خلال تاريخهاالطويل الذي تجاوز القرن والنصف من الزمن، خرّجت الكثيرين من طلاب العلم، من أبناء المحافظات السورية، ولبنان والأردن وفلسطين والعراق، أطلق عليها أبناء "حمص" عدة أسماء، فسميت مدرسة "الإنكليز" لأنها كانت المدرسة الوحيدة التي تدرس بعض مواد المنهاج باللغة الإنكليزية، وكانت تسمى أيضاً مشفى "الصليب الأحمر" بعد احتلال الإنكليز للمبنى ووضع إشارة الصليب الأحمر على سقف الثانوية الهرمي، كما كانت تسمى مدرسة المعلم "حنا" إشارة إلى مؤسسها الوطني العلامة "حنا خباز".

إنها "الثانوية الإنجيلية الوطنية" "بحمص" التي تعد من أقدم مدارس سورية: «الثانوية الإنجيلية- الكلية الوطنية سابقا- ما قبلها لم يعد موجوداً، ولا نعرف مؤسسة تعليمية خاصة في القطر سبقتها تاريخياً ولا تزال قائمة إلى اليوم».

الثانوية الإنجيلية- الكلية الوطنية سابقا- ما قبلها لم يعد موجوداً، ولا نعرف مؤسسة تعليمية خاصة في القطر سبقتها تاريخياً ولا تزال قائمة إلى اليوم

حسب ما جاء في كتابات الأستاذ "خليل روفائيل" مدير الثانوية "الإنجيلية الوطنية" منذ عام /1964/ حتى /1999/ عن هذه المدرسة العريقة.

البناء الأقدم للثانوية "الإنجيلية" في حي "باب السباع"

وعن بدايات هذا الصرح التعليم الوطني، وأبرز المحطات التي مر بها يورد أحد المسؤولين في الكنيسة "الإنجيلية" "بحمص" الشيخ "نديم قندلفت" في إحدى كتاباته أن «هذه المدرسة أسستها الإرسالية الإنجيلية الأميركية عام /1855/ كمدرسة ابتدائية بإدارة وطنية في عقار الكنيسة الإنجيلية في حي "بستان الديوان".

ألحقت بها مدرسة للبنات عام /1870/، ثم تم تطويرها وطنياً ودون مساعدة أجنبية إلى ثانوية داخلية عام /1905/، وجرى تشييد أبنيتها الجديدة في حي "باب السباع" بمجهود وطني صرف عام /1907/، تسلم الأستاذ "حنا خباز" إدارتها، وقد قبُل خريجوها في الجامعة الأميركية في "بيروت" دون امتحان قبول.

مدير الثانوية الأستاذ "مروان دير عطاني"

أغلقها الأتراك خلال الحرب العالمية الأولى بين عامي /1914/ و/1919/، وقاومها الفرنسيون كثيراً لنهجها الوطني ولاحقوا مديرها القس "حنا خباز" لنشره كتباً ضد الانتداب، وفي عام /1978/ أضيف لأبنيتها القديمة مدرسة حديثة للروضة مع غرف للإدارة».

وعن أصحاب الفضل في تطوير هذه المدرسة وطنياً إضافة للعلامة "خباز" يضيف الشيخ "قندلفت": «من أصحاب الفضل في تطويرها السيد "حافظ مسعد" المتبرع بأكبر جزء من ثمن الأرض في "باب السباع"، والسيد "رفول ناصر" وعائلته المتبرعون بأكثر قليلاً من نصف كلفة الأبنية الأولى في "باب السباع"، إضافة إلى أبناء "حمص" في المهجر المتبرعون بالمبلغ المتبقي، وعمدة الكنيسة "الإنجيلية بحمص" الذين ثابروا على حمل مشعل العلم وإبقائه وهاجاً عبر السنين».

بعض طلاب ومدرسو المدرسة في الثلاثينيات من القرن العشرين

ويذكر الأستاذ "خليل روفائيل" عن بدايات هذه المدرسة ومستواها التعليمي أنها: «بدأت صغيرة بحجمها، كبيرة بعطائها، وفي السبعينات من القرن التاسع عشر أسندت إدارة المدرسة إلى العلامة "جبر ضومط"، وهو من مدينة "صافيتا"، وترأس فيها قسم اللغة العربية، وعندما تخلى الدكتور "يعقوب صروف" عن رئاسة قسم اللغة العربية في الجامعة الأميركية في "بيروت" منتقلاً إلى "القاهرة" ليؤسس مجلة "المقتطف" عام /1876/ حلّ محله الأستاذ "جبر ضومط" فكان خير خلف لخير سلف، وهذا يدل على المستوى الذي كانت عليه المدرسة الأولى في بعض مراحلها».

وعن مرحلة ما بعد عام /1908/ يذكر الأستاذ "روفائيل" أنه: «استمر نجم الكلية الوطنية" بالصعود، ولم يكن طلابها من المواطنين السوريين فحسب بل من الأقطار المجاورة أيضاً كفلسطين والأردن ولبنان والعراق، أما الدراسة فكانت مختلطة للذكور والإناث، مع وجود قسم داخلي للذكور، واستمر هذا القسم حتى عام /1965/، وخلال الحرب العالمية الثانية استولى الجيش البريطاني على مباني الكلية، وأقام فيها مشفى عسكرياً وناد للضباط».

وأضاف: «بعد استقلال سورية استأنفت الكلية الوطنية رسالتها، ولم يكن مسموحاً في ذلك الوقت إطلاق اسم كلية إلا على فروع التعليم في الجامعة فاستبدل اسمها إلى "الثانوية الإنجيلية الوطنية"، دلالة على عائدية ملكيتها، وفي عام /1958/ تم توسع ترخيصها بالمرسوم خمس وتسعون لتصبح ثانوية داخلية للبنين ذات قسم ابتدائي مختلط».

وعن واقع "الثانوية الإنجيلية" في السنوات العشر الماضية، وفي لقائنا مع الأستاذ "مروان دير عطاني" مدير الثانوية "الإنجيلية" منذ العام /1999/ وحتى اليوم، تحدث قائلاً: «بدأ تطوير بعض الأعمال وتحديثها في الثانوية منذ عام /1999/، فتم بناء قسم حديث للمرحلة الإعدادية وبناء آخر حديث للمرحلة الابتدائية، كما تم تحديث المبنى القديم بالكامل وإدخال التدفئة المركزية إلى كامل أقسام المدرسة، فحافظت المدرسة على بنائها القديم بالإضافة إلى التحديثات التي أدخلت عليها، حيث تبلغ مساحة مبنى المدرسة حوالي أربعة آلاف متر مربع، على طابقين، مع باحة لكل قسم فيها».

في عام /2001/ أذنت وزارة التربية للثانوية "الإنجيلية" بالتعليم المختلط في كافة المراحل، ووصل عدد طلاب "الثانوية الإنجيلية" في عام /2005/ إلى حوالي ألفين ومئتي طالب وطالبة في مختلف الحلقات، تساهم المدرسة من خلالهم بمختلف الأنشطة الاجتماعية والرياضية والثقافية المدرسية، كما أن عدداً كبيراً من طلابها، هم من المتفوقين على مستوى المحافظة والقطر في شهادتي التعليم الأساسي والثانوية، ويقول الأستاذ "دير عطاني": «تشارك مدرستنا، وفي كافة المراحل بجميع المسابقات التي تقيمها مديرية التربية، بالإضافة إلى الأنشطة الرياضية ومسابقات الطلائع، أما نسب النجاح بين الطلاب، فبلغت خلال السنوات الأربع الماضية في مرحلة التعليم الأساسي تسعاً وتسعين في المئة، وفي المرحلة الثانوية أربعاً وتسعين بالمئة».

وعن المشاريع الجديدة التي تسعى "الثانوية الإنجيلية الوطنية" إلى تحقيقها يقول مديرها الحالي: «نسعى لبناء مدرسة حديثة في الأرض المجاورة للمبنى الحالي، والتي تبلغ مساحتها حوالي خمسة دونمات، ونطمح إلى تجهيزها بمسرح وملاعب حديثة للطلبة وتقنيات ومخابر وغرف للكمبيوتر».