يعتمد الأهل في تربية أطفالهم على طرق متنوعة تختلف حسب الخلفية الثقافية أو الاجتماعية، إلا أن بعض العادات التي دخلت إلى التربية، نتيجة تطور العصر، أصبحت في أغلب الأوقات مشكلات يعاني منها الوالدين والطفل على حد سواء، وأوسعها انتشاراً سهر الأطفال لساعات متأخرة.

ولمعرفة الأسباب والنتائج المتعلقة بالموضوع eHoms التقى عدداً من المعنيين في هذا المجال وأولهم الدكتورة "رانيا هلال" رئيسة قسم الإرشاد النفسي في كلية التربية "بجامعة البعث"، التي قالت: «يرجع السبب الرئيسي لسهر الطفل إلى تعويد الأهل للطفل، أي السياسة التربوية المتبعة في المنزل، وأساليب المحافظة على مواعيد معينة ومنتظمة للنوم والاستيقاظ، فبعض الأهل يسمحون للأطفال بالسهر عن عمد، كي لا يستيقظوا باكراً، خاصة في الأعمار المبكرة، وبذلك تنقلب الساعة البيولوجية للطفل، وهي المسؤولة عن تنظيم النوم والاستيقاظ، وتكون مضطربة جداً عند الرضع حديثي الولادة، وقد يستمر هذا الأمر في المراحل العمرية اللاحقة، وذلك يرجع لاعتبار النوم مضيعة للوقت لدى الطفل لكون حب الاستطلاع لديه كبيراً، ولا يمكنه النوم إلا بعد أن يكون قد أنهك تماماً واستنفد طاقته كلها خلال النهار».

مع تنظيم الوقت، فإن الغذاء يلعب دوره أيضاً في زيادة تنبيه الطفل وتحفيزه على السهر

تعتبر فترة النوم أهمّ الفترات في حياة الطفل، حيث ينمو بشكل أكبر في الليل، وعمليات المعالجة العقلية والذاكرة تنمو أثناء النوم أيضاً، وعن هذا الموضوع تضيف الدكتورة "هلال":

الدكتورة "رانيا هلال"

«يُنصح الأهل دوماً بأن يحرضوا أطفالهم على النوم باكراً ولاسيما في الأعمار الأولى، باعتبارها مرحلة تشكل ونمو لوظائفهم الأساسية، من ذاكرة وتعلم ومعالجة للمعلومات، خاصّة أثناء أوقات الامتحانات، إضافةً إلى أنّ السهر يؤثر على الحالة النفسية للطفل، فيغدو متوتراً وقلقاً، وتزداد لديه الحدّة العصبية والعدوان».

ترى الدكتورة "رانيا" أن التطور الكبير في التكنولوجيا كألعاب الكمبيوتر والتلفزيون ساهم بشكل كبير في زيادة السهر، وتنبيه الجملة العصبية والحواس، وهذا ما أكده أيضاً طبيب الأطفال الدكتور "الياس عربش" بقوله: «الكمبيوتر والتلفزيون وغيرها من وسائل الترفيه والإلهاء أصبحت المحرض الأول للطفل لكيلا ينام، إضافة إلى أن الأهل أنفسهم أصبحوا محرّضاً للطفل كي يسهر، لكونهم يبقون الأضواء لأوقات متأخرة من الليل، ويتسببون بكثير من الضوضاء حول الطفل، وهذا ليس مرتبطاً بالأرق أو القلق، وإنما بمحبة السهر عندما تنقلب الساعة البيولوجية التي تهيء الإنسان للنوم ليلاً والاستيقاظ نهاراً، فعندما يسهر الطفل ويستيقظ باكراً للذهاب إلى المدرسة ويعود في وقت الظهيرة ليشعر بالنعاس الشديد الذي يشبعه بالنوم والاستيقاظ في ساعات المساء، فإن ذلك يشعره بعدم النعاس ومواصلة الاستيقاظ، وهذا يدخله في حلقة مفرغة».

طبيب الأطفال "الياس عربش"

يرجح الطبيب "عربش" أن الأهل هم المسؤولون عن سهر الطفل منذ البداية، وبالأخص عندما يكون الطفل رضيعاً ويستيقظ لأسباب معينة، منها عدم الإشباع أو الشعور بألم بسيط في البطن وغيرها، وتحفيز الأم للطفل باستمرار جراء إرضاعه.

«مع تنظيم الوقت، فإن الغذاء يلعب دوره أيضاً في زيادة تنبيه الطفل وتحفيزه على السهر». كما تقول اختصاصية التغذية السيدة "ابتسام شبيب"، وتضيف:

السيدة "مها عصفورة" مع ابنتها "ميريم"

«لنوعية الأطعمة أثر كبير على نظام الطفل، خاصّة أن معظم الأغذية الآن تحتوي على مواد حافظة، وهي مواد كيماوية تؤثر على الجسم والطبيعة الجسدية والنفسية للطفل، إضافةً إلى أن الأمهات الآن يفضلن للأسف شراء الأغذية الجاهزة والسريعة وما تتضمنه من"الشيبس" و"الشوكولا" لأطفالهن، عوضاً عن الاعتناء بالطعام الصحي المطبوخ في المنزل والمتنوع، الذي يحوي عناصر متكاملة من الخضار والفواكه والبروتين والأملاح المعدنية التي تعيد لجسم الطفل تنظيمه الأساسي الذي نشأ عليه».

تعني صحة الطفل أهمية كبرى لكلّ الأمهات اللواتي يبذلن جهدهن لتحقيق ذلك، ومنها تنظيم نوم الطفل، هذا ما أكدته السيدة "مها عصفورة" بالقول:

«وجدت بعض الصعوبة في تنظيم النوم لدى أطفالي، ولاسيما في أعمارهم الصغيرة عندما كانوا رضعاً، وبالأخص ابني الأول حيث إن فترة نومه تراوح بين عشر دقائق وخمس عشرة دقيقة، ليصحو بعدها مدّة مماثلة من الوقت، وربما كان ذلك عائداً لعدم إحساسه بالشبع، فحاولت تدعيم غذائه بالأطعمة الصحية ليستطيع النوم بشكل منظم، واستمر حتى دخوله إلى الروضة، لهذا أعتقد أن الأم هي أكثر الأشخاص تستطيع السيطرة على نظام الطفل ونومه بالتحديد، كتقديم الأغذية الملائمة، والابتعاد عن النوم أثناء النهار، وعدم التعرض للتلفزيون والكمبيوتر مدّة طويلة، إضافةً إلى استخدام الاستحمام وسيلة لإراحة الطفل من التشنج وإرخاء العضلات والمساعدة على النوم».

تبتعد السيدة "مها" عن استخدام أية أدوية منومة لأطفالها، لأنها تعتبرها مضرة وذات تأثير سلبي وهذا ما أكده الطبيب "عربش" بقوله:

«هناك نوعان من الأدوية أو أكثر تستخدمها بعض الأمهات للأسف لتنويم أطفالهن، ودون وصفة طبيب، لأن أطباء الأطفال يمتنعون عن وصف مثل تلك الأدوية، لكونها ضارة بالجسم، إلا إذا كانت الحالة اضطرارية جداً وتستدعي استخدام نسبة قليلة عندما يعاني الطفل من التوتر الشديد، أما الأعشاب الطبيعية التي تساعد على النوم، فأكثرها شهرة "اليانسون"، ولكن استخدامه بكثرة وبتكرار يسبب نوعاً من الإدمان، فينصح باستخدامه بطريقة معتدلة، وإذا أرادت الأم تهدئة طفلها فيمكنها إطعامه اللبن والحليب الدافئ وشراب الفواكه، أي الغذاء الطبيعي».