كان سوقاً لجميع القرى المحيطة بل حتى البعيدة وسيظل شاهداً على عصور عديدة، وفي انتظار فهم سياق التغيرات الجديدة لإضفاء الطابع الأثري والتراثي تبقى الحياة التجارية في سوق "القدموس" القديم في حالة ركود.
أصحاب المحلات التجارية والحرفية في هذا السوق يعلمون أنّ لديهم هناك فرصة ثانية لا غير لمحاولة تأمين احتياجاتهم وكسب رزقهم، بعد أن تحوّل القسم الأكبر من الزبائن إلى السوق الجديد المجاور حيث يصلهما شارع واحد، زبائن كانوا يقطعون قبل مئات السنين عشرات الكيلومترات عندما كان سوق "القدموس" القديم ضالتهم الوحيدة.
الحركة في السوق حالياً ضعيفة جداً رغم تنوع محلاته، وقد يكون السبب هو سوء التنظيم
"موقع طرطوس" تجول في هذا السوق بتاريخ 16/8/2009، وبحكم قلة زبائنه توجهنا نحو تجّاره فكان أحدهم "سالم الشعّار" الذي شرح لنا قائلاً: «هذا السوق هو من أقدمها في الساحل، وتحتفظ حتى الآن بعض محلاته بأسقفها الخشبية على الرغم من استبدال معظمها بأسقف إسمنتية أو إضافتها كطبقة جديدة، وشملت أهم المهن والحرف مثل محلات القصابة والحدادة منذ حوالي 800 سنة، واليوم أصبحت أكثر تنوعاً ويمكن لزبائنه الحصول على ما يريدونه، كما أنّ أسعاره أقل من أسعار محلات الأسواق الأخرى فكلفة الإيجار هنا قليلة.
أعمل في هذا المحل منذ حوالي 50 عاماً حين كان إيجاره السنوي 6 ليرات، وللسوق زبائن متنوعين ومنهم من القرى المجاورة فهو معروف لديهم منذ زمن بعيد».
الفرن القديم الذي يشتهر به السوق ما زال يعمل حتى اليوم، لكن بعد أن تحول إلى صنع الفطائر منذ ثلاثين عاماً بدلاً من الخبز، وفيه التقينا صاحبه "أحمد حربا" الذي حدثنا أثناء إعداد إحدى الطلبات فقال: «أعمل هنا منذ حوالي خمسين عاماً (وهو لم يتجاوز الستين)، فقد كان الفرن آنذاك على الحطب وحولناه إلى "المازوت" منذ حوالي ثلاثين عاماً، لاختصار الوقت إضافة إلى عدم توفر الحطب بشكل مناسب، ومنذ ذلك الحين نقوم بصنع الفطائر لأنّ صنع الخبز يحتاج إلى جهد ووقت ويدّ عاملة أكثر، والفرن حتى الآن يحافظ على سقف خشبي بعد إضافة طبقة إسمنتية».
أما "محمد علي" صاحب أحد محلات الألبان فيصف إقبال الزبائن قائلاً: «الحركة في السوق حالياً ضعيفة جداً رغم تنوع محلاته، وقد يكون السبب هو سوء التنظيم».
ويعلّق "مهند محمد" أحد زبائن السوق بقوله: «كان السوق في الثمانينيات مكتظاً أكثر بالزوار فقد كان سوقاً رئيسياً ويوجد فيه كل شيء».
ومن السكان المجاورين تحدث لنا "معين سليم" عن الحالة التي كان عليها المركز التجاري للبلدة قبل عشرات السنين فقال: «ما تزال حتى الآن بعض الحرف القديمة موجودة في هذا السوق مثل الحدادة والنجارة والسكافة، وبحسب ما نعرفه أنه كان يمثّل زقاقاً ضيقاً بحيث إذا نزل الثلج لا يتمكن أصحاب المحلات من الوصول إلى محلاتهم إلا بعد إزالته، وكانت "القدموس" تعتبر مركزاً تجارياً بسوقها التجاري والحرفي».
إجراءات توصف بأنها جديدة من نوعها، خاصة وأنّ أصحاب المبادرة معنيون بالمشاريع الخدمية، قام بها "مجلس البلدة" وما يزال ليعيد للسوق طابعه القديم، يشرح عنها رئيس مجلس البلدة "مجد الدالي" قائلاً: «الحي القديم في منطقة "القدموس" يحتفظ بجزء لا بأس به من الحجارة القديمة والسوق القديم يناهز 800 عام، لذلك قام "المكتب التنفيذي" لمجلس البلدية باقتراح إزالة الطينة الخارجية لإظهار الحجر ضمن خطة شاملة لإعادة إحياء التراث العمراني للبلدة القديمة، ومنها أيضاً إعادة رصف السوق بالحجارة بدلاً من الإسفلت، وقد تمت المباشرة بإزالة الطينة منذ فترة».
ويضيف: «كما تم اقتراح تحويل الصفة التنظيمية للبلدة القديمة إلى صفة بلدة حالية للمحافظة على أزقتها ومداخلها بنفس العرض وبنفس نسبة البناء القديمة على أن يتم فرض البناء بالحجر الرملي وبنفس أسلوب فتح النوافذ، كما نحاول نشر الوعي الشعبي للحفاظ على التراث لاستقطاب السيّاح والمصطافين».
وفي لقاء مع المهندس "مروان حسن" رئيس "دائرة آثار طرطوس" أشاد بخطوات المكتب التنفيذي للمجلس البلدي في "القدموس" بشأن إعادة الطابع الأثري والتراثي للسوق القديم، معبراً عن استعداد الدائرة للتنسيق الكامل والتخطيط إذ يقول: «تعتبر هذه الأعمال مكملة بدورها لعمل الآثار من حيث التأهيل للمواقع الأثرية ومحيطها، حيث إنّ أعمال رصف الممرات والأزقة بمواد مشابهة للمواد القديمة بالإضافة إلى كشف الواجهات المطلة على هذه الشوارع والأزقة يؤدي إلى حماية الطابع التراثي والأثري للموقع، وهذا بشكل أو بآخر يؤدي إلى تفعيل النشاط والحركة السياحية والتنمية بشكل عام، ونحن مستعدون للتنسيق مع مجلس بلدة "القدموس" لوضع الشروط والمواصفات الفنية والمشاركة بالإشراف على الأعمال».