في أيامنا وفي الأيام التي خلت، وصف الناس العيون الساحرة، فكانت رمزاً وجزءاً مهماً من معايير الجمال، ولكن ما زادها بريقاً وألقاً هو الكحل العربي "الإثمد"، فلم يقف عند حد دخوله في عناصر جمالها، بل تعدى ذلك فأصبح حارسها الشخصي ومخلصها من الأمراض.

الحاجة "فريدة الخلف"، من عشيرة "البوليل" الشمّرية أخبرت eSyria عن "الكحل العربي" وارتباطه بالمرأة الفراتية:

الإثمد وهو بشكله الخام وقبل أن يصبح ناعماً، عبارة عن قطع حجرية بللورية لامعة يميل لونه بين الزهري الفاتح والفضي المتدرج إلى اللون الأسود ومصدره المملكة العربية السعودية وكذلك من المغرب، ويتم شراؤه من العطارين، وبالأغلب يتم التوصية عليه مع حجاج بيت الله الحرام ومع المعتمرين، أو مع العاملين في السعودية من منطقتنا

«الإثمد وهو بشكله الخام وقبل أن يصبح ناعماً، عبارة عن قطع حجرية بللورية لامعة يميل لونه بين الزهري الفاتح والفضي المتدرج إلى اللون الأسود ومصدره المملكة العربية السعودية وكذلك من المغرب، ويتم شراؤه من العطارين، وبالأغلب يتم التوصية عليه مع حجاج بيت الله الحرام ومع المعتمرين، أو مع العاملين في السعودية من منطقتنا»..

الحاجة فريدة الخلف

** فن التحضير...

وتابعت الحاجة "فريدة" لتخبرنا عن فن تحضير الكحل: «هناك طريقتان وكل طريقة تعطي للكحل لوناً يميزه، الطريقة الأولى هي بأن نأتي بقطع حجر الإثمد وعجوة التمر وقطعة صغيرة من أعواد شجرة "الطرفاء" الحراجية، ونغلفها بكاملها بالعجين المستخدم في صناعة خبز التنور، ويتم وضعها داخل تنور الطين على الجمر مباشرةً، أو في موقد النار بعد إتمام اشتعال الحطب ولا يبقى إلا الجمر، ويترك لمدة ساعة تقريباً، ومن ثم يتم إخراجه ويوضع على قطعة معدنية نظيفة حتى يبرد، بعد ذلك يزال آثار العجين من حجر الإثمد، ويوضع الحجر مع عجوة التمر وعود الطرفاء في هاون نحاسي، أو ما يسمى بلهجة أهل "دير الزور" النجر، ويتم طحنه حتى يصبح ناعماً، ويوضع على قطعة قماشية ذات فتحات ضيقة جداً فتتم غربلته وذلك بتحريك القماش يميناً وشمالاً، أو بشكل نصف دائري فينزل الناتج من ثقوب القماش بينما يبقى قسم تكون أقطارها اكبر فيتم إرجاعها إلى الهاون النحاسي وإعادة طحنها، ومن ثم إعادة العملية عدة مرات حتى نحصل على كحل ناعم جداً، بعد ذلك يعبأ الناتج في مكان يسمى"المكحلة"، وهي إما من القماش على شكل جيب وله قطعة أخرى يلف فيها، وهي مطرزة بألوان ومصنوعة من قماش يسمى "الحبر"، والذي يمنع ذرات الكحل الناعمة من السقوط من خلال ثقوبها، وتكون المكحلة مجهزة بالأداة التي تنقل الكحل إلى العين وما يسمى "المرود" ويصنع عادةً من أعواد الطرفاء أو الحور، ويكون مستدق الطرف ناعم الملمس لا يحتوي على نتوءات تضر بالعين، أو توضع في مكحلة نحاسية صغيرة على شكل المزهرية ويكون مرودها نحاسيا أيضاً، وكذلك هناك مكاحل خشبية مزينة ومزركشة».

أما الطريقة الثانية المستخدمة في تحضير كحل "الإثمد" فقالت بخصوصها: «نأتي بمادة الاثمد الخام والتي على شكل أحجار، ونضعها في إحدى أدوات الطعام والتي تتحمل درجات الحرارة العالية، ونضع فيها القليل من السمن البلدي وعندما تذوب السمنة يضاف إليها قطع الكحل، وتبقى على النار إلى أن يجف السمن تماماً ويبقى الكحل معرضاً للنار وحتى سماع صوت نتيجة تفاعل الأحجار مع درجات الحرارة، بعد ذلك يتم إنزاله عن مصدر الحرارة وتركه حتى يبرد، بعدها يوضع في الهاون النحاسي ويطحن، ويتم معاملته كما في الطريقة الأولى، ووضعه في المكاحل، ويختلف لون الكحل الناتج بالطريقتين، ففي الطريقة الأولى يكون لون الكحل مائل للسواد، أما الطريقة الثانية فيكون ناتجها مائلاً إلى اللون الفضي أو ما يسمى الرصاصي، نتيجة امتصاص الحجر للسمن البلدي، وهذا الكحل يكون أكثر ثباتاً في العين، واستخدمت النساء الكحل في تزيين وتجميل العيون وكذلك لما له من أهمية طبية، وكذلك استخدمه الرجال الذين يشكون من بعض الأعراض المرضية في عيونهم، ويزيلونه عند شفاء عيونهم، كما يتم تكحيل الطفل حديث الولادة وحتى عمر أربعين يوماً، ويمكن استخدامه عند حدوث نزيف في منطقة الحبل السري عند الأطفال حديثي الولادة، فإننا نقوم بوضع قليل من الكحل وضغطه قليلاً فيوقف خروج الدم، ومازال قسم كبير من أهالي "دير الزور" يستخدمونه وخاصة في الأرياف والبادية، وقيل في الكحل بعض الأغاني الفراتية منها:

المكحلة القماشية والنحاسية

"يابنية علي اردونج تايريدونج/ وحطي الكحل بعيونج هالغمازات".

وكذلك ردد أهل بادية "دير الزور" في أعراسهم بعض الأغاني منها:

"ذبحتيني يادمعونة ياسودة/ ياعينج ماتحب إلا الكحل سودة/ يالي عندك من الغنم ميتين سودة/ كل ما اناديك ترد عليه"».

** الكحل العربي.. وصحة العين

ولطب العيون رأي مهم في هذا الموضوع حدثنا عنه الدكتور "علي حسين" اختصاصي الجراحة العينية، حيث قال: «كان العرب يطلقون على هذا الفرع من الطب اسم الكحالة، ويطلقون على العاملين به من الأطباء اسم الكحالين، أما بالنسبة لكحل "الإثمد" فله أهمية بالغة في تقوية أبصال شعر أهداب العيون، ويصفي النظر، أي يمنع الغشاوة التي تعيق النظر في بعض الأحيان، ويمنع الحساسية الناتجة عن انتشار الغبار ويخفف الإصابة بالرمد الربيعي، ويمنع التهاب الأجفان، وكذلك يزيل تقرحاتها ويمنعها، ويزيل اللحم الزائد في القروح وينقي أوساخها، ويجب الانتباه إلى مستحضرات التجميل والتي تكون مستوردة من الخارج أو من الصناعة المحلية وتكون منتهية الصلاحية، والتي تستخدم لتجميل العيون، لأن العيون من أكثر الأعضاء حساسية للمواد غير الآمنة، كما أن هناك عبوات تحمل اسم الكحل، ولكنها مواد صباغية تشبه الكحل في اللون ولكنها تختلف عنه في تركيبها».

** يجلو البصر.. وينبت الشعر

يقول الشيخ "عبد الرحمن العلي"، إمام وخطيب مسجد "أم المؤمنين"، حيث بدأ حديثه معنا: «للكحل أهمية بالغة بالنسبة لصحة العيون وتقوية الإبصار، وتنظيفها وجلائها، وجمع الأوساخ التي تقع في العين وطردها خارجاً إلى أطراف العين، وكذلك هو من الزينة ونبينا الكريم أوصى باستخدامه، حيث ورد في سنن ابن ماجه عن سالم عن أبيه يرفعه‏، "‏عليكم بالإثمد، فإنه يجلو البصر، وينبت الشعر‏"،‏‏ كما ورد في كتاب أبي نعيم‏،‏ ‏"‏فإنه منبتة للشعر، مذهبة للقذى، مصفاة للبصر‏".‏ وكذلك ورد في سنن ابن ماجه أيضاً‏،‏ عن ابن عباس رضي الله عنهما، يرفعه‏،‏ ‏"‏خير أكحالكم الإثمد، يجلو البصر، وينبت الشعر‏"‏‏».