تميز سرير نهر "الفرات" في الألف الثالث قبل الميلاد بالكثافة السكانية، وخاصة في المنطقة الممتدة من قلعة "جعبر"، وحتى منطقة "الزريجية"، قرية "شمس الدين"، وعند القيام ببناء سد "الفرات"، رصدت المديرية العامة للآثار والمتاحف /50/ تلاً أثرياً، وخضع عدد قليل من هذه التلال للتنقيبات الأثرية، وأهمها هذه التلال، "تل العبد"، "تل الحديدي"، "تل السلنكحية"، "تل الممباقة"، "تل حلاوة"، "تل أبو هريرة"، "تل المريبط"، "تل عناب السفينة"، "ايمار"، "تل الشيخ حسن"، وغيرها من التلال الأخرى التي غمرتها مياه بحيرة "الأسد".

في أغلب هذه المواقع، وخاصة تلك التي تم التنقيب الأثري فيها، عثر المنقبون على مجموعة طيبة من الأختام الاسطوانية، والأختام الطينية المسطحة. والأختام جميلة، وثمينة، وسهلة الحمل، وإجراء دراسة على هذه المواد الأثرية تفيد كثيراً في عملية البحث العلمي، خاصة فيما يخص البحث عن دليل حول الطريقة التي صنعت بها هذه الأختام، وحول الطريقة التي استخدمت بها الأختام، ومن خلال هذه الدراسة يمكن للباحثين تحديد من هم الأشخاص المعنيين بالمعاملات التي فيها الطبعات، والرسومات المحددة على هذه الأختام.

كما كان من الممكن التعرف إلى الممارسات الإدارية القديمة، والوسائل أو الطرق المستخدمة لإجراء المعاملات، والطرق المستخدمة لمراقبة البضائع، ومثل هذه الأدلة يمكن للباحث استنباطها من الرسومات، والزخارف الموجودة على الأختام الاسطوانية والمسطحة. والأختام الأسطوانية أغلبها مصنوع من حجر "الديوريت"، وأحجار أخرى من النوع الغالي والممتاز، أما الأختام المسطحة، فأغلبها مصنوع من الطين، وحجر الفخار، ومن الحجر الصابوني، وهناك أختام مصنوعة من العاج، وغالباً ما تكون الموضوعات محفورة بخط غائر، والمشهد يكون مقسماً إلى أشرطة.

من حفريات توتول

وفي الغالب تكون الأختام مستخدمة لعدد من الوسائل المختلفة، بما في ذلك أغراض التعريف، أو كمعاملات تجارية للبضائع، وكتمائم أيضاً. مثل تمائم الأطفال عندما يكونون صغار السن، وربما احتفظ به نفس الطفل، وعاود استخدامه عندما كبر، وأصبح يافعاً.

كما أنّ مجموعة أخرى من هذه الأختام ربما تم استخدامها كتعريف أو تصريح من قبل أشخاص خاصين أو رجال أعمال. وبعض هذه الأختام ممكن أن تكون عائدة إلى سلطة مركزية معينة. وغالباً ما عُثر على أختام مثقوبة، ويرى العلماء أنّ هذه الثقوب تشير إلى طريقة بسيطة لفحص البضائع المختومة، كما عثر المنقبون على دمغات أختام في المعابد أو المباني، وهذه الدمغات في الغالب استخدمت لتمييز الشخص المسؤول عن فتح، وإغلاق بوابات المعبد.

من مقتنيات متحف الرقة

في القبور التي طالها التنقيب الأثري في المنطقة الواقعة بين قريتي "وريدة" و"السلنكحية" في كل من تلي "السلنكحية" على الضفة اليمنى لنهر"الفرات"، وتل "العبد" على الضفة اليسرى المقابلة، عثر المنقبون على أختام أسطوانية, ذات أهمية كبيرة بالنسبة لتأريخ هذه التلال، والمنطقة المحيطة بهما، فقد عثر المنقبون على ختم أسطواني يشبه أختام السلالة الثالثة في بلاد ما بين النهرين, وعلى هذا الختم مشهد يمثل أربعة حيوانات متصالبة, اثنان منها عبارة عن أسدين يُشاهد وجهيها من الأعلى، وهي تتصارع مع بطل اختزل رأسه إلى دائرة، وهو يرفع بيده خنجراً كبيراً، يخوض معركة ضارية مع هذين الأسدين.

وفوق الأرضية الأصيلة لبناء محترق, عُثر على أختام جرار كثيرة، أغلبها يعود إلى صنع محلي, وربما تعود إلى صاحب البناء المحترق الذي قد يكون هو الحاكم المحلي في "تل السلنكحية", ومن هذه الأختام يتبين لأحدها مشهد يمثل حيتين متشابكتين وعقرب، وشكل آخر يشبه الفراشة، التي ربما حورت عن شكل رباعي من مشهد أحد الأختام المشابهة من "تل براك" في منطقة "الحسكة".

أختام من مقتنيات متحف الرقة

وهناك مثلان لختمين من النموذج الآكادي المتأخر عُثر عليهما في البناء المحترق, ويبدو أنهما يمثلان النموذج الرافدي، وذلك من خلال المشهد الذي يمثل معركة الآلهة مع ثلاثة أزواج من المحاربين, ويبدو الإله المنتصر، وهو يدوس بقدميه على المنافس المهزوم, وفي البناء المحترق عُثر على ختم أسطواني مصنوع من الحجر الجيري عليه رسم لشخص جالس, وربما يكون إلهاً جالساً ممسكاً ببقرة وحشية من قرنيها وأمامها بلطة, كما يشاهد في آخر المشهد شجرة وشخصاً مقلوباً وآخر معتدلاً قد يكون محارباً، ولهذا النموذج نموذج آخر مشابه عثر عليه في "توتول"، "تل البيعة"، "الرقة" القديمة. وهو معروض حالياً في متحف "الرقة" الوطني.