من يدخل مضافات ومنازل شيوخ ووجهاء العشائر في البلاد العربية لابد له أن يلاحظ تواجد القهوة العربية "المُرة" وبقوة كأبرز عنصر في هذه المضافة. هذه القهوة التي طالما ارتبطت بالتراث والعادات العربية الأصيلة.

وفي سورية وخصوصا في ريفها لازالت هذه المضافات ملتقى لأبناء العشيرة أوالقرية ليتدارسوا فيها أمور عشيرتهم وحل خلافاتهم، ولا تزال القهوة العربية الحاضر الأبرز في هذه المضافات، لما لها من أهمية كبيرة عند العرب.

تقدم القوة للضيف بعد رد التحية وإيجاد المكان المناسب له في المجلس وهذا ما يشعره بالطمأنينة والأهمية، وبعد ذلك تقدم كل ربع ساعة تقريبا حتى انتهاء المجلس..

وهذه الأهمية ذكرها الباحث السوري "وصفي زكريا" في كتابه "عشائر الشام" مبينا تلك الأهمية بقوله:

عبد الرزاق الحاج علي

«القهوة المرة هي المشروب السائد لدى البدة خاصة والعرب عامة، وقد يستغني البدوي عن الطعام، لكنه لا يستغني بحال عن تناول القهوة على مدار اليوم فهي شرابه المفضل، وقد ينفق فيها أكثر ما ينفق على طعامه ولباسه..».

وللقهوة العربية عادات وتقاليد ارتبطت بها أيضا ابتداء من تصنيعها، إلى تقديمها للضيوف حيث احتكمت هذه العادات إلى آداب المجالس.

تحضير القهوة

ولنتعرف على هذه العادات زرنا في eSyria مضافة الشيخ "عبد الرزاق الحاج علي" أحد وجهاء عشيرة "البوسلطان" في قرية "تل الرفيع" التابعة لمنطقة "منبج"، فكانت بداية الحديث عن ارتباط القهوة بالعرب وتراثهم وعاداتهم الأصيلة، فقال:

«منذ أن اكتشفت القهوة العربية في "اليمن" وانتشرت منه إلى معظم المناطق العربية لا تزال هذه القهوة رمزا للضيافة والكرم العربي الأصيل، كيف لا وهي أول ما يقدم للضيف بعد كلامات الترحيب. ومن هنا ارتبطت ارتباطا وثيقا بالعرب وتراثهم وحضارتهم لتأخذ اسمها منهم وتسمى بـ "القهوة العربية" محتلة المركز الأول في مضافاتهم ومجالسهم، ومرتبطة بالعديد من المفاهيم والعادات والتقاليد الخاصة بها والتي انبثقت من آداب المجالس العربية».

** قهوة الصباح ثم الظهيرة ثم المساء..

يتحدث الشيخ "أبو طارق" عن تواجد القهوة العربية في مجالس ومضافات خاصة وأن انتشارها في البيوت العادية لم يكن منذ فترة طويلة، فيقول:

«لم يكن للقهوة العربية هذا الانتشار الملحوظ -كما في الآونة الأخيرة- حيث أنها كانت تتواجد في مضافات خاصة، مضافات ومجالس شيوخ العشائر أو المخاتير، ولها ثلاثة أوقات لابد لأبناء القرية أن يجتمعوا فيها وتسمى هذه الفترات بـ قهوة الصباح، قهوة الظهيرة، وقهوة المساء. يجتمع أهل القرية في الصباح عند وجيه القرية ليشربوا القهوة ومن ثم ينتشروا إلى أعمالهم، ليعودوا ويجتمعوا عند العصر، وفي المساء يجتمعوا ليتباحثوا في أمور قريتهم أو عشيرتهم وحل الخلافات بحضور وجيه العشيرة ومستشاريه».

** للقهوة العربية آداب، فماهي؟!

ولتقديم القهوة العربية للضيوف طقوس خاصة لابد منها، فمن يقدم القهوة للضيوف لابد أن يعرف مبادئها ويلتزم بها، وهذه العادات كما يصفها:

«أول من يشرب القهوة هو الشخص الذي سيقوم بتقديمها، والمراد من هذا هو التأكد من صلاحية القهوة وسخونتها وطعمها، وإذا كان الضيوف كلهم وجهاء تُقدم لأكبرهم سنا ثم الأصغر فالأصغر، وإن كان في المجلس وجهاء وأناس عاديين تقدم القهوة أولا للوجهاء ومن ثم تُقدم للضيوف من اليمين إلى اليسار.

ومن العادات أيضا أن تقدم القهوة باليد اليمنى وعلى الضيف أخذها باليد اليمنى، وأيضا على الضيف أن يصحح جلسته حينما تُقدم له القهوة إن كان مسترخيا أو متكئا وهو نوع من إظهار الاحترام لصاحب المجلس وأهمية فنجان القهوة، وعلى الضيف شرب الفنجان الأول إلا إذا كان هناك سبب صحي يمنعه من ذلك، وإذا اكتفى الضيف بالفنجان الأول عليه هزُّ الفنجان ثلاث مرات أو مرة واحدة، وإذا لم يقم بذلك فهو يرغب بشرب فنجان آخر.

كما أن القهوة تقدم لكل من في المجلس صغيرا وكبيرا غنيا وفقيرا بدون تمييز إلا من قام بعمل شائن فلا تقدم له القهوة.

أما من له حاجة عند شيخ العشيرة أو صاحب المجلس فلا يشرب القهوة ويضع الفنجان على الأرض تعبيرا عن حاجة له عند هذا الوجيه، فيقال له أشرب قهوتك وحاجتك مقضية إن أمكن ذلك».

وعن موعد تقديم القهوة والفترات التي تقدم بها في المجالس قال:

«تقدم القوة للضيف بعد رد التحية وإيجاد المكان المناسب له في المجلس وهذا ما يشعره بالطمأنينة والأهمية، وبعد ذلك تقدم كل ربع ساعة تقريبا حتى انتهاء المجلس..».

أما طريقة تحضير القهوة العربية يدويا فهي:

تُحمّص حبات البن في أداة تسمى "المحماس" على نار هادئة حتى تكتسب حبات البن اللون البني ثم توضع في "المهباش" وهو قطعة خشبية لها جرن ودقة تستخدم لطحن القهوة وما يميز القهوة العربية في الطحن هو أن تبقى خشنة ولا تطحن بالكامل وللمهباش حين الدق إيقاع جميل ومميز يعبر عن الترحيب بالضيوف وكرم ضيافتهم، وبعد أن تدق توضع في صحن خاص وتوضع مع خميرة القهوة في دله خاصة تسمى "القمقم" وهي أكبر دلال القهوة الموجودة ومن ثم تصفى وتوضع في المصب ويضاف لها "حب الهال" لإعطائها نكهة خاصة، وتبقى دلة المصب على النار باستمرار لتبقى ساخنة وطازجة وتقدم بأي وقت.

قد يكون لعصرنا الحديث تغيرات كثيرة في العادات والتقاليد، إلا أن عادتنا العربية الأصيلة التي تعبر عن الكرم والطيبة وحسن الضيافة لا تزال موجودة وبقوة، مستمدة استمراريتها من خصوصية الإنسان العربي وأصالته..