على قمة جبل بركاني صخري تقع قلعة "المرقب" مطلةً على شاطئ البحر وحارسةً لما يحيط بها من تلال بين مدينتي "طرطوس" و"بانياس"، وعلى مدى عدة قرون مرّ عليها محتلون كلهم رحلوا وهي بقيت صامدة حتى اليوم.

"مدونة وطن eSyria" التقت بتاريخ 26/9/2008 السيد "طوني مقدسي" المختص بعلم الآثار والمتاحف والذي حدثنا عن اسم القلعة وقال: «عرفت "قلعة المرقب" بأسماء عديدة خلال العصور التاريخية منها: باللغة اليونانية "ماركابوس" و"ماركابان"، ودعيت من قبل الإفرنج باسم "مارغت" و"مارغاتوم" و"مارغانت"، وأطلق عليها العرب اسم قلعة "المرقب" والتي تعني الحارس لأنها كانت تشرف على البحر والتلال المجاورة وتقوم بدور المراقب».

في العهد العثماني (1516-1918) م نالت القلعة الاستقلال الإداري وأصبحت سجناً من سجونهم، أما في زمن الاحتلال الفرنسي فأصبحت مركزاً للقوات الفرنسية وجهزت بالمدافع، وبعد جلاء الفرنسيين أصبحت القلعة تابعة لوزارة الثقافة المديرية العامة للآثار والمتاحف للإشراف والصيانة والترميم

ويشير إلى أن تاريخ بناء القلعة غير واضح حيث استخدمت من قبل الصليبيين، وكان اليونانيون قد ذكروها في كتبهم، وحاول البيزنطيون احتلالها عام (1104) م أثناء غزوهم الساحل، ما يؤكد وجود القلعة قبل الاحتلال الصليبي، وقد ذكرت القلعة لأول مرة عند المؤرخين العرب سنة (1047) م ويرجح أن أول من بناها هو شيخ القبائل العربية الجبلية "رشيد الدين بن سنان" وبالتالي فإنها خضعت خلال العصور لثلاثة عهود هي الصليبي والعربي والعثماني، ويضيف: «في عام (1104) م شُغلت القلعة لفترة قصيرة من قبل القوات البيزنطية التي يقودها "جون كانتا كوزينوس" أثناء الصراع الذي دار حول "اللاذقية" وبعد ذلك عادت إلى الأملاك العربية، وبقي الصليبيون في القلعة (168) سنة أي (1117 -1285 م)، وكان أول من احتلها "روجر" أمير "إنطاكية" بعد أن تخلى عنها صاحب المرقب بعد مفاوضات طويلة مقابل ولاية أخرى، وقد أصابت الزلازل الشديدة القلعة عام (1170) م فتهدم بعض أقسامها وفي عام (1186) م سلمت القلعة إلى جماعة الإسبتارية التي أضافت عدداً من الأبنية الدفاعية والمنشآت العسكرية الهامة ما زاد في تحصينها، وانتقلت إلى حيازة الإسبتارية مقابل أجر سنوي يبلغ (2000) بيزنطي ذهبي تدفع إلى آخر مالك لها هو "برتراند المرقبي"، وفي عام (1205) م سيّر الملك "الظاهر غازي" سلطان مدينة "حلب" حملة إلى القلعة ودمر عدداً من أبراجها الموجودة عند أسوارها الخارجية ثم انسحبت الحملة لمقتل قائدها بعد أن قاربت الاستيلاء عليها، ولاقت القلعة صعوبات كثيرة في منتصف القرن الثالث عشر جراء انتصارات السلطان الظاهر "بيبرس" ولم يحصل أصحاب قلعة "المرقب" بعد عام (1271) م على هدنة جديدة إلا بعد سقوط قلعة "الحصن" المجاورة لها، في عام (1279) م شن فرسان الإسبتارية هجوماً على المسلمين مستفيدين من الاضطرابات التي رافقت استلام السلطان "قلاوون" مقاليد الحكم، وفي بداية عام (1281) م حاصر الأمير "بلبان الطباخي" حاكم قلعة "الحصن" قلعة "المرقب" ليثأر من أصحابها ولكن دون جدوى وبقي الفرسان في مواقعهم منتظرين الفرصة للهجوم على المسلمين، وهكذا استطاع السلطان "قلاوون" احتلال القلعة (1285) م بعد حصار دام (35) يوماً، أصدر بعدها السلطان عفواً عن المحاصرين بموجبه أخذ كل فارس ما أراد من القلعة دون مقاومة وألحقت القلعة بولاية "طرابلس"».

أحد جوانب القلعة

ويتابع: «في العهد العثماني (1516-1918) م نالت القلعة الاستقلال الإداري وأصبحت سجناً من سجونهم، أما في زمن الاحتلال الفرنسي فأصبحت مركزاً للقوات الفرنسية وجهزت بالمدافع، وبعد جلاء الفرنسيين أصبحت القلعة تابعة لوزارة الثقافة المديرية العامة للآثار والمتاحف للإشراف والصيانة والترميم».

ومن الناحية المعمارية يوضح خبير الآثار "أحمد فايز الحمصي"* أن قلعة "المرقب" تقع في مدينة "بانياس" الساحلية التي تبعد 55 كم جنوبي اللاذقية، وهي مرفأ فينيقي قديم وترتفع 362 متراً عن سطح البحر، ويحدها من الشرق سلسلة من الجبال الداخلية والوديان العميقة، ومن الجهة الجنوبية الغربية تتوالى الارتفاعات والمنخفضات إلى أن تزول تماماً قرب سطح البحر، ويقول: «إن مسقط القلعة الضخم عبارة عن مثلث ضيق مساحته حوالي 60000 م2 تتجه زاويته الحادة نحو الجنوب، ويندمج حرفه مع الصخور المشكلة لجبل الأنصارية، وتبدو نقطة ضعف الموقع في الجهة الجنوبية التي كانت السبب في زيادة التحصين عند هذه الزاوية الدائرية لصد الهجمات المتوقعة من ذلك الاتجاه، وتتألف القلعة من سور مزدوج أحدهما خارجي والآخر داخلي لزيادة تحصينها، كما تقسم إلى قسمين؛ القلعة الخارجية التي تشمل الأبنية السكنية والقلعة الداخلية التي تضمن مجموعة الأبنية الدفاعية المحصنة بأبراج دائرية ومستطيلة يعلوها البرج الرئيسي، والتي تسيطر على مساحة واسعة تمتد إلى كل الجهات وقد زودت بمرامي السهام والحجارة بشكل تنعدم فيه النقاط الميتة تماماً، ويحيط بالسور الخارجي من الجهة الشرقية خندق عميق محفور في الطبقة الصخرية، أما الحصن الداخلي فهو عبارة عن قلعة صغيرة مستطيلة الشكل تقريباً لها حلقتان من الأسوار تقع على الذروة الجنوبية للقلعة ويفصلها عن القلعة الخارجية قناة مائية عريضة في الجهة الشمالية من الحصن الداخلي ويشكل السور الخارجي خطوطاً دفاعية للحصن الداخلي، ويتم الدخول إلى القلعة عبر برج البوابة الرئيسي والذي يمكن الوصول من خلاله إلى الحصن الداخلي وإلى القلعة الخارجية مشكلاً صلة وصل بين السورين الداخلي والخارجي، أما قاعات القلعة فموزعة في أبراجها ومزودة بكوات ومرامي السهام كما تتناوب الأبراج الدائرية والمستطيلة على الواجهات الخارجية».

من الأبراج الخارجية

ويتابع: «من منشآت القلعة؛ مسجدها الذي بني بعد استرجاعها من الفرنج، و"برج الفرسان" الذي استخدم كبرج مدخل ثانوي إضافة لبرج المدخل الرئيسي ويمكن منه الوصول مباشرة إلى التحصينات الواقعة في الجهة الجنوبية، و"المجمع العثماني الداخلي" وهو عبارة عن مجموعة من الغرف المبنية على عدة مستويات وعلى عدة مراحل، والكنيسة التي تعتبر أكثر الأبنية ارتفاعاً بين الأبنية المحيطة بالساحة الرئيسية وهو بناء موجه باتجاه شرق غرب وبشكل طولاني كما هي معظم الكنائس وتبلغ أبعادها (7.64م × 19م) ومخططها شبيه بمخطط كنائس جنوب فرنسا في القرن الحادي عشر، بالإضافة إلى "البرج الرئيسي" وهو أهم بناء في القلعة، ويعد نموذجاً مثالياً للأبراج الدائرية التي أقيمت في القرن الثالث عشر حيث يبلغ قطره 21م تقريباً وهو مكون من طابقين مع متراس دفاعي يتوج الطابق الأول، وزود بمرامي سهام وزعت على محيط البرج بحيث لا تترك حول البرج أي نقطة لا يمكن الدفاع عنها، إن الفخامة التي يتمتع بها هذا البرج من حيث الارتفاع والقطر وسماكة الجدران المجهزة، تؤكد أن هذا البناء كان على الأغلب مخصصاً لقائد حامية القلعة، كما يوجد في القلعة العديد من "الاصطبلات" والمخازن والمستودعات المنفصلة».

*من كتابه "قلعة المرقب" منشورات المديرية العامة للآثار والمتاحف دمشق 1982.

المدخل الخارجي