من "معبد فينيقي" إلى "كنيسة بيزنطية" ليصبح بعدها "جامعاً" يتزين بمحراب ومئذنة في عام "1851" على يد العثمانيين الذين حولوه بعد ذلك لثكنة خاصة بالجيش التركي، وآخر المطاف أصبح مأوى للاجئي عام "1920" على يد الحاكم الفرنسي، أما حاليا فهو المتحف المحلي لمحافظة "طرطوس".

هذا هو حال كاتدرائية "طرطوس" التي زارها موقع eSyria بتاريخ "10/1/2010" والتقى الآنسة "رباب معلا" أمينة المتحف التي حدثتنا مضيفة عن تاريخ هذه الكاتدرائية بقولها: «كاتدرائية طرطوس نوتردام" تعود للقرن الثاني عشر الميلادي حيث بنيت على أنقاض معبد فينيقي قديم يعود إلى الفترة الصليبية، فقد وضعت قيد الإنشاء منذ عام "1123" ميلادي، ويعتقد أنها شيدت على أنقاض كنيسة بيزنطية أقدم منها تعود إلى زمن "قسطنطين الكبير" عام "346" ميلادي.

دعمت القاعدة المكعبة بزيادة طولها أربعين سنتيمتراً نحو الغرب ما سمح بإقامة دعامة فوق الركيزة تسند القنطرة الكبرى للجناح عندما يتم إنجاز البناء بشكله الكامل

ومن المرجح أن القديس "بطرس" أقام أول مذبح فيها، والقديس "لوقا" وضع أيقونة السيدة العذراء من إبداع ريشته، واحتلت الكنيسة موضع تقدير كبير لدى أتباع الكنيسة الكاثوليكية التي أصبحت مزاراً أطلق عليه اسم كنيسة الحجاج».

الأنسة "رباب معلا" أمينة المتحف

هندسة معمارية فريدة جعلتها مناسبة لجميع الحقب التاريخية وعن هذه الهندسة تقول "معلا": «لقد استحوذت "الكاتدرائية" على مساحة لا يستهان بها على أرض الواقع فبلغت أبعادها أربعين متراً في الطول وأربعة وثلاثين متراً ونصف المتر في العرض وسبعة عشر متراً في الارتفاع، ويتراوح ارتفاع كل مدماك "أي صف من الحجارة" من مداميكها بين "0.30" متر و"0.50" متر».

وتتابع: «تتألف "الكاتدرائية" من ثلاثة أروقة مقببة بقناطر نصف أسطوانية حادة الانسيابية تمتد نحو الشرق برواق قصير ينفتح على صدر الكنيسة بعد قبة نصفية، ويوجد في كل ضلع من الأروقة الجانبية نافذة تنير صحن الكنيسة المركزي ومن الشرق نافذة المحراب، ومن الغرب ثلاث نوافذ، العليا من بينها أصغر من الاثنتين الباقيتين.

المزبح الكبير

وفي القرن الثالث عشر أحدثت نوافذ في القبة العليا منها مقامة في الجدار المتراجع بحيث يشكل ممر ضيق يسمح بالمرور بواسطة سلم ثنائي ذي بضع درجات من طرف البناء إلى الطرف الآخر، وتأخذ الركائز شكل الصليب مع الأعمدة على الجوانب ودعامات السقف المزدوجة ويبرز إطار نافر على طول الجدران الشمالية والجنوبية كما في المحراب، وعلى القسم الأكبر من جدران الأروقة الجانبية نجد شريطاً مزخرفاً يمر تحت متكأ من النوافذ».

للعمود القائم في شمال صحن الكنيسة بين الرواقين الثاني والثالث صفات خاصة يوضحها لنا الأستاذ "مروان حسن" مدير الآثار بقوله: «يتألف هذا العامود من قاعدة مكعبة الشكل طول ضلعها أربعة أمتار تسند أعمدة تدعم القبة في طرف الكنيسة وفي القاعدة باب يفتح باتجاه الشمال ويظهر مباشرة في الرواق الشمالي حيث كان يشكل مع قسم صغير من الذراع الشمالي في القرنين الثاني والثالث عشر معبداً كان بمثابة مقصد للحجاج».

حديقة المتحف

ويتابع حديثه: «دعمت القاعدة المكعبة بزيادة طولها أربعين سنتيمتراً نحو الغرب ما سمح بإقامة دعامة فوق الركيزة تسند القنطرة الكبرى للجناح عندما يتم إنجاز البناء بشكله الكامل».

في حين أن الجناح الجنوبي يضم خزان ماء مبنياً بالحجر تصله المياه بطريقة مميزة ما تزال آثارها باقية حتى الآن يشرحها لنا: «يملأ الخزان الجنوبي المبني من الحجر بماء المطر الذي يصل إليه بواسطة ميازب ممتد على جدار الرواق ولها ثلاثة مداخل، أحدها رئيسي في الواجهة الغربية ومدخلان جانبيان ينفتح أحدهما على ذراع الكنيسة الطولاني الشمالي ويراه زائر الكاتدرائية عن يساره، بينما ينفتح الآخر على الذراع الجنوبي حيث زين بنقش مماثل لنقش نوافذ الواجهة».

زخارف منحوتة في أماكن صعبة المنال والعمل شكلت جمالية غاية في الروعة وتعود إلى حقبتين تاريخيتين يصفها لنا: «نحتت الزخارف على الجوانب الظاهرة لتيجان الأعمدة الموجودة فوق دعامات الجناح وأعمدة الأروقة والأعمدة المستندة على الجدار الغربي متأثرة بالنمط "الكورنثي" الذي يعود إلى منتصف القرن الثالث عشر مع وردة في الوسط يحل محلها أحياناً رأس صغير لقديس أو لأبطال بعضهم بأجنحة ويوجد تاجان اثنان بورق "الأكانت" الشديد التقطع والأغلبية قائمة في صفين بأوراق عريضة، كما نجد على التيجان الأخرى ثلاثة أو أربعة صفوف من الأوراق الصغيرة المنحنية.

أما زخرفة تيجان الأعمدة في الرواق الشمالي التي تعلو القاعدة المكعبة فتحمل الطابع الروماني ولكن بأكثر تطوراً أي متأثرة بالفن الغوطي حيث نشاهد عليها الأقواس المعقوفة التي تنتهي بشكل أزهار"النسرين"».

ويتابع موضحاً بعض الزخارف وأماكن توضعها ومدلولات بعض منها: «في قباب الزوايا البارزة للأروقة الجانبية "قفل إغلاق" دائري الشكل منحوت بشكل بارز ويمثل أوراق أشجار ويرجع تاريخه إلى القرن الثالث عشر الميلادي وفي صدر الهيكل الشمالي يوجد خمس صور منحوتة بشكل بارز تمثل إحداها حمامة الروح القدس والأربعة الأخرى تمثل رموزاً لأصحاب الأناجيل الأربعة».

يشار إلى أن البابا "كليمونت الرابع" قام بتقوية طرف الكنيسة "خلف المذبح الكبير" وقوى أيضاً البرجين المستطيلين على أطراف الكنيسة وزاد من سماكة صدر الكنيسة المركزي ببناء حائط مستطيل.