في منتصف المسافة بين قريتي "الشبطلية" و"برج إسلام" شمال "اللاذقية" يستوقف العابر تداخل زرقة البحر الكثيفة مع بياض الصخر مشكلين لوحة قل نظيرها على شواطئ المتوسط، تلك المنطقة والقرية التي تجاورها تسمى "صلّيب التركمان".

يعود أصل التسمية كما يقول الأستاذ "محمد جميل حطاب" مدير الثقافة السابق إلى «الآرامية السورية، فكلمة "صليب" بتشديد اللام هي تصغير صليب، ويعني الأرض فيكون معنى الكلمة: الأرض التي تخص التركمان».

الآرامية السورية، فكلمة "صليب" بتشديد اللام هي تصغير صليب، ويعني الأرض فيكون معنى الكلمة: الأرض التي تخص التركمان

أما "التركمان" تاريخياً فهم جزء من مكونات الشعب السوري عبر التاريخ وقد حلوا في هذه المنطقة بعد هجرتهم من أواسط آسيا قبل قرون حوالي عام 723 للميلاد وحلوا بين أهل المنطقة السوريين، كما يقول كتاب "معجم البلدان" للبلاذري، الصفحة 228 الجزء الخامس.

صليب التركمان

مدونة وطن eSyria زارت القرية بتاريخ 13/6/2013 واطلعت على أهم المعالم التي تضمها القرية، المترجم المعروف "محمد مولود فاقي" (وهو صاحب عدة كتب وترجمات ناهزت الثلاثين عملاً) من سكان القرية تحدث عنها قائلاً: «يبلغ عدد سكان القرية 10000 شخص يقيم ربعهم في القرية والباقي في مدينة اللاذقية، يعملون جميعاً في الزراعة والصيد وبعض المهن الأخرى، من أشهر العائلات التركمانية في القرية عائلات "بلوكباشي، وصاري، وعيريق، وغوزال، وتركماني، وفاقي، وقراجة، ودوغونجي، وغيرها"، القرية بالنسبة لبعض هؤلاء مصيف حيث يعودون في الشتاء إلى المدينة للسكن والعمل».

تبعد القرية عن مركز مدينة اللاذقية حوالي 22 كم وتتداخل مع قريتي برج إسلام والشبطلية بسبب التوسع العمراني لكل من هذه القرى، ويمكن الوصول إليها من أوتوستراد كسب مروراً بالشبطلية، وترتفع عن سطح البحر 90 متراً، وتتميز بمناخها المعتدل وبيئتها المتوسطية، وإلى جانب اللغة العربية يتحدث سكانها اللغة التركمانية وهي اللغة العثمانية القديمة وهي لغة شفهية أكثر منها كتابية يتداولها الجميع ويحرصون على تعليمها لأولادهم وتنتمي إلى عائلة اللغات التركية، ويقول هنا المترجم "فاقي": «قدّم تركمان اللاذقية بقيادة نورس آغا وسوخطة آغا نضالاً مشرفاً الى جانب نضال تركمان الجولان بقيادة عيد آغا وجماعته ضد الاحتلال الفرنسي، ولهم دور معروف في المقاومة الشعبية التي ظهرت في الجولان أثناء حرب 1967 ضد الاحتلال وقدموا مئات الشهداء».

شاطئ الصليب

والمهنة الرئيسية هي الصيد الذي يتم على شاطئ المتوسط بالطرق التقليدية وبعض الناس لديهم قوارب صيد يخرجون بها إلى عرض البحر فيكون إنتاجهم من الصيد أكبر، أما الزراعة فهي أيضاً شغل لكثير من الناس وقد يجمع الشخص بين الصيد والزراعة وهذه كثيرة هنا، وأبرز ما يزرع الخضار والفاكهة وأشجار الزيتون والحمضيات التي تنتشر بكثافة هنا، وأغلب الإنتاج يتوزع بين الاستهلاك المحلي والبيع الخارجي وينقل بعضه إلى اللاذقية، كما يربي بعض السكان الحيوانات الداجنة من الأبقار والخراف والدجاج، ويشتهر التركمان بأنهم كرماء ومضيافون ويحبون الأرض التي يعملون بها ويرفضون بيعها لأي كان، ويتغنون في أعراسهم بسورية الوطن الأم لهم وقد دخلت كثير من المفردات العربية إلى لغتهم الأم.

كما يشتهر التركمان بأنهم من كبار "معلمي وصنّاع المهن" خاصة المرتبطة بالبناء والصحية وصيانة السيارات والخياطة، فالمعلم التركماني كما يقول المعلم "أحمد بلوكباشي" وهو من معلمي الحرف في القرية: «يعمل من قلب ورب وهو صادق وصريح مع الزبون، فيقول له التكلفة كذا يعني كذا ولا حاجة للجدل وما تريده أو ترغب به سيحدث على أفضل ما يكون، ولذلك يحب الناس في المدينة وخاصة في المنطقة الصناعية التعامل مع المعلمين التركمان».

فطاير الصليب الشهييرة

ويشير المعلم "بلوكباشي" إلى أن الخبرة الطويلة للتركمان بالعمل الحر جعلتهم مرغوبين ومطلوبين في سوق العمل في المدينة ويندر أن تجد ورشة بناء إلا وفيها تركمان يعملون بجد ليل نهار.

وتتوافر في القرية كل الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء وهاتف وصرف صحي وطبابة ويوجد فيها مدرستان للتعليم الأساسي والثانوي وأهم شيء فيها هو مرفؤها الذي تتشارك به مع بلدة برج إسلام وشاطئها الصخري المتميز والذي يمكن أن يشكل نقطة انطلاق كبيرة للمشاريع السياحية بمختلف أنواعها خاصة بعد توقف أهم ملوث لبيئتها ونعني به معمل الإسمنت في برج إسلام، كما تتوافر على طرقاتها الرئيسية العديد من أماكن السياحة الشعبية التي تقدم للسياح أطيب الفطائر والأكلات الشعبية من فول وحمص وغيره حيث يشتهر فول الصليب بمذاقه الطيب.

تم إنشاء مرفأ الصليب منذ ثلاثة عقود ويبدو أنه كان مرفأ قديماً كما يقول الأستاذ "خالد حاج أوغلي" وهو معلم في مدارس القرية والذي يضيف قائلاً: «المرفأ للصيد والنزهات فقط، ويتسع لعشرات القوارب الصغيرة وعمقه مناسب لهذه القوارب وهو يشكل حماية لها وقت العواصف ويتميز بوجود رصيف إسمنتي يحيط به من جهة واحدة في حين تركت الجهة الأخرى على حالها وهي صخرية بيضاء أعطته جمالية كبيرة».