"جوبة برغال", قرية وادعة بأهلها, تقبع في الطرف الشرقي من سلسلة جبال اللاذقية, حيث التضاريس الجبلية القاسية, والصخور الناتئة بشكل فني مثير, يتمازج مع ألوان الأشجار النقية الصافية, كما لو أنها استخرجت للتو من عبوة الألوان في حقيبة فنان.

دون هذه القيم الجمالية, هناك من ينظر إلى تلك القرية من منظور آخر, فهي تتربع على فوهة نموذج خاص جداً من الاندفاعات البركانية, راسمة الكثير من إشارات الاستفهام بين الجيولوجيين حول طبيعة وأصل تشكل تضاريسها، في حين تحدث الدكتور "كمال محي الدين حسين" في كتابه "جيولوجية سورية الإقليمية2"، عن أهم الدراسات والتفاسير لتلك البنى المميزة، عارضاً أن هذه التضاريس هي أشكال لأقماع ضخمة، قطر بعضها يصل إلى الكيلومتر أو أكثر، تتضمن صخوراً بركانية-بيروكلاستية" مندفعة ضمن الصخور الكلسية الرسوبية، بما دعي "أنابيب الكمبرليت"، وهي تنتشر ضمن السلسلة الساحلية، من الجنوب إلى الشمال، بشكل مواز لحافة غور الغاب الإنهدامي، ويعود زمن تشكل هذه البنى إلى مئات ملايين السنين، في قاع البحر قبل أن تنهض هذه الجبال، وتأخذ شكلها الحالي.

لفت نظري الجبال الصخرية التي لا توجد أينما كان، هنا يشعر المرء أنه عاد للطبيعة الحقيقية، فلا شيء مصطنع، إنها حياة برية ريفية بكل معنى الكلمة

ويقدم الكاتب شرحاً، يوضح فيه كيف أن هذه الصخور خرجت من باطن الأرض عبر "أنابيب الكمبرليت"، لذلك فهي تحوي على بعض الحجارة النفيسة كالألماس بكميات ضئيلة، ولكنها تستحق الدراسة، كما يؤكد وجود أكثر من خمس وعشرين أنبوباً بأقطار مختلفة منها، أجريت عليها وما تزال كثير من الدراسات العلمية المتخصصة.

احد شوارع القرية

هذه المميزات الاستثنائية, كانت دافعاً حقيقياً لزيارة تلك البقعة من جبال اللاذقية، في جولة قامت بها eLatakia برفقة عدد من محبي الطبيعة، والرحلات.

على الرغم من جمال الطريق المؤدي إلى هناك، إلا أن المنظر لدى الوصول كان آثراً, طغى به على كل ما سبقه، حيث تآلف في منخفض شبه بيضوي منبسط، جبال أحاطت به من كل صوب مكتسية بالأشجار الحراجية، التي استوطنتها الوحوش الكاسرة، أما الوادي فهو أراض زراعية، استثمرها أبناء القرية منذ زمن بعيد، للزراعة وإطلاق الدواب فيها.

تنور

جولة شملت كلا الجانبين، النقيضين من ذلك المكان، فاحتلت مجموعات الصخور المتناثرة جل اهتمام زوار المكان، حيث حصلنا منهم على هذه الانطباعات:

"أرميك خودانيان" فنانة تشكيلية تتحضر لمعرضها الأول، تقول: «الألوان الواضحة والجميلة، التي لا نراها كثيراً في الطبيعة، وخاصة الأصفر والأحمر الحقيقيين، ثم تدريجاتهما أيضاً، أمر جذبني كثيراً، والصخور أيضاً، وهي موزعة بكثرة في المنطقة بشكل هندسي، وفني، صنعته الطبيعة بذاتها، هي قرية جميلة جداً»

الجبال المحيطة

"شذى حيدر" مدرسة في مدينة دمشق، وقد سبق لها أن شاركت عدداً من الفنانين التشكيليين التجوال، والرسم في الطبيعة، رافقت المجموعة، وأعطت انطباعها عن المكان، قائلة: «لفت نظري الجبال الصخرية التي لا توجد أينما كان، هنا يشعر المرء أنه عاد للطبيعة الحقيقية، فلا شيء مصطنع، إنها حياة برية ريفية بكل معنى الكلمة»

الفنان التشكيلي "هيشون" كثيراً ما شغف بالطبية الريفية وبالرعاة والماشية، وهو على معرفة كبيرة بالقرى المنتشرة على الساحل السوري، قال:

«الطريق إلى "جوبة برغال" هو الطريق الى الجبال, والوديان. تمر بقرى عدة "الفاخورة"، "بيت سوهين"، "بيت زنتوت". الشجر تلون بكل ألوان الخريف، منبثقاً من بين الصخور التي مر عليها الزمن، ولعبت بها الريح والأمطار، فأعطتها هذه المنظر الغريب، والجميل في آن معاً».

انتهت جولتنا في قرية "جوبة برغال" ولم نعثر على الماس نزين به عقداً، أو سواراً، لكن كل ركن من أركان ذلك المكان، هو الماس خالص يستحق الاهتمام.