الزواج في اللغة، اقتران أحد الشيئين بالآخر وازدواجهما بالآخر فيصيران زوجاً، وكانا قبل منفردين. وهو سنة من سنن الحياة وآية من آيات الخالق سبحانه وتعالى، حيث يقول في كتابه العزيز: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة».

وقد تنوعت مراسم الزواج وإن تشابهت في بعض الجوانب من منطقة إلى أخرى، كما تنوعت أغانيه، ومن ذلك أخذ الريف الرقي خصوصية في مراسم الزواج، ويمتاز الريف الرقي بكثرة تزاوج الأقارب، وعلى الغالب تكون العروس من انتقاء أحد الوالدين أو كليهما. ونادراً ما يكون أحد العريسين هو الذي يحدد شريك حياته، ويخضع هذا الانتقاء لشروط معينة يضعها الوالدان غالباً، يشرف بعضها أحيانـاً على الاستحالة، مما يجعل الشاب أو الفتاة عرضة لاستمرار العزوبية، أو فشل في الحياة الزوجية، إن بنيت على ذلك في أغلب الأحيان.

ونادراً ما نجد في الريف الرقي ظاهرة العنوسة، والتي كان سببها الرئيـس، تلك العادة التي ذهبت أدراج الرياح، وقد تلاشت ظاهرة العنوسة، نظراً لانتشار ظاهرة تعدد الزوجات، أما عن "الحيار"، فإنه أفني نتيجة لما وصل إليه أبناء هذه المنطقة إلى درجة عالية من الوعي، جعلت الشاب منهم تأبى نفسه التزوج بمن لا ترضى به زوجاً.

اللباس الشعبي حاضر في الأعراس الرقية.

يبدأ الزواج بالخطبة التي هي مقدمة له، ونتيجة لدراسات معينة يقوم بها أهل العريس، ثم بعد إبداء موافقة الجانبين يقومون بإرسال الجاهة، والتي تتكون عادة من أهل العريس وأقربائه، وإذا ما صادف ورفض أهل العروس دون سـبب مقنع يتدخل عندها شيخ العشيرة بشخصه بالخطبـة، ولا يكون أمامهم عندهـا إلا الموافقة.

تميل الفتاة الريفية الرقية إلى الشاب الكريم، والمقدام بآن واحد، وترفض البخيل، والجبان، وقد وصفها الشاعر بقوله:

وجه رقي

الريمة القاتلة الصبـاغ بـالنيلي لبست ثويب أحمر ما تقبل النيلي

قالت ما أريد العفن لونو يبني لي قصرين وفــوق القصر عليّـة

خبز الصاج حاضر في معظم أعراس الرقة

لا تكتمل الخطبة إلا بتسليم المهر لذوي المخطوبة، فإن تراجعت المخطوبة أو ذووها، فإن المهر يعاد كاملاً للخاطب، وإن تراجع الخاطب فإن أهلها يحسمون مبلغاً من المهر يسمى (القمعة) وهي غرامة تفرض على الخاطب لما ألحق بالمخطوبة من أذى معنوي، وهي حالة نادرة.

لا تتجاوز مرحلة الخطبة في الريف مدة خمسة عشر يوماً، ليتم الزفاف، وهي حالة ايجابية إلى حد ما. وبعد الخطبة يبدأ الطرفان بإعداد ما يعرف بـ "الزهاب"، وإقامة التعاليل والدبكات.

"الزهاب": هو لباس العروس، وأثاث بسيط لبيت الزوجية، وتعده العروس من مهرها، كما يقوم العريس بإعداد جزء منه ليشترك الاثنان في بناء بيتهما الجديد، وعلى الغالب تحضر العروس معها أدوات زينة ذهبية تتزين بها من جهة، ومن جانب آخر تلجأ إليها في حال تعرضها لفقر أو حاجة.

"التعاليل": وهي سـهرات ليلية يقوم بها عدد من مؤدي الأغنية الفراتيـة، وتكون في سـاعات متأخرة من الليل، ويمكن تقسيم أغانيهم ثلاثة أقسام، وذلك بنسبتها إلى الأدوات الموسيقية البسيطة التي يرافقهم عزفها أثناء الأداء.

أغاني الربابة: وهي العتابا والنايل والسويحلي والموليا واللكاحي، ونختار من العتابا:

يابو مبسم كما الفنجال ونشف ريجي ذبل من طرواك ونشف

أنا لأسأل طبيب الهنـد ونشف مثل علتـي ويوصف لي دوى

ومن الموليا:

لي هاج بحـر الهوى الزيـن ملاحي حتى العذيمي تباهى حين مالاح

اركض وراهن وأصيح املاح ياملاحي كلجن حوارم ترى من غيرها هيّه

ومن اللكاحي:

حس الموازر جنا من مرج ابن جنعان ياطروش قولوا لولفي العفن ولاني

أغاني الدف: وهي الموليا والتشاطيف، تفصل بينها أحيانا أغاني اليايوم، وهو من كلمات اللكاحي، ولكن بلحن مغاير يمتاز بالبطء، ولا يرافق بأي نغم موسيقي.

أغاني المزمار: وهي مزيج من الأغاني السابقة دون العتابا.

الدبكات: وهي عبارة عن رقصات هادئة ذات حركات متكررة، من ضرب الأرض بالأرجل، وتقدم خفيف إلى الأمام وتراجع إلى الخلف، وهي حركات نسبية، تختلف من لون إلى آخر من بين ألوانها الأربعة، وتختص الفتيات أحياناً بنوعي الهللي والمفتول تلك الدبكة القادمة من منطقة "حوران"، تترافق الدبكات مع عزف المزمار، وعدد المشاركين فيها غير محدد، كونها عبارة عن حلقة مفتوحة يشارك بها كلا الجنسين، وبعض المغنين، وعلى الأخص أقارب العريس وأصدقاؤه.

الحناء: وترسل مادة الحناء معجونة بأوانٍ من بيت العريس إلى العروس، مصطحبة بالأغاني والزغاريد والأهازيج التي تؤديها الفتيات.

يارايح عالدير وجف تاقول لك كثر من الحنـا لبنات عمك

وتخضب العروس شعر الرأس والكفين والقدمين بمادة الحناء، وتوزع ما زاد على ذلك لقريباتها وجاراتها.

شباب العرس: وهي تمثيلية بسيطة لا يتجاوز أبطالها خمسة مشاركين منهم من يمثل دور العروس، وآخر دور العبد، وهي ببساطة ملخص لبعض مراسم الزواج، وتقام في الليلة السابقة لحفلة الزفاف.

"الصبحة": وهي وليمة يقدمها العريس قبل قدوم عروسه، مكونة من الثريد ولحم الضأن، ويبالغ الريفيون بهذه الوليمة:

يا ذباح الصبحة اذبح عجاله عيون على العروس عيون الغزالة

الزفاف: ترتدي العروس أثناء زفافها، عباءة ومنديل أبيض، تغطي به وجهها، في حال كانت بكراً، وتجلس في بيت أبيها، ليقوم هو أو أحد أبناءه بأمرها بالذهاب إلى بيت زوجها، ثم تنتقل للبيت تعلوها الزغاريد والأغاني، وتقوم النساء بترديد "الطواح" الذي لا يردد إلا في مرحلة زفاف العروس ومن نماذجه:

جيناك أبوها بالشـهر الأول وشعلقم للخيل رز مصول

أم العريس فاضية مشغولة: ونحن بصدد الحديث عن الزواج يظهر لنا المثل الشعبي الذي يقول: (أم العريس فاضية مشغولة)، حيث تكون أم العريس أثناء عرس ولدها وجلة، تبحث عن عمل تقوم به، فلا تجد لذلك تشارك الجميع أعمالهم دون جدوى، ويمكن وصفها بأنها تعمل كذلك، ويمكن وصفها بأنها لا تعمل بآن واحد، وإن كان الزواج يدخل الفرحة في قلب الكبير والصغير من أبناء الريف الرقي، فإنه يكون أحياناً سبباً لمأساة تذهب ضحيتها أرواح بريئة ترهقها رصاصة طائشة من يد أرعن، نظراً لاصطحاب مراسمه بإطلاق أعيرة نارية على الرغم من صرامة القوانين تجاه ذلك لتفقدهـا بريقهـا وعذوبتها وعذريتها وألفتها، وتلك المسحة الإنسانية التي تملأ وجه ذلك الإنسـان الفراتي الطيب والصادق بعفويته.

ولم تكن هذه المراسم مقتصرة على أهل الريف فحسب بل إنها كانت لسكان مدينة "الرقة" أولئك الذين قطنوها قبل النصف الثاني من القرن الفائت، أما الذين جاؤوا، بعد ذلك فإنهم حملوا معهم مراسم خاصة بهم إلى حد ما، فأخذت تتحد ومراسم الريف في صالات وضعت خصيصاً لذلك، بعد أن غطت مظلة الحضارة هذه المنطقة.

* المصادر:

ـ الشعر الشعبي الرقي بين الأصالة والتقليد، تأليف محمد الموسى الحومد، قيد الطيع.

ـ شعراء الموليا في القرن العشرين، تأليف محمد الموسى الحومد، دار الغدير عام 2000

ـ قبسات من الشعر الفراتي، تأليف محمد الموسى المحمد، دار الصفدي عام 1995

  • شاعر وباحث في التراث الشعبي.