كثيرة هي القصص التي تروى عن هذا الرجل، وكثير هو الجدل حول صحة بعض ما يروى، وحقيقة الأحداث المسرودة عنه!!...

ما زال منزل عصمان بيك حتى اللحظة موجوداً في حي الحويقة، وكلما وقعت عيون المارة عليه ترحموا على الرجل.. وكذلك «مقهى عصمان بيك» الذي تحول اسمه إلى «مقهى جمال عبد الناصر» مازال موجوداً في الحي نفسه ومعروفاً باسمه الأول ..

عصمان بيك من أصول تركية، فهو حفيد والي دير الزور العثماني حسن آغا، وهو ولد في دير الزور عام 1895 وعاش فيها كل حياته ومات فيها.

كان ثرياً ومن أكبر الإقطاعيين، ويقول البعض إنه لم يكن يعرف كل أملاكه!!..

كان الأول في عدة أمور، فهو أول من ملك سيارة في دير الزور وكانت من نوع فورد، وهو أول من أدخل أقلام شجرة العنب مغروسة في حبات البطاطا حتى لا تتلف، وهو أول من أحضر بذور الملوخية من مصر وزرعها في دير الزور.

كان مولعاً بالصيد وبالحيوانات، وكانت حديقة منزله «حديقة حيوان» بالمعنى الحقيقي، ففيها من أنواع الحيوانات ما لا يخطر على بال، من طواويس وكلاب وحتى الضبع كان موجوداً لفترة.

تربية الخيول الأصيلة كانت من أهم هواياته، وهو كان يملك منها ما يقارب الأربعين فرساً موزعة في أراضيه، وكان يحب الكلاب كثيراً ويدللها، حتى أنها كانت تلازم فراشه ولا تتحرك عندما يتعرض لوعكة صحية.

أما الصفة الأشهر لهذا الرجل، فكانت القوة الجسدية الخارقة التي كان يتمتع بها، ومن الروايات التي يرويها الكبار «وهي موثقة عنه ولا شك فيها» أنه كان يضع يده تحت ابن الجمل ويرفعه عالياً بيد واحدة، وكان يمسك بالمجيدي «عملة حديدية قديمة» ويفركها فيمسح الكتابة والرسوم المنقوشة عليها.

وفي إحدى المرات وأثناء رحلة صيد، أمسك عصمان بيك بضبع صغير وحمله معه إلى منزله وقام بتربيته، وعندما كبر الضبع هجم على إحدى نعاج البيك وقتلها، فقام عصمان بيك بضربه على وجهه، ففقأ عين الضبع وحمله إلى البادية وتركه هناك.

أما القصص المختلف عليها، فهي ما يرويه البعض عن أن البيك كان إذا اعترضته ساقية في رحلة صيد، كان يحمل سيارته وينقلها إلى الجهة الثانية من الساقية ويتابع رحلته، كما قيل أنه ركل ذئباً فقتله.

كل هذه القصص وغيرها مما نسج حول قوة وحياة عصمان بيك، كانت بسبب محبة الناس له، ومحاولة منهم لتمجيده وتعظيمه، ولهذه المحبة أسباب، فقد كان البيك كريماً محباً للفقراء عطوفاً عليهم، وكان يوزع أكياس القمح على الفقراء في موسم الحصاد، ويضع عند كل باب كيساً دون أن يعلم أهل المنزل من وضعه، إضافة إلى تخصيصه رواتب شهرية لعدد من الفقراء بدير الزور، ومن المعروف عنه أنه كان يتصدق يومياً بمائة ليرة سورية، أي ما يعادل أربع ليرات ذهبية في تلك الأيام.

في أواخر أيامه فقد بصره ولازم المنزل حتى توفي في آخر يوم من شهر رمضان عام 1981.

شيعه أهالي دير الزور تشييعاً لم تعرف له المحافظة مثيلاً، وروي أن ابنه كنعان كان كلما زار قبر أبيه يرى حماماً أزرق يقف عليه دوناً عن باقي القبور.

وما زال أبناء دير الزور يروون ويكررون كل ما سلف ذكره، ويذكرون الرجل بالخير ويترحمون عليه... رحم الله عصمان بيك.