"العود" آلة شرقية مكانتها خاصة عند مستمعيها، تحافظ على الأصول وتحضر في أغلب المجالات الموسيقية، خصوصيتها تأتي من كونها تحضن كما يحضن الأبناء فأصبحت جزءاً لا يتجزأ من العازف على أوتارها، جودتها تقاس بنوعية الخشب أولاً وتنتهي بالحرفية.

فكيف تتم صناعتها وما أدواتها ووسائلها وأنواع الخشب المستخدم فيها ضمن محافظة اللاذقية؟

للعود \6\ أوتار مزدوجة وذلك لكي تعطي اهتزازاً وصوتاً أفضل بأسلوب شرقي، بينما الأوتار الفردية فهي قريبة من اللون الغربي وتتم دوزنتها بشكل مشترك وبذات الطريقة. كما أن الأوتار نوعان الأول مصنع من الحرير والنحاس والثاني من النايلون وهي تأتي جاهزة وتصنع باستخدام الآلات بخلاف الماضي عندما كانت تصنع الأوتار من أمعاء الحيوانات

"eSyria" بحث كيفية صناعة العود مع عدد من الصناع وعدد من العازفين، وخاصة أن صناعة العود تؤثر على هوية الأصوات الصادرة عنه، وبدأ مع الفنان "سامر أحمد" الذي اشتهر بعزفه إلى جانب الغناء، ويقول "سامر": «العود هو الآلة الشرقية الراقية التي تمتلك أفقا واسعا في تقديم الأنماط الموسيقية بصوت شرقي، وهو يعطي العازف هامشا كبيرا من الحرية والتناغم مع صوت المطرب ويرفع من درجة تركيزه ودرجة انسجامه وخصوصا إذا كان عازف العود ذاته هو من يغني.

عماد سمرة يقوم بتركيب لوحة المفاتيح

كل عازف له خصوصية بالعزف ومع ذلك فنحن جميعا استفدنا من كل المدارس في صناعة العود وإن كنا ملنا قليلا نحو المدرستين العراقية والتركية إضافة إلى شيوع العود الحديث صاحب الفرس المتحرك الذي يقدم اللونين الشرقي والغربي وهو أشبه بما يقدمه الفنان نصير شمة».

أما السيد "عماد سمرة" أحد أهم صناع "العود" في محافظة اللاذقية، فقد تحدث عن خطوات صناعة "آلة العود" بالقول: «العود آلة شرقية أخذت في القديم شكلاً طولياً وهي مازالت صناعة يدوية بالنسبة لنا سواء بأدواتها أو موادها الخام، فهي تعتمد عدة أنواع من الخشب الذي تميز بالمرونة وإطاعة من يتعامل معه ويتقدم هذه الأنواع: خشب الجوز، والورد، هذا الخشب تقاس أهميته وجودته من خلال عمره فكلما عتق هذا الخشب يخف وزنه وتتلاشى الرطوبة منه إلى حد ما، أما خشبة "صدر العود" فهي تصنع من أخشاب شجر "الشوح أو السدر" نظراً للشكل الجميل الذي تتمع به هاتان الشجرتان، أما لوحة المفاتيح فهي تصنع من خشب الأبنوس.

العدة المستخدمة في صناعة العود

في بداية تركيب أدوات العود يتم استحضار الخشب- الذي يكون جاهزا- وتقطيعه كشرائح بشكل طولي ويتم رشها بالماء لكي يسهل طيها وكيها ومن ثم يتم تثبيتها على قالب العود وهو قالب مصنع منذ زمن وهو يأخذ شكل "الطاسة"، بعد ذلك يتم تثبيت شرحات الخشب تباعاً ولصقها مع بعضها بحرفية حتى تغطي القالب وتأخذ شكلها دون فراغات أو ثقوب ويستخدم الغراء الحيواني في ذلك، في هذا الوقت تكون سماكة شرائح الخشب حوالي \4\مم يتم تجفيفها وقشطها لتصبح \2\مم. والطول \50\ سم وعرضها \36\ سم أما العمق فهو مرتبط بطبيعة الصوت المرغوب به وقد يكون \11\ أو \12\ أو \13\سم وهذه الأبعاد ليست ثابتة».

ويضيف "سمرة": «بعد ما سبق ننتقل إلى الصدر الذي يعتبر مركز اهتزاز الصوت فيتم تركيبه بالأبعاد والمقاييس الصحيحة ومن ثم يتم تصميم الدوائر والفراغات فيه والتي تسمى صندوق السماعات، ثم يتم تركيب "الزند" مع أخذ العلم أنه يجب أن يكون طوله يشكل ثلث طول العود بالكامل باحتساب الفتحة الدائرية وهذا يدخل بعلم الصوت والفيزياء.

سامر أحمد ينغم على أوتار العود

بالوصول إلى هذه المرحلة يأتي دور لوحة المفاتيح وهي وسيلة تعيير الأوتار وقد كانت تصنع من خشب "الأبنوس" أغلب الأحيان إضافةً إلى خشب "المشمش والجوز" لكن حالياً أصبحنا نعتمد على مفاتيح معدنية تأتي جاهزة».

أما أوتار العود التي كانت محور حديثنا مع "سمرة" فهي "ستة" أوتار مزدوجة وعن سبب ذلك يقول "سمرة": «للعود \6\ أوتار مزدوجة وذلك لكي تعطي اهتزازاً وصوتاً أفضل بأسلوب شرقي، بينما الأوتار الفردية فهي قريبة من اللون الغربي وتتم دوزنتها بشكل مشترك وبذات الطريقة.

كما أن الأوتار نوعان الأول مصنع من الحرير والنحاس والثاني من النايلون وهي تأتي جاهزة وتصنع باستخدام الآلات بخلاف الماضي عندما كانت تصنع الأوتار من أمعاء الحيوانات».

صانع العود المتقاعد السيد "حمزة إبراهيم داوود" أكمل لنا ما بدأه زميله حول صناعة العود وقال: «أشجار الشوح تستخدم في صناعة الصدر نظرا لخفة وزنها وقدرتها على امتصاص الصوت من الوتر، لكن في الماضي لم يكن الصدر يصنع من الخشب بل من جلد الماعز وهو ذاته كان يستخدم في صناعة الدربكة القديمة.

أما المفاتيح فهي تصنع بواسطة مخرطة خاصة وتأتينا جاهزة فهناك أشخاص متخصصون في صناعتها.

العود الجيد يقاس بنوعية الخشب وكلما كانت خطوط الخشب ناعمة قريبة من بعضها يكون الصوت أجمل أما إذا كانت الخطوط متباعدة فيكون الصوت رديئاً وهذا مرتبط بعلم الفيزياء، لكن في هذه الأيام جرى بعض التغييرات على تصميم العود أهمها أنه بدل أن تكون منطقة الفرس في وسط العود هي مربط الأوتار؛ أصبحت نهاية العود من جهة الطاسة هي مربط الأوتار أي أصبح الشد خلفياً وهذا التعديل رائج في منطقتنا كثيرا.

ولكي نكون دقيقين لا يوجد مقاييس ثابتة في صناعة العود والمقاييس مرتبطة بالصانع وأدواته المستخدمة وهناك الكثير من المدارس في هذه الصناعة لكن كلها تحافظ على شرقية العود رغم التعديلات التي أضيفت عليه».

الموزاييك أو ما هو معروف بتزيين العود موضوع حدثنا عنه الفنان الشعبي "فواز محفوض" وقال: «حتى فترة قريبة كانت الأعواد تزين كثيرا بالخشب أو الورد أو الصدف على شكل مربعات أو مثلثات أو دوائر وأشكال أخرى عديدة ويتم تلوين الخشب بعدة ألوان أكثرها شيوعا "الأزرق والأصفر" وهي تلون بريشة صغيرة كل ضلع وحده حتى إن البعض يظن أن هذا اللون من أصل العود.

وهناك من لا يلون خشب الليمون ويستعيض عن ذلك بحفر أشكال هندسية على صدر العود، أما طاسة العود فهناك من يلبسها بالصدف ويدخل معه قشر خشب الليمون.

لكن حاليا تم الاستغناء عن الزينة لأنها أثبتت سوءها وضررها للعود لأنها تزيد من وزنه في وقت كلما زادت خفة العود زادت جودته وقوة أدائه، والعود كلما تمت العناية به زادت صلاحيته لكن يجب ألا يبقى العود فترة طويلة دون استخدام لأن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى تراجع أدائه بينما كلما استخدم أكثر يطيب صوته وتتفتح مسامات الخشب فيجوهر الصوت، وإذا كان الخشب جيدا وأحسن استخدامه فإنه يعيش ما يزيد على \50\ عاما».

العازف الشاب "ضرار عبد الحميد" يشير إلى تراجع صناعة العود في الساحل السوري ويقول: «تراجعت صناعة العود في منطقتنا لحساب (السلمية وحلب) وأصبحت الأعواد الموجودة في منطقتنا بأغلبيتها مصنعة في هاتين المنطقتين باستثناء القلة القليلة التي مازالت تصنع في محافظتنا، مع الإشارة إلى أن أغلب صناع العود في محافظتنا هم من محبي الصناعة الذين دخلوها حباً بها وأصبحت بالنسبة لهم مزاجا أكثر مما هي مهنة للمعيشة أو للربح والخسارة وهي بالأصل ليست من المهن الربحية».

بقي أن نذكر ببعض أدوات صناعة العود كما عدها لنا من التقيناهم وهي: المبرد، المثاقب اليدوية، الرابور الذي يمسح به الخشب، المنشار اليدوي، الغراء الحيواني، قالب العود، وغيرها العديد من العدّة الصناعية (عدة نجار كاملة).