تعتبر شجرة الجوز من الأشجار القديمة التي تُزرع في بلدنا، وقد عرف السوريّ منه بالجوز البلدي، الذي يتميّز برائحته الجذّابة ونكهته الشهيّة، ولهذه الشجرة استعمالات مختلفة فهي تضفي على الطبيعة جمالاً واخضراراً، كما تقوم بتنقية الهواء وتنظيفه.. ويستخدم خشبها الذي يتميز بصلابته وكثافته في صناعة أثاثات البيوت من موبيليات ومقاعد وكراسي وغيرها من الأدوات المنزلية المطبخية كالملاعق، كذلك يستخدم منذ أقدم العصور في صناعة "الطنبور" حيث يقوم بها حرفيّون ماهرون في منطقة "عفرين" المشهورة بهذه الصناعة العريقة، أما من الناحية الصحية والطبية فإضافةً إلى أنّ ثمارها ذات قيمة غذائية كبيرة حيث تحتوي على بروتينات ودهون ومواد معدنية وسليلوز، فإنّها تستخدم في صناعة المربيات والمواد الغذائية التي تُحفظ كمؤونة منزلية وفي أنواع متعددة من الحلويات الريفية وغيرها.

في هذه الأيام تشهد حقول الجوز في بلدنا كرنفالات جميلة حيث تجتمع الأسر فيها للقيام بعملية قطف ثمارها، وهي مناسبة اجتماعية سنوية تتضمن طقوساً فنية رائعة من الرقص والتصفيق والغناء في جوّ قروي عائلي جميل.

أخيراً لا بد من الذكر بأن لقشور ثمرة الجوز استعمال قديم في الريف حيث تُجمع القشور وتُعصر من خلال دقها في جرن حجري بواسطة مطرقة أو حجرة، والمزيج المتبقي تستعمله النساء مع مادة الحناء في صبغ شعرهن حيث يعطي الشعر لوناً جذاباً وجميلاً يدوم لفترة طويلة

بتاريخ 21/8/2008 كان موقع eAleppo في زيارة إحدى حقول الجوز في قرية "جقللي" – ناحية "جنديرس" والتي تعتبر من أجمل القرى في ريفنا الجميل ومن أكثرها شهرة في مجال زراعة الجوز، حيث كانت أسرة "خليل إبراهيم" منهمكةً بعملها في قطاف الثمار بينما كان "خليل" يمتّعهم بغنائه الجبلي الجميل.

في حقله الكبير جلسنا تحت شجرة جوز كبيرة وسألناه أولاً عن اهتمامه بهذه الشجرة فقال: «إنّ زراعة الجوز قديمة في منطقتنا وهي من أكثر الأشجار المحببة إلى قلوب الريفيين هنا، فهي تقدّم لنا ثمارها التي نستعملها في الكثير من أغذيتنا المطبوخة والمحفوظة كمؤونة شتوية وفي مختلف أنواع الحلويات الريفية اللذيذة، إضافةً إلى خشبها الذي يستعمله النجّارون منذ القديم في صناعة أثاثات البيوت من غرف النوم والضيوف كالموبيليات والكراسي وأدوات المطبخ من ملاعق وصحون وكذلك في صناعة "الطنبور" وهي كما تعرفون آلة موسيقية وترية تشتهر بها منطقة "عفرين" عزفاً وصناعةً».

وعن مراحل تحضير ثمار الجوز للاستعمال الغذائي في البيوت قال: «نبدأ أولاً بعملية قطاف الثمار - كما ترى- وبطرق ريفية بدائية كاستعمال عصا طويلة وسلالم خاصّة لكبر الأشجار، أما الأولاد فمهمتهم تسلّق الشجرة لمساعدتنا في جني المحصول، بعدها نجمع الثمار من تحت الشجر ونضعها في أكياس قماشية خاصّة وننقلها إلى البيت على ظهر الحمير، وفي البيت تجتمع الأسرة كباراً وصغاراً للقيام بعملية تقشير الثمرة وإزالة لحائها الأخضر ليبقى اللبّ أو ما يسمى بقلب الجوز الذي يُحفظ في أكياس لاستعمالها عند الحاجة».

وعن استعمالات الجوز في الأغذية الريفية سألنا زوجته "بنفش" التي قالت: «إننا في الريف نستخدم الجوز في الكثير من أغذيتنا سواءً اليومية أو التي نحفظها لفصل الشتاء وكذلك في صناعة الحلويات التي نصنعها تقليدياً في مناسبات الأعياد والأفراح و في شهر رمضان المبارك.

فبالنسبة للطبخات الريفية التي نستعمل الجوز في إعدادها فهي: "الكبّة المقلية" و" الكبة اللبنية" وهي من أقدم الطبخات المعروفة في منطقتنا كما نستعمله في طبخات "المقلوبة" و"الرز".

أما في مجال الأغذية التي نحفظها لفصل الشتاء فأهمّها: "المكدوس" الذي يشتهر به بلدنا بشكل عام، حيث نقوم بغلي الباذنجان بالماء جيداً ومن ثم نضعها على صينية مسطّحة ونضع فوقها حجرة ثقيلة كي يخرج منها الماء بفعل الضغط لمدة يوم أو أكثر ومن ثم نقوم بحشوها بمزيج من قلب الجوز ودبس الفليفلة والثوم و نحفظها في أوانٍ زجاجية بعد إضافة زيت الزيتون إليه، وهناك أيضاً "الزيتون المحشو بالجوز"، حيث يقوم جهاز بإخراج حبات الزيتون الخلخالي ذو الحجم الكبير، لنقوم بعدها بحشوها بدبس الفليفلة والثوم وقلب الجوز، كما نقوم بحفظ قلوب الجوز إلى فصل الشتاء حيث نتناولها مع "دبس العنب" و"التين المجفّف" و"السمسم" في ليالي الشتاء الطويلة».

وقالت "بنفش- أم فريد" متابعة حديثها: «وبالنسبة للحلويات فإننا نصنعها بأيدينا وباستعمال قوالب خشبية خاصّة وذلك في المناسبات، وأهمها "الكمبة" و"المعمول" (محلياً) فنستخدم قلب الجوز فيها لتعطيها مذاقاً لذيذاً

حيث نحضّر عجينها بمزج الحليب والسمن مع الطحين وقليل من السميد، ونضيف إليه المنكهات الطبيعية المختلفة ونستعمل القوالب المختلفة الأشكال لتخرج قطعة الحلوى بحسب الشكل المطلوب وكنا نشويها على النار الطبيعية قديماً، أما اليوم فيتم ذلك في الفرن الكهربائي».

وأضافت: «أخيراً لا بد من الذكر بأن لقشور ثمرة الجوز استعمال قديم في الريف حيث تُجمع القشور وتُعصر من خلال دقها في جرن حجري بواسطة مطرقة أو حجرة، والمزيج المتبقي تستعمله النساء مع مادة الحناء في صبغ شعرهن حيث يعطي الشعر لوناً جذاباً وجميلاً يدوم لفترة طويلة».