ثمة مهن كثيرة تشعر للوهلة الأولى أنها تتوافق وطبيعة المرأة أكثر من توافقها مع طبيعة الرجل, ورغم ذلك استطاع الرجل أن ينافس المرأة ليجعل أشهر الطهاة في العالم رجال، وكذلك أشهر مصممي الأزياء ومصففي الشعر رجال, إلا أن هنالك مهن تظل حكراً على النساء في "دير الزور" مثل مهنة نسج الليف.

كلنا قبل تطور أدوات الاستحمام استعملنا هذه القطعة الصغيرة المنسوجة يدوياً وقد يخطر في بال أحدنا أن يفكر بالمراحل التي مرت بها هذه الليفة قبل أن تصل إلى يديه.

ما أعرفه أن القنب لا يزرع في"سورية" و يزرع في الكثير من الدول و منها "كينيا" و نحن نحضره بشكل بكرات كبيرة غير منسوجة ليباع للناس بالكيلو

"eSyria" حاولت أن تتبع تلك الرحلة الصغيرة وذلك من خلال اللقاء مع الحاجة "أم حسن -صبحة المحمد" وهي من مواليد قرية "الجولا" وتقيم في المدينة بلغت منذ مدة وجيزة عامها الثمانين, قضت 35 سنة في نسج الليف, حيث حدثتنا عن مهنتها قائلة:

السيدة مريم الموسى مع مراسلة الموقع

«أشتري ليف "القنب" من محلات الجملة وأعمل على تنظيفه وتنقيته ثم أجعل من الليف خيوطاً وذلك باستخدام الدوك, وهو آلة خشبية تستخدم إجمالاً في عملية النسج, وبعد جعله خيوطاً أحاول أن أصنع منه كرات متوسطة الحجم أنتقل بعدها إلى المرحلة النهائية والتي تتضمن نسج الليفة وذلك عن طريق المخرز الخشبي, وهو يشبه مخرز الليف العادي, إلا أنه من الخشب».

وأضافت الحاجة "أم حسن" عند سؤالها عن المدة التي تقضيها في نسج الليفة الواحدة قائلة: «إن الأمر يتعلق بالحجم, هناك ثلاثة أحجام لليفة, الصغيرة منها تحتاج نصف ساعة تقريباً, أما الكبيرة فتحتاج أكثر من ساعة والنساجة النشيطة قد تنجز من 4-6 ليف في اليوم الواحد».

أبو عبود- حسن المحيمد، صاحب محل بقالة

وإن ابتعدت عن حديث الحاجة"أم حسن" وتأملت صورتها ستتساءل مثلنا بعد35 سنة من رفقة "المخرز" وخيط ليف "القنب", ما هي متاعب هذه المهنة, لكنك ستتفاجأ بأنها تعمل ساعات متواصلة في هذه السن دون أن تشعر بالتعب على عكس السيدة"مريم الموسى", والتي تشتكي من مساوئ الإنحناء لساعات طويلة قائلة:

«أعمل من الساعة السادسة صباحاً وحتى أذان العشاء بشكل متواصل تقريباً لكنني أشعر دائماً بألم في الرقبة والأكتاف, وفي مفاصل الأصابع وخاصة في الإبهام والسبابة لاستناد المخرز إليهما».

أما عن المرحلة الأخيرة من مراحل صنع الليف فتنتهي بالتأكيد عند صاحب محل البقالة تأخذ منه الليفة وتدفع ثمنها و كأنك تدفع ثمن ساعات عمل"أم حسن" بضع ليرات.

"أبو عبود- حسن المحيمد" صاحب محل البقالة المجاور لمنزل "أم حسن" يتحدث عن بيعه لهذه السلعة قائلاً:

«إن الطلب على الليف يكون في الصيف أكثر منه في الشتاء بسبب كثرة استعمالها صيفاً وقدوم غالبية المغتربين لزيارة أهلهم, إلا أن إنتاجها يكون في الشتاء أكثر منه في الصيف بحكم تواجد النساء داخل البيت لمدة أطول, ومن الجدير بالذكر أن صناعة الليف تراجعت كثيراً في السنوات الأخيرة بسبب استبدالها بأنواع مختلفة من أدوات الاستحمام الصناعية».

هذا عن رحلة الليف ضمن الأراضي"السورية"، أما عن مصدرها قبل ذلك فيحدثنا التاجر"إبراهيم السالم" قائلاً: «ما أعرفه أن القنب لا يزرع في"سورية" و يزرع في الكثير من الدول و منها "كينيا" و نحن نحضره بشكل بكرات كبيرة غير منسوجة ليباع للناس بالكيلو».