تزخر مدينة "حلب" بالعديد من الشوارع التي لكل منها حكاية، واسم خاص يطلقه عليه أهل المدينة بعيدا عن الاسم الذي يطلقه مجلس المدينة عليه.

القائمة كبيرة ومتنوعة حيث نرى أسماء شوارع مثل "شارع الدايت" والذي هو أحد الشوارع الموجودة في أحياء حلب الراقية مخصص للناس الذين يرغبون بالمشي لتخفيف الوزن/ ومن هنا جاء الاسم والذي يعني "الحمية" باللغة العربية/، وهناك أيضا شارع "الكوكتيل" والذي سمي لذلك نسبة لمحلات "الكوكتيل" المتواجدة فيه بكثرة خلافاً كل مناطق "حلب" الأخرى، وهناك "عبارة الكهرباء" والموجودة في وسط البلد والتي تزخر بمحلات "الأجهزة الكهربائية" وغير ذلك الكثير.

أحضر بشكل يومي إلى هذا الشارع مع أصدقائي ولا أغيب إلا نادرا، سبب وجودي هنا يعود إلى طبيعة الشارع المملوء بالحركة والناس، إضافة إلى حركة السيارات التي تأتي كنتيجة طبيعية لوجود كل هذه المحلات ضمن الشارع

ومن شوارع "حلب" يبرز شارع "الماركات" الذي يقع في منطقة "حي السبيل" والذي عرف بهذا الاسم رسميا بين أهالي المنطقة قبل عشر سنوات على الأقل.

الشاب "زاهي ديبو"

عادة ما تكون قصص أسماء الشوارع متعددة، ولكن في حالة هذا الشارع فالقصة واحدة يسردها لنا السيد "زاهي ديبو" الذي عمل في أحد محلات الألبسة ذات العلامة التجارية العالمية لفترة ناهزت عشر سنوات ضمن الشارع، ومن ثم انتقل ليصبح مدير فرع وكالة أخرى ضمن المنطقة نفسها حيث قال لنا:

«يعتبر هذا الشارع من الشوارع ذات الشهرة الكبيرة في مدينة "حلب"، وبدأت قصة الشارع مع افتتاح وكالة عالمية لفرعها ضمنه وكانت هي وكالة "بينيتون" للألبسة الجاهزة قبل خمسة عشر عاما تقريبا. هذا الأمر دفع بعدها بعدد من الوكالات العالمية الأخرى لافتتاح فروع لها في نفس الشارع نفسه وعلى بعد أمتار من وكالة "بينيتون"، وهذا الأمر جعل سكان مدينة "حلب" يطلقون على الشارع اسم "شارع الماركات"».

معهد دار الفكر

وتعني كلمة "ماركة"ـ كما يقول الشاب "زاهي"ـ محل الألبسة الذي يبيع الألبسة بسعر ثابت "دون مفاصلة"، وتخضع تخفيضات الأسعار لديه لفترة "التنزيلات" المحددة الزمان؛ كما أنه يكون فرعاً لسلسلة متاجر سواء ذات امتياز محلي أو عالمي حيث يضيف قائلا:

«برأيي أن سبب انتشار تلك المحلات بشكل سريع وبتلك الوتيرة خلال الفترة الماضية هو الرغبة في تكوين سوق محلات ألبسة قريب على سكان تلك المناطق يعوض عن ذاك الموجود في منطقة "العزيزية" والذي كان بعيدا من جهة، وفي وسط البلد من جهة ثانية ما كان يؤدي إلى صعوبة وجود مكان لركن السيارة فيه».

ويتابع بأن عدد المحلات زاد خلال الفترة الأخيرة واتسعت رقعتها الجغرافية لتتجاوز حدود الشارع ولتغزو شوارع ومناطق أخرى قريبة من الشارع حيث يعلق على هذه النقطة بالقول:

«حتى عامين ماضيين، كان لهذا الشارع اسم كبير ومعروف بين سكان مدينة "حلب"، إلا أن ظهور المولات التجارية الضخمة من جهة، ووجود حركة مرور كبيرة بالقرب من ذاك "المول"، دفع ببعض المحلات للانتقال إما إلى داخل "المول"، أو إلى منطقة قريبة منه. كما أن "المول التجاري" الكبير الموجود في مشارف مدينة "حلب" بحجمه الهائل استقطب العديد من الفعاليات التي بدأت بإغلاق محلاتها هنا، وأبرزها كانت وكالة "بينيتون" صاحبة الفضل في تسمية الشارع بهذا الاسم" وانتقالها إلى داخل تلك "المولات".

ويختم بالقول بأن التسمية أصبحت تطلق على عدد من الأماكن الأخرى التي تحوي ذات الفكرة مثل "شارع الماركات" الموجود في منطقة "السكري"، وذاك الموجود في منطقة "الفرقان".

أما السيد "محمد عابد" صاحب أحد المحلات التي افتتحت خلال الفترة الماضية فيقول بأن ما دفعه للتواجد في هذا الشارع هو الحركة الكثيفة للناس بسبب المحلات التجارية الكثيرة الموجودة هنا حيث يضيف بالقول:

«يشهد الشارع حركة كبيرة وعدد زوار كبير نابع من تواجده في موقع استراتيجي ضمن أحياء "حلب" الراقية. كما أن الميزة الأخرى الخاصة بالشارع هو وجوده أيضا ضمن منطقة تحوي فئة اجتماعية مثقفة تقدر أهمية وحجم العمل الموجود في قطع الألبسة المقدمة هنا وبالتالي السعر المرتفع لها على اعتبار أنها ذات جودة عالية، إضافة إلى وجود القدرة الشرائية لها وبالتالي وجود حركة بيع لا بأس بها تبرر التواجد في هذا الشارع. بصراحة، لا أعرف للشارع اسما آخر غير "شارع الماركات"، ولا أعتقد أن الناس تذكر اسمه السابق!».

نقطة علام...

عندما اختارت السيدة "هناء هنانو" مالكة ومديرة معهد "دار الفكر للغات" عام 2001 موقع المعهد، لم تكن تدرك أن الشارع الهادئ آنذاك سيصبح واحدا من أكثر الشوارع حركة وزوارا، إلا أن ذلك لم يمنع أن تقول بأن هذا الأمر نتيجة حتمية للموقع الاستراتيجي له المتمثل بتواجده في منطقة راقية وهادئة.

وأضافت: «كان اختيارنا للمكان في البداية بسبب أن بيتنا كان قريبا من موقع المعهد. ولم يكن هناك محلات تجارية كثيرة وكانت المنطقة أكثر هدوءا ولم يكن كل هذا الازدحام، وكان موقع المعهد ذا إطلالة مميزة من حيث وقوعه على زاوية شارعين مهمين منها شارع "الماركات" والشارع القادم من منطقة "المحافظة"، إضافة إلى وقوعه بالقرب من القنصلية "الكندية"».

وتضيف أنه على الرغم من ازدياد عدد المحلات التجارية إلا أن هذا لم يؤثر على المعهد رغم الضجيج الذي بدأ بالازدياد قربه حيث تتابع بالقول:

«نظام التهوية في المعهد مصمم بحيث يعزل المعهد عن الوسط المحيط في حال زادت أصوات السيارات وحركة المرور عن الحد. برأيي أنه حتى مع هذه الأمور السابقة، يبقى للمنطقة تميزها على اعتبار أنها من المناطق الراقية في مدينة "حلب". وقد غدا معهدنا من المعالم القديمة المميزة للشارع لدرجة أنه أصبح نقطة علام يستدل بها الناس على بعضهم بعضاً، إضافة إلى وجود عدد من المحلات التجارية التي فتحت بالقرب منا».

وتضيف بأن سبب افتتاح ذاك العدد الكبير من المحلات التجارية برأيها يعود إلى رغبة أصحاب هذه المحلات بالتواصل مع سكان المنطقة مضيفة بأنه خلال الفترة الأخيرة بدأ الشارع يشهد وجود عيادات لأطباء ومكاتب لمهندسين ومحامين بحيث أصبح الشارع برأيها يشبه "شارع الحمراء" الموجود في وسط مدينة "بيروت" من حيث الصفات المتشابهة التي تجمع بينهما».

العديد من الشباب يتواجدون بشكل شبه يومي في الشارع وتراهم إما يتمشون أو يتوقفون قرب إحدى زوايا الشارع، أو قرب أحد محلات الأطعمة والعصائر المتواجدة في الشارع؛ منهم الشاب "قتيبة عبد المحسن" والذي قال لنا:

«أحضر بشكل يومي إلى هذا الشارع مع أصدقائي ولا أغيب إلا نادرا، سبب وجودي هنا يعود إلى طبيعة الشارع المملوء بالحركة والناس، إضافة إلى حركة السيارات التي تأتي كنتيجة طبيعية لوجود كل هذه المحلات ضمن الشارع».

ويتابع بأن عدد الشبان الذين اعتادوا التواجد في الشارع بدأ يقل كثيرا خلال السنوات الماضية بسبب وجود المولات التجارية الكبيرة ذات التكييف الصيفي والشتوي حيث يضيف قائلا:

«بالنسبة لجيل الشباب الأصغر سنا، فقد نشؤوا على ثقافة "المول" أكثر منا نحن الشباب الذين نشأنا على فكرة التجول في الهواء الطلق. بالنسبة لي فإن سبب وجودي الأساسي في الشارع كان قربه من منزلي، إلا أن هذا التواجد بدأ يقل بسبب انشغالي وارتباطي بعمل مؤخرا فبات وجودي لا يتجاوز الساعة بعدما كان أكثر من ذلك».

عندما تسأل أي شخص عن "شارع الماركات"، ستراه يدلك عليه بكل حماس، إلا أن كل من سألناهم أجمعوا بأنهم لا يعرفون اسم الشارع الأصلي وأن اللافتة التي كان مكتوب عليها اسم الشارع سابقاً اختفت منذ فترة طويلة ليبقى هذا الاسم هو الاسم الوحيد الذي يعبر عن الشارع وهو "شارع الماركات".