الكثير من الحضارات الإنسانية توالت على مدينة "دمشق" المصنفة أقدم عاصمة مأهولة في العالم، ما يعني بأنها تحوي أوابد تاريخية في كل مكان، ومنها السوق "الطويل" سابقاً المعروف بسوق "مدحت باشا" حالياً.

يقع هذا السوق غرب مدينة "دمشق" من طرف "باب الجابية" ويصل حتى "باب شرقي" شرق المدينة، وينسب الخوري "أيوب سيما" بناء هذا السوق إلى اليونانيين القدماء "الهيلينيين" الذين بنوه من غرب المدينة إلى شرقها ليكون صلة للارتباط بين إلههم "الشمس" وابنه "زيس" من أجل أن يحفظا هذه المدينة.

بني هذا السوق زمان الرومان إبان حكم "بومييوس" عام 64 ق.م، وسمي وقتها شارع العواميد لوجود أعمدة ضخمة مبنية على طوله، هذه الأعمدة مدفونة تحت السوق الحالي وتمتد حتى "باب شرقي" بعمق يتراوح من ثلاثة إلى خمسة أمتار كلما اتجهنا نحو "باب شرقي"، وفي نفس العهد الروماني أطلق على هذا السوق اسم "الطويل" أو "الدرب المستقيم" لأنك تستطيع أن ترى "باب شرقي" عندما تقف في "باب الجابية"، ومع حدوث التغيرات الجغرافية والعمرانية أصبح من الصعب رؤية الباب الآخر من المدينة والعكس صحيح

وللتحدث عن الناحية التاريخية لإنشاء هذا السوق موقع eSyria بتاريخ 17/1/2009، التقى عدداً من أصحاب المتاجر هناك، فكان أولهم السيد "عمار قباني" الذي أعطانا لمحة تاريخية عن سوق بقوله: «بني هذا السوق زمان الرومان إبان حكم "بومييوس" عام 64 ق.م، وسمي وقتها شارع العواميد لوجود أعمدة ضخمة مبنية على طوله، هذه الأعمدة مدفونة تحت السوق الحالي وتمتد حتى "باب شرقي" بعمق يتراوح من ثلاثة إلى خمسة أمتار كلما اتجهنا نحو "باب شرقي"، وفي نفس العهد الروماني أطلق على هذا السوق اسم "الطويل" أو "الدرب المستقيم" لأنك تستطيع أن ترى "باب شرقي" عندما تقف في "باب الجابية"، ومع حدوث التغيرات الجغرافية والعمرانية أصبح من الصعب رؤية الباب الآخر من المدينة والعكس صحيح».

السيد "عمار قباني"

وبشأن التغيرات التي حدثت لهذا السوق إبان حكم المماليك والعثمانيين أضاف: «غطي السوق على زمن المماليك بالخشب من أجل منحه منظراً جمالياً أكثر، وفي عهد الوالي "حسين ناظم باشا" غطي بالحديد والتوتياء من أجل حمايته من الحريق الذي أتى على معظمة نتيجة إشعاله من قبل الوالي "مدحت باشا" عندما طلب من الناس إخلاء منازلهم من أجل أعمال التوسيع فتم حرق السوق نتيجة المعارضة، ويحوي السوق أربعة خانت وهي: خان "الزيت، خان "جقمق"، خان "دكة"، وخان "أسعد باشا" المذهل، ويحوي أيضاً مساجد قديمة منها مسجد "السادات" الذي يضم مقام الصحابي "معاذ بن جبل"، ويعتبر هذا السوق من أهم الأماكن التاريخية التي يأتي لها السياح من كل دول العالم، وهو مركز لبيع الشرقيات والأقمشة التي تنفرد سورية بصناعتها، وأهم ما يميزه عند مرورك به عدم إحساسك بمسافته الكبيرة رغم طوله البالغ 1500 متر».

ثم التقينا السيد "علي بك" صحاب محل لبيع "القطنيات"، والذي ذكر لنا مراحل ترميم السوق بقوله: «أول ترميم كان زمن المماليك في عهد السلطان "سيف الدين جقمق" باني المدرسة "الجقمقية" وخان "جقمق"، وثاني ترميم كان زمن العثمانيين سنة 1878م، إذ قام الوالي "مدحت باشا" بتوسيعه وأطلق عليه بعد الترميم اسم "الطريق الأعظم"، وسنة 1925م تم حرق جزء من السوق نتيجة قصف المحتل الفرنسي لمنطقة "الحريقة"، وثقب سقفه بالرصاص إبان الثورة السورية، وبعد تحرير البلاد من المحتل الفرنسي جرى الكثير من الإصلاحات فيه أهمها الترميم الذي جرى عام 2007- 2008 حيث حُسِنَ شكل السوق وجُدد بالكامل، والآن يعد من أكبر الأسواق على مستوى الشرق في تجارة الشرقيات والمنسوجات بكافة أنواعها، إذ تتمتع المهن الموجودة فيه بالتغير والتطور الدائم بعدما كان سوق لبيع "العبي"، والألبسة الشعبية التي أصبحت من التراث، ومع هذا التطور بقيت بعض المحلات التي تبيع الألبسة الشعبية التراثية إلى يومنا هذا».

سوق "مدحت باشا" من الداخل

ومن المارة في هذا السوق التقينا الشاب "محمد عبد المجيد" الذي سألناه عن معنى ومكانة هذا السوق عنده فأجاب: «أسكن في منطقة "السويقة" المتاخمة للسوق من طرف "باب الجابية"، وأعمل في محل لبيع الأدوات الكهربائية في "باب شرقي" ما يعني أنني أمر في كل يوم من هذا السوق ذهاباً وإياباً رغم أنني استطيع أن أصل إلى مكان عملي في منطقة "الشاغور" أو "الحريقة" لكن المرور في هذا السوق يومياً يختصر وقتي عند المشي ويذهلني عندما أشاهد عراقة تراثنا وأهمية الأماكن التاريخية الموجودة في "دمشق"، حتى إني أصبحت أميّز بين ما هو مبني على دور العثمانيين أو المماليك من خلال "المقرنصات" و"الزخارف" الموجودة على الجدران، أو من خلال ألوان الأحجار المبنية في هذه المدينة فكل حجر قديم يحمل اللون الأبيض يعود إلى العهد المملوكي أما الأسود فيعود للعهد العثماني، ومن جانبٍ آخر يعد هذا السوق قبلة للمسيحيين عند حجهم لأن "بولس" الرسول مشى فيه هرباً من اليهود».

يحوي السوق الكثير من المهن التقليدية الدمشقية كما يحوي في خاناته وتفرعاته أسواقاً كاملة لبضاعة واحده مثل الأحذية الخشبية من سوق "القباقبية"، القماش ولوازمه من سوق "الخياطين"، و"الذهب" من سوق "الصاغة"، وغيرها من الأسواق التي تعرف "دمشق" من خلالها عند مرورك بها».

صورة لخان "أسعد باشا"