الحفر على الخشب مهنة قديمة اشتهر بها العرب بشكل خاص ومن هنا أخذت طابعها الشرقي وعلى الرغم من تراجع المهن اليدوية إلا أن هذه المهنة ما زالت محافظة على مكانتها وحضورها لدى شريحة واسعة من الناس لما لها من جمالية خاصة تطل بها على أثاث المنزل وديكوره.

وللتعرف أكثر على هذه المهنة قام موقع eHoms بزيارة الحفار اليدوي "بشير عاصي" في ورشته الصغيرة بالقرب من ساحة "الحاج عاطف" الذي حدثنا عن بداياته فيها قائلاً:

إنها باتت تسهل عمل الحفار لما تختصره من وقت وجهد، مبيناً أنه حالياً أصبح من الممكن استخدام الآلة لحفر جميع أنواع الخشب

«بدأت بالعمل في هذه المهنة منذ ما يقارب /35/ عاماً وذلك بسبب رغبتي في تعلمها وميولي إلى الرسم والنحت اللذان ساعداني كثيراً على إتقانها، وهي مهنة لم تكن موجودة لدينا في العائلة لذلك واجهت بعض الصعوبات في تعلمها فالحفر على الخشب عمل فني يعتمد على الرسم كالزخرفة بجميع أنواعها وهو أيضاً قريب من النحت ولكنه يعتمد على الخشب حصراً».

واجهة سرير محفور يدوياً

وعن أنواع الخشب الذي يلائم هذه المهنة يقول "عاصي": «أفضل أنواع الخشب التي تستخدم لهذه الغاية خشب "السنديان" و"الجوز" و"الميغانو" و"الميراني" و"السوّيد" و"الكلير" إلا أن خشب "السنديان" يتربع على المرتبة الأولى في هذه الحرفة لما يتسم به من صلابة ومتانة، ومعظم هذه الأخشاب مستوردة كخشب "الكلير" مثلاً يستورد من "كندا" أما بالنسبة لخشب "الزان" فهو يستخدم فقط لغرف النوم كونه قابل للفتل ولا يأتي بأعراض تساعد لشغل الأبواب إضافة إلى تأثره بالهواء».

وعن الأشغال التي يستخدم فيها الحفر على الخشب يخبرنا "عاصي" بأنها متعددة فهي تشمل مدافئ الحطب "الشيمونيه" و"الدرابزون" وكل ما يتعلق بأعمال الديكور، ولكن أكثر استخدامها يصب في زخرفة غرف النوم والأبواب وبعض الديكورات التي يدخل فيها الخشب كعنصر جمالي متميز.

الحفر اليدوي مهارة وتميز

وحول صعوبة هذه المهنة يقول "عاصي": «الحفر على الخشب كمهنة تتسم بالصعوبة وهي تتطلب مهارة وهواية، فهي تحتاج إلى نظرة فنية وخبرة في الرسم ومعرفة بالنحت ودقة عالية في التعامل مع الخشب، فأي خطأ بسيط يعرض القطعة للاستبدال، أما أدوات الحفر المستخدمة لهذه الحرفة فهي بسيطة وبدائية تتكون من مجموعة من الأزاميل المختلفة المقاسات والفتحات والتي تساعد على التحكم بالعرق المراد حفره».

وعن طريقة الحفر على الخشب يخبرنا "عاصي" بأنها تتلخص بعدة خطوات

الحفار "جودت حلبية"

«نبدأ أولاً برسم الشكل الذي نريد حفره وذلك على قطعة من الكرتون ثم أرسل الرسمة إلى النجار حيث يقوم بالتفريغ والتخريق حسب سماكة القطعة، ومن ثم تعود القطعة إلي بنفس الطبعة التي رسمتها وهنا أقوم بدق العروق وتكسيمها قبل أن تعطى الشكل الفني، ومن ثم أقوم بتحميل كل عرق على حدة ليأخذ نفس الصورة التي تناسب طلب الزبون، وبعد أن تنتهي عملية الحفر تصبح القطعة جاهزة لعملية البرداغ والبخ والمكياج».

وأضاف: «تقاس جودة القطعة بحسب خبرة الحفار فالقطعة المشغولة ببراعة وإتقان تنم عن خبرة الحفار الذي قام بشغلها، وتحتاج هذه المهنة إلى وقت وجهد كبيرين فحفر باب خشب كبير ومن الوجهين يحتاج لأشهر كي يجهز وهي مدة زمنية كبيرة تعطي للقطعة قيمة فنية ومادية عالية».

وهناك بعض النواحي التي أثرت على هذه الصناعة اليدوية العريقة فيرى "عاصي" بأن مكنات الحفر الحديثة التي انتشرت في السنوات العشر الأخيرة، مع أنها سهلت على الحفار عمله ووفرت في الوقت الخاص بالإنجاز إلا أنها لا تتسم بالدقة المطلوبة فبعد الانتهاء من عمل الآلة يتوجب على الحفار القيام بالعديد من عمليات التعديل والتدقيق لتنال القطعة شكلها المطلوب، وحديثاً بات العديد من الحفارين يستخدمون النوع الأسهل من الأخشاب للحفر وهو "MDF" والذي أدى إلى زيادة عدد الحفارين، وزيادة الطلب عليها في الأسواق إلا أنها لا تتمتع بالجودة المطلوبة فكما هو معروف للجميع هذا النوع من الأخشاب أكثر عرضة للتلف لرداءة نوعه، وطراوته الكبيرة، التي تساعد في الحفر ولكنها تقصّر من عمر القطعة ومن هنا تصبح العلاقة عكسية بين عدد من يحفر على الخشب الأصلي وبين من يحفر على " MDF "، فحفاري الأخشاب قلائل جداً وفي مدينة "حمص" مثلاً لا يوجد أكثر من عشرة حفارين يعملون على الخشب بينما هناك أعداد كبيرة تعمل على " MDF"، وبرأيي هذا هو السبب في الحفاظ على المهنة من منافسة الأنواع الأخرى فالقطع المحفورة بالخشب بقيت محافظة على مكانتها واحترامها بين الناس على الرغم من ارتفاع ثمنها إلا أنها تلغي هذا الجانب لما لها من جمالية راقية وقوة في تحمل الرطوبة والتحريك داخل المنزل على خلاف " MDF"».

وفيما يتعلق بالحفر الآلي قمنا بلقاء الحفار "جودت حلبية" الذي قال: «بدأت بالحفر على الخشب منذ عام /1952/ وكان وقتها العمل يدوياً ومع تطور أدوات الحفر ودخول الآلة إلى ميدان العمل بدأت باستخدام آلة الحفر المسماة "فريزة" وهي آلة مجهزة للحفر العربي والموبيليا والمطابخ وبالتالي تجمع بين مختلف أنواع الحفر».

وعن طريقة عمل هذه الآلة يخبرنا "حلبية"قائلاً: «نقوم بتحضير ريشة بولاد فتح حسب الطلب وهي تأتي بمقاسات مختلفة تتراوح بين /2سم إلى 20 سم/، وبعد تركيب الريشة على عمود الفريزة تدور بسرعة /9000/ دورة في الدقيقة وهي سرعة دوران عالية تسهل عملية الحفر، ونقوم بوضع قطعة الخشب المراد حفرها أسفل الريشة حيث تبدأ الريشة بإعطائها الشكل المعكوس للرسمة والتي نريدها نحن أن تظهر بشكلها المطلوب».

أما عن ميزة استخدام الآلة في الحفر يقول "حلبية": «إنها باتت تسهل عمل الحفار لما تختصره من وقت وجهد، مبيناً أنه حالياً أصبح من الممكن استخدام الآلة لحفر جميع أنواع الخشب».