"القدموس" بلدة غافية على فراش غيمة تحمل الأحلام الملأى بالأمل لناسها البسطاء الطيبين، تقسم البلدة لقسمين، البلدة القديمة، المحافظة على تاريخها محمولاً على شواهد لا زالت تشير لمجدها التليد، الجامع القديم، والقلعة المأهولة لليوم. والبلدة الجديدة الممتدة على مساحات السهل تملأه بكتل من الاسمنت.

في البلدة القديمة كان لموقع eSyria هذا اللقاء بتاريخ 23/2/2009 مع المزارع "محمد تميم عزوز" هو رجل سبعيني ولا يزال يحتفظ بقوة جسدية وعافية تساعده على القيام ببعض أعمال الزراعة في أرضه القريبة من البلدة. ولدى سؤاله عن طبيعة الحياة في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، أجاب وهو يبتسم، قائلاً: «بيوتنا كانت طينية سقوفها من الخشب والتراب والطين، كانت تدلف شتاء وكنا ننزح الثلج عن الأسطحة كي لا يتراكم، "القدموس" معرضة للثلج دوماً في الشتاء، وكنا نعرجل السطح بواسطة "المعرجلينة" وهي عبارة عن حجر أسطواني الشكل أملس لإعادة تغطية أي ثقب يسرب الماء.عملت بالزراعة بأساليب بدائية صعبة كالمحراث القديم "الصمد" الذي لا يزال يستخدم حتى الآن في بعض المدرجات التي يصعب وصول الآليات إليها، كنا ندرس القمح المحصود بواسطة الدواب الذين يجرون "النورج" أو كما يطلق عليه باللغة المحلية اسم "المرج" وهو عبارة عن دفوف من الخشب مثبتة لجوار بعضها ومغروسة بها قطع من الحجر، ويطول أمد الدراسة حتى تصل إلى ما يقرب الشهر بالإضافة إلى الكثير من الأدوات الأخرى التي انقرض معظمها»

إن الحياة كانت أجمل، كانت المحبة موجودة بشكل أوضح وأكثر ونتعاون في كل شيء. وأولادنا الآن يعملون ويتكفلون بالإنفاق على البيت رغم أن بعضهم يقيم في دمشق

زوجته "أم تميم" وهي عجوز في مثل عمره تقريباً، وتقدرعمرها تقديراً لأن العمر في البطاقات غير دقيق، أكملت الإجابة قائلة: «كانت الإنارة بضوء الكاز والتدفئة على الحطب وكذلك الطبخ الذي تطور من الحطب إلى بابور الكاز ثم انقرض كل ذلك، كنا ننقل الحطب من الحرش القريب، للتدفئة وآخر للخبز على التنور ونستخدم "الجلة" أحياناً للطبخ وسلق "الحنطة"، وكنا ننقل الماء للبيوت من النبع بواسطة "الراوية" التي تحملها الدواب، ونطبخ بقدور من "النحاس" تسمى "الطنجرة"، ونحصل على "الحليب" من "الماعز" الذي نربيه في بيوتنا، وكذلك "البيض" من "الدجاج" الذي نربيه أيضاً في البيت أو"الحاكورة" وهي عبارة عن حديقة ملحقة بالبيت.

المعرجلينة

وعن تربية حيوانات أخرى أضافت "أم تميم" قائلة: «كنا نربي "البقر" وسواها، وكانت تربيتها ترهقنا للعناية الفائقة التي كانت تتطلبها، كنا نضطر لأن نخصص لها جزءاً من بيوتنا التي ننام بها في أيام الشتاء، الحياة كانت صعبة في "القدموس" والشتاء طويل وقاسٍ».

وعن مزاولته لأعمال أخرى غير الزراعة، أجاب "أبو تميم" قائلاً: «لقد اشتغلت بمهن مختلفة أهمها "البياضة" مع ورشة متنقلة في قرى المنطقة، وقد وصلت إلى قرى "حماة" و"حمص"، وكنا نقوم بتبييض أواني "النحاس" بمادة "القصدير" ومواد مساعدة أخرى مقابل أجور عينية ونقدية وقد انقرضت هذه المهنة منذ سنوات بعد حلول أواني "البلاستيك" و"الميلامين" والزجاج وغيرها محل الأواني "النحاسية"، كما عملت بمهنة "البناء" أيضاً».

بابور الكاز

والجدير بالذكر أن "أم تميم" وزوجها "أبو تميم" أكدا معاً: «إن الحياة كانت أجمل، كانت المحبة موجودة بشكل أوضح وأكثر ونتعاون في كل شيء. وأولادنا الآن يعملون ويتكفلون بالإنفاق على البيت رغم أن بعضهم يقيم في دمشق».

طنجرة نحاس