تكتظ منطقة "عفرين" بالمزارات والأماكن التي تحمل صفة التقديس وقد لعبت منذ القديم دوراً كبيراً في حياة الناس وذلك على مدى مئات السنين وخاصّةً من النواحي الطبية والاجتماعية ولذلك يوجد في الكثير من قرى المنطقة أكثر من مزار أو مكان مقدس ومن هذه المزارات المعروفة مزار "عبد الرحمن".

حول الدور الذي تلعبه المزارات عموماً في حياة الناس تحدّث المعمّر "حسين صاغر" /90/ سنة لموقع eSyria بالقول: «لقد كانت للمزارات بشكل عام دور كبير وأساسي في حياة الناس ومن عدة نواحي، وكانت هناك طقوس وتقاليد مختلفة مرتبطة بهذه المزارات أثناء زيارتها».

لقد كانت للمزارات بشكل عام دور كبير وأساسي في حياة الناس ومن عدة نواحي، وكانت هناك طقوس وتقاليد مختلفة مرتبطة بهذه المزارات أثناء زيارتها

وعن مزار "عبد الرحمن" قال: «مزار "عبد الرحمن" من المزارات القديمة والمعروفة في ناحية "جنديرس" التابعة لمنطقة "عفرين" وقد كنت أرافق أهلي لزيارته منذ أن كنت طفلاً حيث كان يؤمه الناس من مختلف القرى والمناطق وفي الكثير من الأحيان كان زوّاره من خارج محافظة "حلب" حيث كانوا يأتون لزيارته بسبب شهرته الواسعة في العديد من النواحي وخاصّة في مجال الشفاء من بعض الأمراض والبحث عن الحظ وتحقيقه للأمنيات».

الضريح

«لقد كان المزار منذ القدم مكاناً للعبادة والتبرك حيث كانت تُقدّم عنده القرابين والذبائح سواءً بشكل جماعي أو إفرادي وفي أوقات معينة من السنة، وكان الزوّار يأتون لزيارة المزار بهدف استجداء العلاج والشفاء من الأمراض أو طلب تحقيق الأماني المعينة وكذلك كان المزارعون يأتون لطلب هطول الأمطار بعد تأخرها طويلاً وتأثيرات ذلك على المواسم».

وقال المعمّر "صاغر" متابعاً حديثه: «كان لمزار "عبد الرحمن" شهرة كبيرة في مجال العقم وتأخر الحمل لدى النساء ولذلك كان على النسوة زيارة المزار وتقديم قربان "ذبيحة" عند أعتابه والرجاء بأن يساعده في عملية الحمل مع التبرك بغطاء الضريح الأخضر وأخذ قليل من تربته المباركة وتناولها وكانت معظم النساء تحمل بعد هذه العملية، وكانت بعض النسوة تتناول التربة المباركة بهدف منع الحمل أحياناً ولكن من مزار آخر مختص بذلك».

الحجر العثماني

«ويُضاف إلى ذلك أنّ الكثير من الناس كانوا يزورون المزار لطلب تحقيق أمنية معينة والبحث عن حظهم وكان ذلك يتم بمحاولة لصق حجر صغير على حائط المزار فإن تم ذلك كانت الأمنية ستحقق بمساعدة المزار وإن لم تُلصق الحجرة فإنّ أمنيته لن تتحقق».

وحول بعض الطقوس التي كانت مرتبطة بزيارة المزارات قال: «لقد كانت هناك طقوس أسبوعية تُقام في المزارات بشكل عام وذلك في ليلة يوم الجمعة مثل إيقاد الشموع وقناديل الزيت لأنّ الاعتقاد الذي كان سائداً آنذاك هو عدم جواز ترك المزار دون إضاءة في تلك الليلة».

البحث عن الحظ

وأخيراً وعن دور وتأثير مزار "عبد الرحمن" في حياة الناس اليوم قال: «في الحقيقة لقد تراجعت دور المزارات بشكل عام في حياة الناس ولم يبق الإقبال على زيارتها مثل القديم وذلك بسبب التقدم الطبي والعلمي في بلدنا ومع ذلك ما زالت الكثير من الطقوس تُمارس لدى زيارة مزار "عبد الرحمن" حتى اليوم مثل زيارته كل يوم جمعة بشكل جماعي من قبل بعض الناس وتقديم الذبائح والقرابين».

ولمعرفة المزيد من المعلومات حول مزار "عبد الرحمن" التقى مراسلنا بالدكتور "محمد عبدو علي" المتخصص بكتابة فلكلور وتراث منطقة "عفرين" والذي قال: «تقع هذه الزيارة الشهيرة إلى الشمال من قرية "شيخ عبد الرحمن" التابعة لمنطقة "عفرين" وتبعد عن الطريق العام "عفرين" -"جنديرس" مسافة /3/ كم، وبجانبها تل أثري كما توجد في جهتها الجنوبية مقبرة قديمة وفي شمالها نبع ماء غزير».

«يتألف مبنى المزار الواسع من قسمين وفي غرفته الغربية ضريح على هيئة قبر مغطاة بالقماش الأخضر يتبرك به الناس وبجواره حجر قديم كُتب عليه اسم المزار وصفاته وذلك باللغة العثمانية القديمة وقد أزيل الحجر من واجهة المبنى أثناء ترميمه في العام /1965/ ميلادية و/ 1385/ هجرية ووضع بدلاً عنه حجراً مكتوباً عليه باللغة العربية ما يلي: "هذا مقام "عبد الرحمن بن عوف"».

وختم الدكتور "محمد عبدو علي" حديثه بالقول: «أثناء زيارتي للمزار منذ حوالي العشر سنوات سألت حارسه عن المزار فقال لي بأنّ الصحابي "عبد الرحمن بن عوف" جُرح في هذا المكان فتمت إقامة هذا المقام له، ولكن المصادر التاريخية لا تتحدث عن وصول ذلك الصحابي إلى هذه الأنحاء أو خاض معارك فيها».