تحتفل الكنيسة المسيحية في الرابع عشر من شهر أيلول من كل عام بعيد ارتفاع الصليب المقدس، وذلك بإشعال النار على قمم الجبال أو أسطح الكنائس والمنازل أو في الساحات العامة. ولإلقاء الضوء على معنى هذا الحدث وتفاصيله كان لموقع eHasakeh لقاء مع الأب الكاهن "افريم جلو" الذي حدثنا بالقول:

«بعد صلب المسيح وقيامته قام البعض من اليهود المتعصبين بردم قبر المخلص ودفن الصليب المقدس وصليبَي اللصَّين الآخرين اللذين كانا معه، لإخفاء معالم صليب السيد المسيح، نظرا للمعجزات التي كانت تحدث هناك وبجوار القبر المقدس. فاختفى أثر الصليب منذ ذاك الوقت ولمدة تناهز ثلاثة قرون من الزمان.

في السويد نفتقد مثل هذه الاحتفالات بضخامتها والمشاركة الكبيرة فيها من قبل أهل المدينة فيها، ويقتصر الأمر على بعض الاحتفالات الصغيرة التي لا تحمل نفس البهجة والروح الموجودة في احتفالات "المالكية"

وفي مطلع القرن الرابع الميلادي أراد قسطنطين الكبير أنْ يأخذ روما ويُصبح إمبراطور الغرب. شنَّ سنة 312 معركة ضد عدوه ماكسينـتيوس Maxentius على مشارف المدينة بالقرب من نهر التايبر، وفي الليلة التي سبقت المعركة ظهر الصليب في السماء محاطاً بهذه الكلمات بأحرف بارزة من نور: "بهذه العلامة تغلب"».

الفوج الكشفي

ويضيف الأب "جلو": «كانت أم قسطنطين الملكة "هيلانة" مسيحية، لذا كان لدى قسطنطين معرفة مسبقة ومودَّة تجاه المسيحية، لكنَّه نفسه لم يكن مسيحياً آنذاك. فجعل راية الصليب تخفق على كل راية وعَلَم، وخاض المعركة وانتصر على عدوِّه. ولما أصبح قسطنطين إمبراطوراً على أوروبا بأكملها، شرقاً وغرباً في 315-324، بعدها نذرت أمّه القديسة "هيلانة" أنْ تذهب إلى أورشليم لنوال بركة الأراضي المقدسة، بالقرب من جبل الجلجلة. فأمرت بتنقيب المكان، وتم العثور على 3 صلبان خشبية، ولما لم يستطيعوا تمييز صليب المخلص، اقترح القديس كيرلِّس بطريرك أورشليم بأنْ يختبروا فاعلية الصليب، ولأجل ذلك أحضروا ميتاً ووضَعوا عليه أحد الصلبان فلم يحدث شيء، وضعوا الثاني ولم يحدث شيء أيضا، وعندما وضعوا الصليب الأخير قام الميت ومجَّد اللـه، وبذلك توصَّلوا إلى معرفة الصليب الحقيقي للسيد المسيح.

وذكرت ايجيرية الراهبة الإفرنجية في أخبار رحلاتها إلى فلسطين بأن تذكار اكتشاف الصليب تعلق بعيد التكريس، وبأن العيد كان لمدة 7 أيام يجري خلالها تقديم الصليب المقدس لتسجد الناس له إكراماً وتشفعاً، ومن التقليد الكنسي عيّن تاريخ هذا العيد في 14 أيلول من كل عام وذلك منذ القرن السادس الميلادي».

الكهنة اثناء الصلاة

وحول مغزى إشعال النار في هذا العيد يقول الأب "جلو": «أما قصة شعلة النار التي نوقدها في عيد الصليب على قمم الجبال أو أسطح الكنائس والمنازل أو في الساحات العامة، فأصلها أنْ كانت فِرقُ الجنود المكلفة بالبحث عن الصليب قد اتفقت على إشارة إضرام النار في حال وَجَدَت إحداها عود الصليب، وهكذا أضاءت المدينة كلها بوميض الشعلات ساعة إيجادها لعود الصليب، وكان ذلك اليوم هو الرابع عشر من أيلول، ولهذا السبب فإننا نحتفل بعيد الصليب بنفس هذا اليوم. كما أمر الملك قسطنطين ببناء كنيسة في نفس موضع الصليب على جبل الجلجلة، وسميت بكنيسة القيامة، (وتسمى باللغات الغربية باسم كنيسة القبر ايضاً) وهي لا تزال موجودة إلى يومنا هذا. (وقد عمل احتفال التدشين لمدة يومين متتاليين في 13 و14 أيلول سنة 335 في نفس أيام اكتشاف الصليب). هكذا صار إيقاد شعلة النار تقليداً للاحتفال بعيد الصليب لدى المسيحيين في كل مكان وزمان».

وفيما يتعلق بطقوس الاحتفال في "المالكية" يقول: «جرى تقليد منذ عشرات السنوات في المالكية أن يُحتفل بعيد الصليب ليلة العيد، أي مساء يوم 13/أيلول، فيترأس الآباء الكهنة صلاة الرمش، حيث يرتّل الشمامسة تراتيل عيد الصليب باللحن الثامن، ولهذه التراتيل الشجية نكهة مميزة، خاصةً الستّار الصغير والكبير، وبعد صلاة الرمش يخرج نيافته الآباء الكهنة إلى خارج الكنيسة وبحضور مئات من المؤمنين يوقد شعلة الصليب أمام صليب خشبي كبير على وقع الأنغام السريانية التي يعزفها الفوج الكشفي السرياني وسط زغاريد النساء والتصفيق، ومن ثم وبعد أن تخمد النار قليلا يبدأ الشباب بالقفز فوق النار، ومن ثم يقام حفل موسيقي في ساحة المدينة».

النار مشتعلة

ويستطرد قائلا حول العبر الروحية والحياتية لهذا العيد: «الحيات النارية التي كانت تلسع في البرية الشعب اليهودي الذي عصى الله بعصيانه أوامر موسى، فرفع موسى حية نحاسية في البرية وكل لديغ كان ينظر إليها يشفى من اللدغة ولا يموت، وقد أشار السيد المسيح إلى ذلك بقوله: "كما رفع موسى الحية في البرية كذلك يجب أن يرفع ابن الإنسان، لتكون به الحياة الأبدية لكل من يؤمن".

إن يسوع المسيح اختار الصليب الذي كان يعتبر أداة خزي وعار وعقاب للصوص والمجرمين، وحوله بذلك إلى أداة فخر وعز وخلاص للبشرية: "وإنا إذا ارتفعت عن الأرض جذبت إليَّ الناس أجمعين"، وأكد أن قوة الحديد والسلاح محدودة لا تحقق نصراً بل تزرع دماء ودماراً، وأن الغلبة هي لقوة الحقيقة والمحبة والعدالة».

"ميلاد لحدو" قائد الفوج الكشفي الرابع للسريان الأرثوذكس حدثنا عن نشاط الفوج في هذه المناسبة السنوية بالقول: «يقوم الفوج الكشفي كعادته في كل المناسبات الدينية والوطنية بعزف الأناشيد المختلفة على الآلات النحاسية، كما نقوم بهذه المناسبة بالطواف في شوارع المدينة الرئيسية، والحقيقة أن يوم الاحتفال بعيد الصليب يعتبر كرنفالا يشارك فيه أبناء "المالكية" بفرح وبهجة، وكثيرا ما يأتي المغتربون خصيصا لحضوره».

السيد "نبيل افريم" القادم من السويد يعلق على المناسبة قائلا: «في السويد نفتقد مثل هذه الاحتفالات بضخامتها والمشاركة الكبيرة فيها من قبل أهل المدينة فيها، ويقتصر الأمر على بعض الاحتفالات الصغيرة التي لا تحمل نفس البهجة والروح الموجودة في احتفالات "المالكية"».