم.

وأوضح القاسم أن الفنانين المشاركين حاولوا تقديم مفاهيم فنية خاصة وجديدة تتعلق بهم وهذا ما يظهر في أعمالهم سواء في النحت أو التصوير وقال إنهم استطاعوا الخروج عن مسارات الأجيال الفنية السابقة وهذا الشيء ليس سهلاً لأن نتائج تلك الأجيال مهمة بشكل كبير بل إنهم اشتغلوا على موضوع التجديد والابتكار واعتمدوا على مصادر مهمة ومتنوعة من الفن العالمي ومن الرواد المؤسسين في الفن التشكيلي السوري.

وأكد القاسم أن عمل جيل الفنانين الشباب أصبح أكثر صعوبة نظراً لهامش الإبداع الفني الضيق الذي يحاول من خلاله الولوج إلى أفكار فنية جديدة لكنه لفت  إلى أن هذا المعرض اتسم بالروح الشابة التي يسهل التقاطها بطبيعة الألوان والتكوينات والفكر الفني المشتغل عليه.

من جهته قال الدكتور حيدر يازجي رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين إن المعارض التي تقيمها وزارة الثقافة بالتعاون مع الاتحاد سواء معرض الربيع أو الخريف تعتمد عاماً بعد آخر أسساً معينة وأولويات خاصة وتكون بالتالي الخيارات أكثر صعوبة لكون المستويات الفنية متقدمة مضيفا إن لجنة التحكيم هذا العام كانت أمام خيار صعب من خلال أكثر من 300 عمل فني يجب انتقاء 108 أعمال منها ولذلك فإن اللجنة أخذت خطوة جريئة بألا تعتمد سوى الأعمال المتميزة.

وأوضح يازجي أن المعرض يضم مجموعة كبيرة من الأعمال الناضجة لأن اللجنة كان من أساسياتها أن تنتقي الأعمال الفنية الأفضل والأحسن والتي تعبر عن الروح الفنية المبتكرة والمجددة مؤكدا أن هذا هو السبب لتكون نسبة النجاح أفضل بكثير من السنوات السابقة.

وقال الناقد الفني عبد الله أبوراشد إن خان أسعد باشا بهندسته المعمارية الذي احتضن المعرض أمده بميزة فنية إضافية وبعد جمالي أتاح للجمهور التمتع بجمالية الأعمال المعروضة عبر طقس فني يسهم في تذوقها بشكل أفضل مضيفاً أن المعرض يشكل نقلة نوعية من حيث انتقاء الأعمال المعروضة وهذا دليل على موضوعية وخبرة لجنة التحكيم المشرفة.

فيما رأى الفنان التشكيلي محمد الوهيبي أن هذا المعرض يرتقي إلى النوع ويبتعد عن الاهتمام بالكم كما كان في السنوات السابقة وقال.. لهذا السبب نجد أن كل الأعمال الموجودة تحاكي ذهنية متطورة عند الشباب المشاركين وبالوقت نفسه فإنهم أنتجوا لوحة محلية نابعة من البيئة المعيشة ترفد الفن العالمي الذي يتكون من جغرافيات متنوعة ومتعددة تدخل ضمن ذاكرة الناس مؤءكداً أن هذا المعرض سيترسخ في أذهانهم من خلال نقلته النوعية المعتمدة على حالة التطور في النحت والتصوير والغرافيك.

وأشار الوهيبي إلى أن جمالية وغنى الأعمال المعروضة ينم عن الذائقة الفنية الرفيعة التي يكتنزها الجيل الشاب من الفنانين التشكيليين السوريين الذين يحملون على عاتقهم مسؤءولية حماية الجمال.

ويبرز بين الأعمال عدد كبير من لوحات التصوير التي امتدت على مساحة كبيرة من جدران خان أسعد باشا ومن بينها لوحة للفنان محمود داود الذي لا يزال طالباً بكلية الفنون في جامعة حلب رصد من خلالها تكويناً إنسانياً عبر أسلوب التجريد.

ويقول داود الذي يشارك في المعرض للمرة الأولى من خلال متابعتي لمعارض الربيع السنوية أجد المعرض مختلفاً كثيراً في هذا العام لجهة القيم الجمالية والموضوعية في انتقاء الأعمال التي تدل بشكل حقيقي عن مستوى الفنانين الشباب في سورية.

كما يشارك في النحت الفنان غاندي الخضر من خلال عمل تكوين إيحائي لمصارع الثيران حاول عبره طرح هذه الفكرة في لحظة معينة لتكوين منحوتة مترابطة لعملية المواجهة بين مصارع الثيران والفن بطريقة تجريدية.

وقال الخضر إن أي زائر للمعرض سيلحظ المستوى العالي للأعمال المشاركة سواء في التصوير أو الغرافيك أو النحت مشيراً إلى أن هذه الأعمال مشغولة بأحاسيس فنية تعبر عن مقدرات الشباب واهتماماتهم وتطلعاتهم للفن الذي يريدونه.

يشار إلى أن افتتاح معرض الربيع 2011 ترافق مع توزيع كتيب يضم مجموعة الأعمال المشاركة في جميع الاختصاصات وبدت على غلافه لوحة للفنان الراحل فاتح المدرس تكريما من وزارة الثقافة لإبداعاته في الفن التشكيلي السوري علماً أن هذا التقليد سيتم اعتماده بهدف التعريف برواد الحركة التشكيلية السورية.