تعتبر الخيول العربية، من أهم السلالة الخيلية في العالم، بل أنها تعتبر درّة الخيول العالمية، وتعتبر منطقة الجزيرة السورية العليا من أكثر المناطق في العالم العربي شهرة في تربية الخيول العربية الأصيلة، حيث تسمى الأراضي الواقعة على يمين نهر الفرات، بعد دخوله الأراضي السورية بـ(الشامية)، أما الأراضي الواقعة على يسار النهر، فتسمى (الجزيرة) كونها محصورة بين نهري دجلة والفرات وتخترقها من الشمال إلى الجنوب مجموعة من الأنهار كلها تصب في نهر الفرات، مثل نهري "الخابور" و"جغجغ" في محافظة "الحسكة"، ونهري "البليخ" و"الجلاّب" في محافظة "الرقة".. لذلك كثرت المراعي والسهول في أرض الجزيرة، مما جعلها أرض صالحة للمراعي وتربية الخيول العربية الأصيلة.

منذ العصر الأموي كانت "الرقة" تشتهر بتربية الخيول العربية الأصيلة، حيث كَثٌرَتْ فيها حلبات سباق الخيل، مثل حلبة "الرصافة"، وربض الخيل بين "الرقة" القديمة و"الرافقة"، وفي عهد "الرشيد" اشتهرت "الرقة" كثيراً بإسطبلات الخيول، وفي أيامنا هذه هناك نادٍ كبير للفروسية، وفيه مضمار واسع لسباق الخيول العربية، وفيه إسطبل كبير فيه مجموعة من الخيول العربية الأصيلة، وتعتبر الخيول العربية الأصيلة درة الخيول العالمية، التي فخر بها العرب، وما زالوا يفتخرون بها في زمننا الحاضر، لأنها أحد الوسائل الحياتية وأقدمها في التاريخ، وتعد من أعظم الكائنات، وأكثرها جمالاّ ووسامة، والأكثر ذكاءً والأجمل منظراً وهيئةً. ويذكر المرحوم الدكتور "محمد علي سلطاني" في كتابه (الخيول العربية الأصيلة)، الصفحة /107/: «إنّ الخيول العربية الأصيلة، تعود في أصولها القديمة إلى الخيول البدائية لوسط آسيا وغربها، وقد جلبت إلى المنطقة العربية في الألف الأول ق.م، وفي زمن ما كانت بعض الفصائل (سلالات) العديدة من الخيول الصحراوية العربية تجوب بلاد العرب، وتم الحصول عليها بعدما امتلك عرب بدو الصحراء الخيول الأصيلة في القرنين الخامس والسادس الميلاديين».

.. وهكذا، قد نجد الأفراس مشتركة، كل واحدة بين مالكين أو أكثر، وقد يصل إلى نصف دزينة

كانت الجياد العربية الموجودة في سورية في القرن التاسع عشر ميلادي، ثلاثة أصناف أو أنسال، أولها الخيول العربية الأصيلة، وثانيها النسل التركماني، وثالثها نسل هو نتاج تزاوج النسلين السابقين، وكانت تمتلكها العشائر العربية القاطنة على الحدود السورية الشمالية، ويعتبر النسل العربي من أجمل وأقوى الأنسال الأخرى، وكانت منطقة الجزيرة بشكل عام ومنطقة "الرقة" بشكل خاص، تمتلك الأنسال التالية: الكحيلة والصقلاوية والسبيلي والعبية، وكل نسل من هذه الأفراس يسمى باسمها، ومن البيوتات التي كان لديها أفراس أصيلة في القرن التاسع عشر ميلادي في منطقة "الرقة" نذكر، بيت "الهويدي الشلاش"، و"الحمولة المطر"، و"راكان بن سوعان"، وغيرهم من العشائر الأخرى. ومعروفُ عند العرب أنه حين ولادة مهر من فرس أصيل، يجتمع العارفة من الحي كشهود، حيث يقومون بفحص المهر المولود، ويسجلون أوصافه مثل العلامات الجمالية الفارقة التي تبدو عليه، إضافة إلى اسمه واسم والده واسم الفرس التي ولدته ضمن سجل يسمى بـالحجّة، والعارفة من العرب، بل وما أكثرهم، في العادة لا يحتاجون لإبراز هذه الحجة، لأنهم يعرفون أصايل الخيل من النظرة الأولى. وعند البدو مثل ما عند مربي الخيل في شمال شرق سورية، يقومون بوضع شجرة نسب الفرس الأصيل في قطعة من الجلد، ثم نراهم يعلقونها في عنقها.. وفي منطقة "الرقة" قبل مئة من الآن كانت توجد ثلاثة فئات من البشر تربي وتتاجر بالخيل العربية الأصيلة وخاصة الجياد وهم: البدو يقابلهم الرعاة، وثم الزراع الذين يقطنون ضفاف نهري الفرات ورافده نهر البليخ، ففي بداية القرن التاسع عشر ميلادي يقول: "جون لويس بورك هارت" ما يلي: «يمتطي العرب الأفراس فقط ويبيعون الجياد للفلاحين، ويتراوح سعر الجواد العربي في سورية بين عشر ليرات و/120/ ليرة ذهبية»، "بورك هارت"، "لويس": (ملاحظات عن البدو)، ترجمة: "غاندي المهتار"، طبعة "بيروت" /2005/م، ص /75/. وفي تلك الفترة الزمنية، أقبل التجار على شراء الجياد العربية الأصيلة من سورية للمتاجرة بها في كل من "بغداد" و"البصرة" في العراق، لإرسالها من هناك إلى الهند من قبل الإنكليز، ويقال إنّ أحد قناصلة الدنمارك في "حلب" واسمه "ماستييك" ، قد اشترى في عام /1808/م أكثر من /20/ جواداً عربياً وأرسلها "لبونابرت". وكان عند العرب طريقة بيع محلية خاصة بهم، وقد سمعنا بها وقرأنا عنها، وسمعنا روايةٍ شفهية من معمري "الرقة" عنها هكذا: قد يكون لإعرابي أو بدوي فرس أصيلة ليس مثلها في البلاد، ويرفض بيعها لأحد، لكنه في يوم من الأيام اضطر لبيعها، ففي هذه الحالة فإنه يُبقي له جزءاً منها.. أي أنه يبيع نصفها، وهنا يتحتم على الشاري أن يبيع أول مولود لها إلى البائع حصراً الأنثى، أما إذا قام مالكها ببيع الثلث منها، فإنّ الشاري يأخذها معه إلى البيت، لكن عليه أن يعيد للبائع أنثييها المولودتين في السنتين التاليتين، أو ابنة واحدة والفرس الأم، وهذا العقد يسمى (بيع نصف أو ثلث بطن الفرس)، ويقول بورك هارت: «.. وهكذا، قد نجد الأفراس مشتركة، كل واحدة بين مالكين أو أكثر، وقد يصل إلى نصف دزينة»، المصدر السابق ص /75/.

امتلك العرب في البادية وفي الصحراء الفطنة والذكاء، وبرعوا في إطلاق الأسماء على الأشياء وعلى الكائنات بدقة متناهية، فنراهم أطلقوا على مولود الفرس الجديد إذا كانت أنثى بعد مرور عام بـ"الطريح" أو "طريح" بدون أل التعريف؛ وبعد مرور حولين على ولادتها تدعى "حولية"؛ وفي السنة الثالثة تسمى "جدع"؛ وفي السنة الرابعة من عمرها "ربعية"؛ ثم "فرس" بعد السنوات الخامسة والسادسة.. أما المهر الذكر فيدعى "الفلو"، وحين يولد "الفلو" مباشرة يلجأ صاحب الفرس إلى ربط أذنيه كي تظلا منتصبتين، كما أنه يقوم بربط ذيله إلى الأعلى. ويقوم مالك الفرس بعد الولادة، بلف جسدها بقماش ثخين في اليوم الأول فقط، ثم يُنزع عنها بعد ذلك، وتستمر طقوس البيع بين الشاري والبائع المسماة ببيع النصف أو ثلث بطن الفرس، فإن كانت الفرس التي ولدت حديثاً هي مملوكة لصاحبها بشكل جزئي، فإنه يقوم في اليوم التاسع بعد المخاض بجمع العارفة من الناس كشهود، ويقسم أمامهم معلناً نيته الصادقة في إعادة "الطريح" إلى بائع الفرس الأساسي، أو إعادتها إلى صاحبها الأصلي، وبعد القسم يكون الشاري ملزماً بتنفيذه. بعد الولادة يبقى المهر مع أمه مدة شهر كامل، ثم بعد ذلك يُفْطَمْ عن حليب أمه، لِيُطْعَمَ بعد ذلك من حليب الناقة عند البدو، وحليب الشاة عند الرعاة والزُراع (الفلاحين)، وعند البدو لا يُسمح بإطعام المهر أو الطريح مدة مئة يوم غير حليب الناقة، ومن هذه الطقوس أيضاً يُمنع منعاً باتاً إعطاؤه ماء الشرب، وبعد مرور مئة يوم يقدم "للطريح" كمية من الحبوب الممزوجة بالماء والحليب إن وجد، وبعد مرور المئة يوم الثانية من عمره، يُسمح له برعي العشب في المراعي إلى جانب الشعير الذي يُقدّم له مساءً. وحين يكبر ويصبح جواداً، يقسم صاحبه أثناء عملية البيع والشراء أنه لم يأكل شيئاً غير الحليب. وفي بلاد نجد تترك الجياد في المراعي وتشرب الكثير من الحليب، ويطعمونها أيضاً معجون التمر والماء. وفي المراعي الواسعة في منطقة "الرقة" كانت الجياد تترك في العراء الطلق، ترعى العشب في المراعي الواسعة، وتشرب الماء من الجداول والغدران، وهذا يدل على أنّ الجواد عند العرب يمتلك طباع صاحبه ويتحمل الصعاب مثله، ونادراً ما يصاب الجواد العربي بالمرض. وقبل أن يبلغ المهر العربي أشده، يبدأ صاحبه بترويضه، وبعد أن يبلغ عمره أكثر من سنتين يكون جاهزاً للطراد، وبعد ذلك لا يفارق السرج ظهره، أما بعض البيئات العربية لا تستخدم السرج، بل يكتفون بوضع فرش من جلد الخروف فوق ظهر الجياد ويسمى عندهم بـ"المضقع"، ومن عادة البدو والعرب الرعاة أنهم لا يقيدون الجواد بالرسن، بل بقضيب من الخشب الرفيع، ومن طباع الجياد العربية أنها أليفة وهادئة وصديقة راكبها، ومن أسمائها المعروفة "الأشهب" الذي يطلق على الحصان الأبيض، وعلى الرمادي "الأزرق"، وعلى الأسود "الأدهم"، والكميت "أخمر"، والكميت الخالص بدون لطعة بيضاء واحدة على جسمه يسمى "أخمر صحّة"، والحصان الأسمر يسمى "أشقر"، والحصان الملوّن بألوان عديدة يسمى "حيش"، والكميت صاحب القوائم البيضاء يسمى "أخمر محجل"، أما الحصان ذو القوائم الثلاث بلون أبيض، والرابعة من لون جسمه يسمى "محجل الثلاث ومطلوق اليمين".

وأخيراً لابد من الإشارة إلى الدواء الذي كان يستعمله أهل "الرقة" لأمراض الخيول العربية آنذاك هو "الكي"، أما في أيامنا هذه فلم يعد وجود لهذا الدواء، إذ أن العيادات البيطرية كثيرة وأنواع الأدوية تملأ الصيدليات المختصة.