هيثم شكور: آلهة أوغاريت أغرتني بفلسفتها

إيمان أبوزينة

 

في الطريق إلى مرسمه تشاهد أصدقاءه الصيادين يشيرون إليك كي تصعد إلى أمكنتهم ليرحبوا بقدومك، وليحدثوك عن سعادتهم بصداقته من خلال ريشته التي عقدت حلفا أبديا معهم ومع صيدهم حتى لو لم يكن وفيرا.

وحين تجلس لتبحث عن حقيقة جديدة تحكي عنه، ستفاجؤك أيقونات "أوغاريته" التي علمته "كما قال" إعادة صياغة الأشياء.

"هيثم شكور" الباحث دائما عن "المحبة والسلام"، أراد أن يكون مع قارئنا فتحدث لموقع "المفكرة الثقافية" بتاريخ 8 أيلول 2014، وكان الحوار التالي:

 * الازرق. هذا الذي يمتد عمقا تدريجيا نحو المطلق، اصبح ذاكرتك، وتجربتك، وحلم الوصول الى نضج اللوحة، ثم.. الى اين؟

**عند اول لقاء لي مع البحر لا شئ الا الازرق . تعمدت بمياهه فانصهرت بطقوسه، ونضجت كشجرة اصبحت تعطي ثمارها. تصادقت مع بحرها وتلاصقت اضلعي بمنازلها، والحديث مع ساكنيها لا يتوقف الا مع انتهاء لوحتي من رسم صياد او مركب عائدا. اشاركهم طقوسهم فأفرغ شباكهم من صيد وفير. كل ذلك على اوراق وضعت عليها ماء ولون، ما شكل عندي مخزونا يضج بالانتقال الى عالم اخر او رؤية جديدة. تدخلت الهة اوغاريت فأغرتني بفلفستها وعلمتني كيف اعيد صياغة الاشياء من بشر وحجر بتطهيرهم بمائها المقدس من رواسب الزمن واعادتهم الى اصولهم الاولى من حب وخير.  لقد احببت هذه المهنة ولم استطع الافلات من المحبة.

* هل تعتقد ان الصراع الازلي بين الانسان والطريدة هو تعبير عن موقفه من الحياة؟

** ان كنا نؤمن بالاسطورة  التي تخبرنا عن طرد ادم وحواء من الجنة وصوت الله يقول لآدم :" من عرق جبينك تأكل ولحواء من الآلام تلدين" نعرف ان الحيات صراع لا يتوقف عند شئ.

* الفنون المشرقية القديمة اجبرتك على مايبدو للتعلق برسم الايقونة حيث "الخير والسلام والقدسية"،  فهل لذلك الخير علامة بالظرف الراهن . ام هو عشق قديم بحت لهذا الفن ؟

** من له بصيرة يعرف خلاصة الموضوع. ان النتاج الفني عبر التاريخ القديم ومن بعده المتمثل بالبيزنطي والاسلامي يكمن بالمقدس، لكن لا اخفي عنك اني متاثر بالثقافة الاوغاريتية من هذا الشط الذي تلامس مياه صخوره في حركة ابدية،  ومن قمة جباله مازلت اسمع صوت ايل الفينيقي ينشد :" ازرعو الحب في قلب الانسان والسلام في كبد الارض، لأن الحرب والبغض ضد مشيئتي".

* ما هي الاسرار التي يبحث عنها الفنان في رسم الايقونة ؟

** انه سر فكيف يمكن ان اتحدث عن سر. ان السر يكمن بالمقدس الذي هو نتاج فكر الشرق ان كان فنا اسلاميا او مسيحيا، او بالاحرى هو كذلك موروث تاريخي من الفنون القديمة، وبالنسبة لي الايقونة هي رياضة روحية لاتشبع من المقدس حتى يغمر لوحتي من عبق الشرق .انها البحث عن الاصالة في لوحة لا حدود لها في اي لوحة معاصرة.

* أنت من الذين يؤمنون بمساحة الحوار بين المتلقي واللوحة دون شرحٍ من قبل الفنان، أليس في ذلك بعضٌ من غرور؟

**إن كلمة غرور لا تليق بالفنان ، بل على العكس حيث  ترك حرية الحوار هو احترام المشاهد عن التعبير عن آرائه حتى لو كان ذلك يرضي الفنان او لا يرضيه

* قرات من تأليفك بعض نصوص عن لوحات تحاول فيها ان تكون وسيطا لفهم نتاجك عند المتلقي ، فكيف تفسر ذلك إذن؟

**ان كتابة الفنان عن عمله هي تثبيت فكرة او خاطرة يكون متفاعلا مع ما يعمله،  وانت ممن يعرفون ان العمل الفني ياخذ مساحة العقل في التفكير عن التكوين واللون، وعدم التكرار والتميز، لذلك يمكن أن تكون الكتابة تفسيرا او شرحا عن الفكرة وعن الاسلوب،  وانا عادة أكتب خواطر هي اقرب في كثير من الأحيان الى النص الادبي.

* "صيّادك"، هذا الخاشع الصبور البسيط، هل سيتابع رحلته أم أنه سيتوقف عن الحلم؟

الحلم هو المحرك الاقوى . لولا الحلم لتوقفت الحياة . وانا والصياد واحد . هو يحلم بما احمله اليه. وانا احلم عما يكون هو. الخير صامد كالصخر على الشط، وكل صراع مع العواصف يغرز في الارض ويزداد رسوخا. الخير يبقى ويأتي صياد ويصبح صخرة اخرى . انها الحياة.