عديدة هي الدراسات التي أجريت على أدب الروائي الكبير "حنا مينة"، ولكن القليلة التي كتبت دون أن تتدخل العاطفة لا الحيادية فيها، كما في دراسة "المعيش والمتخيل" في فضاء السرد الروائي الذي أعدها ناقد عُرفَ بهيمنة المتغيرات عليه واستحواذها على تفكيره فهو باعترافه بالثابت النسبي يربطه في سياق المتغيرات العامة لتكون دراسته قد ساهمت في كشف أهم ما قدمته تجربة "حنا مينة" الروائية.

موقع eSuweda التقى الناقد الدكتور "عاطف عطا الله البطرس" صاحب كتاب "حنا مينة المعيش والمتخيل" بالحوار التالي:

  • لماذا اخترت الأديب "حنا مينة" موضوعاً لكتابك؟
  • الاديب الكبير حنا مينا

    ** يحتل "حنا مينة" مكانه مرموقة تأسيسية في تاريخ التجربة الروائية العربية التي يجمع النقاد أنها أعطت ثمارها في الخمسينيات من القرن الماضي التي تزامنت مع أول رواية سوريه أجمع النقاد على ريادتها من حيث المقاييس الفنية وارتباطها بالبيئة المحلية وهي "المصابيح الزرق" عام 1954 والذي أردفها برواية ثانية بعد عشر سنوات "الشراع والعاصفة"، إن المسافة الفنية بين الروايتين أعمق من المسافة الزمنية بينهما لأن الكاتب قد اغتنت تجربته الحياتية والإبداعية، وعلى هذا الأساس عُمّد "حنا مينة" أباً للرواية السورية وأحد أعمدة الرواية العربية.

  • ما أهم الميزات الفنية في أدب "حنا مينة" برأيك كباحث؟
  • كتاب المعيش والمتخيل

    ** يجمع دارسو أدبه اعتماده في إنتاجه الروائي على تجربة حياةٍ عميقه ينهل منها، وتجربة معرفية متينة واسعة، وبذلك أعطته الحياة التجربة الخاصة البكر وهو أمدها بالمعاناة والفكر، والنتيجة، هذه الوحدة العضوية العميقة بين الكاتب ونصه، إن امتلاكه رؤية فكرية جدلية وحس تاريخي إضافة إلى صدقه الفني، مكّنه ذلك من نمذجة أبطال من لحم ودم لا يفقدون صلتهم بالواقع من جهة وبعيدين عن الصياغات الذهنية المجردة.

    إن المنشأ الاجتماعي للأديب وخروجه من طبقات دنيا في المجتمع وتبنيه الفكر التقدمي في وحدة التشكل والصيرورة منحاه فرصة نادرة وهي التوافق بين المنشأ الاجتماعي والعقيدة الفكرية.

    الناقد الدكتور عاطف عطا الله البطرس

  • ما الطريقة التي اتبعتها في دراستك؟
  • ** انطلقت من مقولة: لا تفصل الفن عن الحياة فصلاً مطلقاً، كذلك لا تربطه بها ميكانيكياً وهذا يقود إلى سؤال، هل يمكن معرفة حياة الكاتب من إنتاجه أو إنتاج الكاتب يدل على حياته؟... واتبعنا في دراستنا الطريقتين صعوداً أو هبوطاً لأننا وجدنا في تجربة "حنا مينة" ما يؤسس نظرياً لذلك، فأعماله الإبداعية وأبطاله تحديداً على صلة وثيقة بتجربته الشخصية، إذ كثيراً ما نرى أن البطل هو الكاتب نفسه كما في "الثلج يأتي من النافذة، أو الربيع والخريف، مأساة ديمتريو"، أو أن في البطل بعض ملامح مؤلفه، وفي أحيان كثيرة نجد تطابقاً بين البطل وسيرة حياة الكاتب لكننا نجد تشابهاً في الموقف من الحياة والمنظومة الأخلاقية التي تتقاطع مع منظومة الكاتب الأخلاقية شخصية "الطروسي" مثلاً في "الشراع والعاصفة" أو "زكريا" في "الياطر" لا يجمعها جامع مع المؤلف إلا المنظومة الفكرية التي يريد الكاتب أن يقولها وهي أن الإنسان لا يعيش خارج الانتماء وأن غربته حدث طارئ والانتماء هو الأصل في الحياة كذلك علمنا "الطروسي" بالعودة إلى البحر، وكذلك فعل "زكريا" بالعودة إلى المدينة.

  • ما الفرق بين السيرة الذاتية ورواية السيرة؟
  • ** السيرة الذاتية عمل توثيقي يعتمد مرجعية الواقع "الوفاء للوقائع" وهي تتراوح بين الذكريات والمذكرات على ما بينهما من فروق، أما رواية السيرة الذاتية فهي عمل إبداعي تخييلي لا يمكن مقارنته بالوقائع أي بمعنى آخر تختفي المرجعية الواقعية تحت ستار الفعل التخيلي وهو ما يجعل من الواقع فناً، وإن وجدنا بعض التقاطعات فهي التجذير المتخيل في الواقع والإيحاء بمصداقية السرد لأن الرواية فعل تخيلي لا تفقد صلتها بالواقع لأن الخيال هو إعادة خلق وتنظيم بالواقع عن طريق الفن.

    ورواية السيرة الذاتية تقوم أساساً على فعل النمذجة والتعميم والتقاط الجوهري والقيم في الأحداث والواقع بينما السيرة الذاتية تتأسس على تجربة شخصية ذاتية وعندما يستطيع كاتب السيرة الذاتية أن يجعل من تجربته الشخصية تجربة عامة يكون قد ارتفع عن السيرة الذاتية وقارب رواية السيرة الذاتية.

  • ذكرت أن "حنا مينة" له دور ريادي وتأسيسي في الرواية العربية هل مازال محتفظاً في موقعه هذا حتى اليوم؟
  • ** هذا سؤال إشكالي حيث من الصعب فصل الصيرورة أن يبقى كاتب ما في مكانه في سياق المتغيرات الفكرية والجمالية، فقد استحق "حنا مينة" موقعه الريادي باقتدار وإن قلنا إنه حافظ عليه حتى اليوم فهذا يعني منطقياً الإلغاء أو وأد الأجيال الجديدة وما تحمله الأيام من ولادات لا يمكن التنبؤ بها مستقبلاً، وهذا لا يعني حرمان الرواد من حقهم الريادي كما لا يقتضي بالضرورة أن يبقوا في الصدارة إلى الأبد، أما الذين يحاولون التطاول على الرواد بحجة قطع الطريق عليهم أو تصدرهم للمشهد الثقافي، فهذه حجة العاجز لأن ماء النبع ينفجر حتى من الصخر، والنص الإبداعي، قد يحجب ضوؤه ولكن لا أحد يستطيع أن يطفئ الأضواء وحجة التأسيس من العملقة والإعلام والوقوف ضد الجديد لا يمكن أن تحجب نور الشمس فالنص يؤسس لصاحبه ويرفع من شأنه والشرعية من الإبداع كانت وستبقى، وواهم من يعتقد أنه سيكبر إذا سار على جثمان كبار ممن سبقوه، وبرأيي أنا أفضل أن أكون صغيراً بين كبار لا عملاقاً على أقزام.

    من الجدير بالذكر أن الناقد الدكتور "عاطف عطا الله البطرس" هو من مواليد مدينة "صلخد"، له دراسات وأبحاث في النقد صدر له ثلاثة كتب آخرها كان "الانفتاح الدلالي للنص" وهو عضو في اتحاد الكتاب العرب.