حافظت منطقة "الربوة" في "دمشق" على ألقها وجمالها، وقاومت على مر السنوات عوامل التغيير التي أصابت المناطق الخضراء في العاصمة، وهي اليوم مقصد ترفيهي لكل السوريين، وللدمشقيين على وجه التحديد.

وفي تعبيره عن علاقة الدمشقيين بمنطقة "الربوة" قال "هاني حلواني" وهو من المرتادين الدائمين "للربوة"، في حديثه لمدونة وطن eSyria بتاريخ/30/8/2012: «الربوة رئة "دمشق" الغربية، وهي وجهة لسكان المدينة منذ مئات السنين، وما زاد من قيمتها المحافظة على رونقها وحالتها رغم بعض التغييرات البسيطة التي لم تؤثر على الزوار».

حسب بعض النصوص الآرامية فإن معنى كلمة "الربوة" هي الأرض أو الدار المسقية، أو الأرض الغنية بالمياه، وفي بعض الروايات فإن "الربوة" كلمة تعني مكان الراحة والأمان

ويحدثنا "حلواني" عن بعض الوقائع من منطقة "الربوة" بالقول: «العائلات الدمشقية اعتادت على زيارة منطقة "الربوة" وبشكل خاص في أيام الجمعة والأعياد، وتحولت هذه الزيارات إلى تقليد ثابت لدى الكثير من الدمشقيين، حيث تقوم العائلة بكامل أفرادها في كل جمعة باختيار مكان لها على جانبي النهر مصطحبين معهم لحم الشواء للغداء، إضافة إلى البطيخ الأحمر الذي يوضع في مياه النهر للحفاظ على برودته في أجواء طبيعية خالصة تعيد الصفاء والهدوء إلى النفوس».

في الطريق الى الربوة

غير أن شهرة الربوة لا تنحصر فقط في مطاعمها ومنتزهاتها وطبيعتها الجميلة. بل توجد فيها معالم طبيعية لافتة، منها الصخرة الرابضة في أحد جبليها وهو ذلك المطل على المقاهي، وقد عرفت باسم "المنشار"، ثم أطلق عليها لاحقا لقب "صخرة الحب" بعدما كتب عليها أحد العشاق الدمشقيين في خمسينيات القرن الماضي عبارة "اذكريني دائما" ورمى بنفسه من فوقها منتحراً، بسبب رفض أهل حبيبته تزويجه إياها. وتقول الحكاية، التي يرويها كثيرون من أبناء الربوة ويؤكدون أنها حقيقية حصلت فعلا، إنه عندما علمت الحبيبة بقصة الانتحار بادرت إلى كتابة عبارة "لن أنساك" على الصخرة نفسها وانتحرت مثل فتى أحلامها.

ولوصف أقرب لهذه المنطقة وتاريخها، يتحدث لنا الباحث التاريخي "أحمد حجازي": «"الربوة" منطقة طبيعية من المناطق الخضراء التي تحيط "بدمشق"، وتقع في "وادي بردى"، حيث تحتل السفح الغربي لجبل "قاسيون"، وتتوسط جبلين هما "عنتر وجنك"، وهي منطقة قريبة من "دمشق" وهو الأمر الذي جعلها المقصد السياحي الأول لسكان العاصمة».

صورة للربوة من العام 1920

وأضاف "حجازي": «ارتبطت "الربوة" بمحبة أهل "دمشق" وعشقهم للطبيعة والتنزه على ضفاف "بردى"، وفي البساتين الخضراء التي تتميز بجوها المعتدل ولا سيما في فصل الصيف، وحالياً ساهمت المطاعم والمتنزهات المنتشرة فيها على طول الطريق في جذب الدمشقيين والسياح لزيارتها في كافة أيام السنة وحتى في فصل الشتاء».

وعن الناحية التاريخية يقول "حجازي": «اكتسبت "الربوة" شهرتها من كونها كانت قديماً طريقاً للسفر من "دمشق" إلى "بيروت"، حيث وجد فيها المسافرون فسحة للراحة قبل مواصلة سفرهم، وهي اليوم تزداد توسعاً على يمين الطريق الرئيسي ويساره، كما توزعت المتنزهات على سفح الجبلين على امتداد الطريق، وهو ما أعطى فرصة أكبر للاستمتاع بمناظرها حيث اعتمدت بعض المنتزهات على النوافذ الزجاجية الكبيرة حتى يستمتع الزائر بجمال الطبيعة على خلاف مكوناتها».

مناظر خلابة

ويرى "حجازي" «حسب بعض النصوص الآرامية فإن معنى كلمة "الربوة" هي الأرض أو الدار المسقية، أو الأرض الغنية بالمياه، وفي بعض الروايات فإن "الربوة" كلمة تعني مكان الراحة والأمان».

أيضا، اشتهرت الربوة بأنها قدمت عددا من العلماء عبر تاريخها، بينهم عالم الجغرافيا الملقب بـ "شيخ الربوة الدمشقي" الذي عاش ما بين 1256 و1327م وله كتاب جغرافي بعنوان "نخبة الدهر في عجائب البر والبحر"، طبع لأول مرة في كوبنهاغن عام 1864، ثم في لايبزيغ عام 1923، وفيه وصف الأقاليم السبعة وفصول السنة والأنهار وممالك الشرق وطبقات الأرض. ولقد اعتبر شيخ الربوة الدمشقي من أقدم الجغرافيين الذين أشاروا إلى وهمية خطوط الطول والعرض.

ويقول المؤرخون والرحالة عن الربوة، الواقعة عند مضيق بين جبلين يحتضنان نهر بردى وأفرعه السبعة، إنها قبل 400 سنة ضمت أربعة مساجد تاريخية ومدرسة قديمة وقصرا مرتفعا على سن جبل يدعى "التخوت"، وكان فيها أيضا خمسة مقاصف. ويذكر أنه كان فيها الكثير من القصور والأبنية على طرفي واديها، وكذلك زاوية "خضر العدوي" التي بناها الملك الظاهر بيبرس، كما بنى فيها "نور الدين الشهيد" قصرا للفقراء ووقف له قرية داريّا، جنوب دمشق.

ويذكر المؤرخ الدكتور "قتيبة الشهابي" أن الربوة اشتهرت بانتشار مزارع الزعفران، وأن جبلها الغربي أطلق عليه اسم "الدفّ"، لكثرة مزارع الزعفران فيه، بينما حمل الجبل الشرقي اسم "الجنك"، لأن رأسه يشبه الآلة الموسيقية "الجنك"، وهي العود أو الطنبورة ذات الرقبة الطويلة.

وأحرق الصليبيون الربوة عام 1148م، ومن ثم تخرب ما تبقى فيها من قصور الأغنياء خلال القرنين الثامن والتاسع عشر الماضيين على أيدي الانكشاريين العثمانيين، ولم يتبق من هذه القصور سوى قصر الأمير "عبد القادر الجزائري"، الذي تعرض بدوره لتخريب كبير قبل ترميمه وافتتاحه قبل سنتين كمركز إقليمي لتنمية الإدارة المحلية المستدامة مع قاعة خاصة بالأمير الجزائري. والواقع أن الربوة التي استعادت حياتها وإشراقها في منتصف القرن الماضي، تضم اليوم مجموعة من أشهر مقاهي دمشق الصيفية، ومنها مقهى "أبو شفيق" الذي كان مقصدا للكتاب والشعراء وعلى رأسهم "محمد الماغوط" وجيله. وهناك أيضا مقاهي "العجلوني" و"الوادي الأخضر" و"الشلال" و"القصر"... التي تقدم البرامج الفنية والحفلات، إضافة إلى تقديمها معظم أنواع المأكولات والمقبلات الدمشقية الشرقية.