«بعد هطول أول أمطار الشتاء، يبادر الفلاحون إلى حقولهم لحراثة أراضيهم، أو ما يسمونه التشرنة».

الكلام للسيد "نور الدين حمود" في حديث لموقع eQunaytra (يوم الجمعة 26/12/2008) والذي أضاف: «تعتبر أول مطرة تغيث بها السماء نبات الأرض وترابها، بمثابة إعلان من الطبيعة إلى جميع الفلاحين، ليعودوا إلى حقولهم وأراضيهم الزراعية لحراثتها، وزراعتها ببعض أنواع الحبوب مثل القمح أو العدس أو الفول وسواهما، من المحاصيل الشتوية التي يعتمد عليها الفلاح في حياته. والبدء في فلاحة الأرض والتي تعرف "بالتشرنة"، أي فلاحة الأرض في فصول تشرين أول وتشرين الثاني والتي تستمر لغاية كانون الأول، وذلك بحسب أوقات نزول الأمطار. ولحراثة الشتاء أكثر من غاية وهدف، أهمها أنها تسمح للأمطار بالتغلغل إلى أعمق نقطة في الأرض، إضافة إلى تهوية التربة، بعد فترة من الصيفية وتعرض الأرض للكثير من الأعمال الزراعية، التي تجعل من الأرض قاسية وصعبة، فتأتي الفلاحة الشتوية، لتعيد إلى التربة بعضاً من مرونتها وليونتها، وبالتالي تسمح لها بامتصاص أكبر كمية ممكنة من مياه الأمطار».

سقا الله أيام المحراث اليدوي، الذي كانت تجره الحيوانات، ويحتل مكاناً في زوايا منزل الفلاح

الشاب "كاظم حمود" والذي يساعد والده "نور الدين" في أعمال الحراثة الشتوية قال: «نقوم اليوم بحراثة الأرض التي من شأنها اقتلاع الأعشاب البرية إضافة إلى تنظيف الأرض من مخلفات زراعة الموسم الصيفي، من موسم البندورة والذرة الصفراء. ثم نقوم بزراعة الأرض بمحصول القمح المروي من نوع "شام 3" المعروف بمردوده الممتاز. طبعا يختلف نوع المحراث الذي يستخدم في عمليات الحراثة الشتوية للأرض، وذلك تبعا للهدف من الفلاحة. حيث نستخدم المحراث الكبير الذي نسميه "الدسّك"، وهو عبارة عن محراث يتألف من ثلاث قطع كبيرة وثقيلة، من الحديد المقوى. وهو المحراث الذي يغلب استخدامه في عملية فلاحة الأرض وزراعتها بالمحاصيل الزراعية الشتوية. والشيء الذي يجعل الفلاح يقدمّ على استخدام هذا النوع من المحراث الحديث، قدرته على التغلغل في الأرض بأعماق كبيرة تعمل على اقتلاع معظم أنواع الأعشاب البرية، إضافة إلى حراثة الأرض بشكل جيد، كما يعمل على طمر البذار من "القمح والشعير والعدس والكرسنّة" بشكل كاف، مما يعمل على تأخير إنبات البذار لوقت معين. هذا الأمر يساعد في عدم تعرض الأوراق الصغيرة لموجات البرد والجليد والصقيع، التي قد تتلف الموسم بأكمله. خصوصا أن منطقة "جبل الشيخ" معروفة ببردها وثلوجها، التي تسقط في أشهر كانون الثاني وشباط وأحيانا في شهر آذار».

نور الدين حمود

وفي جولة على أحد الحقول والبساتين المزروعة بالأشجار المثمرة مثل الزيتون والكرز والتفاح، التقى الموقع مع الشاب "طرودي صالح" والذي قال: «تعلمنا من الآباء والكبار في السن، أن فلاحة الأرض في الشتاء، أو ما يعرف "بالتشرنة"، مفيدة للأرض والشجر، لأنها تعمل على تهوية الأرض، وكذلك تعمل على تعشيب الأرض وتنظيفها من الأعشاب التي قد تنمو بعد نزول الأمطار. أقوم اليوم بحراثة الأرض المزروعة بأشجار الزيتون والكرز والمشمش بواسطة الجرار. وهنا استخدم نوعاً خاصاً من المحراث نسميه "الزراعات أو الخماش" وهو محراث لا يختلف كثيراً عن المحراث الكبير "الدسّك"، لكن "السكّك" أو القطع المعدنية التي يتألف منها الخماش، تكون أصغر من سكّك المحراث الكبير، إضافة إلى أن عددها يتراوح من ثلاث قطع وقد يصل إلى ست قطع، تبعاً لحجم وقوة الجرار الذي نستخدمه في أعمال الحراثة. الهدف من صغر حجم المحراث "الخماش"، الذي يستخدم في حراثة الأرض المزروعة بالأشجار المثمرة، عدم إحداث أية أضرار لأغصان الشجرة أو تقطيع لجذور الأشجار، والتي غالبا ما تكون بأعماق يمكن أن يصل إليها "الدسّك" الكبير، وبالتالي يمكن أن يؤدي إلى يباس الشجرة التي تتعرض لقطع جذورها أو تكسير بعض أغصانها مثل أشجار الزيتون».

السيد "فؤاد حمود" يشبّه أعمال الحراثة الشتوية بعملية تبديل الثياب للإنسان. حيث تسهم عملية الحراثة الشتوية إلى قلب التربة وتبديلها وتهويتها. عملية قلب التراب تعد من أهم الأعمال التي تنتظرها الأرض منّا، بعد الانتهاء من جني المحصول الصيفي. ويضيف: «لا بد لنا من الانتباه إلى مراعاة سلامة أغصان الأشجار، وذلك باصطحاب بعض الأولاد الذين يعملون على المشي مع المحراث وتحييد الأغصان من أمام الجرار، وهذا العمل من شأنه أن يقي الأغصان من التلف أو التكسير. كذلك لا بد من الانتباه إلى موضوع غاية في الأهمية، يكمن في اللجوء إلى تعزيل الحجارة والحصى عن ساق الشجرة، واستخدام المعول في الحفر حول جذع الشجرة. من أجل تحقيق الغاية الاساسية من عملية الحراثة الشتوية، لأنه في الغالب لا يسمح للجرار بالوصول إلى جذع وساق الشجرة. وبالتالي تبقى مسافة بين جذع الشجرة والحراثة من غير تهوية، فتأتي عملية الحفر بالمعول لتكمل الحراثة».

طرودي صالح

«سقا الله أيام المحراث اليدوي، الذي كانت تجره الحيوانات، ويحتل مكاناً في زوايا منزل الفلاح». بحسب رأي السيد "حمد صالح" وهو من كبار السن في قرية "حرفا" ويضيف: «لغاية العام الماضي كنت ما أزال استخدم المحراث اليدوي، في حراثة الأرض في الشتاء خاصة الأرض المزروعة بالأشجار المثمرة. وأنا ما زلت من مشجعي العودة إلى استخدام المحراث القديم في الحراثة، لأن فيه "بركة" وهو أخف وطأة على التربة من الجرار الحديث، إضافة إلى أن الحراثة فيه لها طعم ونكهة خاصة. اليوم أشاهد وأرى العديد من الإخوة الذين يستخدمون الجرار الحديث في أعمال الحراثة، وسرعان ما تجدهم يشتكون ويتذمرون من جفاف الأرض والتربة في منتصف الصيف، وهذا يرجع إلى الطريقة التي تتم فيها الحراثة الحديثة. في الماضي كانت تأخذ حراثة قطعة صغيرة من الأرض أياماً وأحياناً أسابيع، ومع ذلك كنّا (مبسوطين)، بالرغم من التعب الذي يلحق بنا. اليوم حراثة نفس الأرض قد لا يحتاج سوى ساعات أو بضع اليوم، هذا صحيح. ولكن الأصح أن الطريقة التي كانت تتم فيها حراثة الأرض باستخدام المحراث اليدوي، كانت تلعب دوراً مهماً في محافظة التربة على الرطوبة والمياه لفترة قد تمتد إلى أواخر الصيف. ومن هنا يلجأ الفلاح في القرية إلى سقاية الأشجار عند قدوم الصيف، لأن الأرض قد جفت وقلت نسبة الرطوبة فيها. على أيامنا لم نكن نسقي الشجر، كانت معظم الأشجار والمواسم بعلية والخير كثير. ولكن قد يعزي البعض توجه الناس إلى استخدام الآلة في وقتنا لعدة أسباب، منها عدم إمكانية الكثيرين على الفلاحة اليدوية لأنها تحتاج إلى جهد ووقت، إضافة إلى عدم قدرة الناس على اقتناء الحيوانات وإطعامها من عام إلى آخر، من أجل فلاحة عدة أيام، الأمر مكلف من الناحية المادية، ناهيك عن سرعة الحياة وتطورها، وهذه سنّة الحياة الناس في تطور مستمر وكل يوم هناك شيء جديد».

من جهته أعرب السيد "علي عثمان" أن حراثة الشتاء تعد مصدر رزق له ولعائلته في فصل الشتاء. لأنه يعمل بالأجرة في حراثة المواسم الشتوية مثل موسم الخس والبطاطا الشتوية والفول، وهو يتقاضى مبلغ 900 ليرة سورية عن كل يوم حراثة، بواسطة المحراث القديم. وهو ما زال يحافظ على اقتناء البغل والمحراث اليدوي، لأنه بحسب رأيه فيه بركة ورزق وفير.

كاظم حمود