مساحات واسعة وغابات عديدة من جبال محافظة "طرطوس" عملت على حماية نفسها ذاتياً لكن ذلك غالباً لم يكن كافياً، فكان تدخل "مديرية الزراعة" ممثلة بـ"دائرة الحراج" لحماية مساحات معينة لا يحتمل موقعها والتنوع النباتي والحيواني فيها أي تأجيل ومنها "محمية الشعرة" في منطقة "القدموس".
قبل زيارة "موقع طرطوس" إلى هذه المحمية بتاريخ 9/8/2009 توجهنا إلى "مديرية الزراعة" واستمعنا إلى رئيس "دائرة الحراج" المهندس "حسن صالح" الذي حدثنا عن حقائق وحدهم المختصون في هذا المجال يدركون أهميتها حيث قال: «قمنا حتى الآن بتنفيذ البنى التحتية لهذه المحمية من خزانات ماء وكهرباء وطرق ومحارس ومبنى إدارة وحراس على مدى 24 ساعة لتوفير الحماية.
توجد هنا مقاييس طبيعية للتلوث مثل بعض أنواع "الشيبيات" التي تظهر على جذوع أشجار "البلوط" أو "السنديان" ولا تظهر إلا في المناطق التي تكون فيها نسبة التلوث معدومة أو ضعيفة جداً
طرحنا هذا العام على الوزارة الخطة الاستثمارية من أجل بناء سور مسيّج لرفعها إلى "هيئة التخطيط الدولي" بهدف تربية أنواع من "الغزال" و"الريم العربي" وإذا تم القبول سيكون جاهزاً العام القادم.
من شأن هذا القرار أن يلعب دوراً في مجال الجذب السياحي فهناك إمكانية بإيجاد مصدر دخل هائل من الحراج السورية بالمنحى السياحي، بشرط أن يوضع على السكة الصحيحة من حيث المفاهيم وأسلوب العمل وإعادة التخطيط والمبادرة الذاتية».
الأمثلة على تميز مناخ منطقة "القدموس" بما فيها "محمية الشعرة" كثيرة ومنها يذكر: «قبل اختيار موقع "جامعة الأندلس" قامت لجنة خبراء دوليين ومحليين بالبحث عن أفضل موقع على أراضي الجمهورية العربية السورية لإنشاء جامعة الطب البديل، وقد تم اختيار الموقع الحالي كونه منطقة خالية من جميع أنواع الملوثات الطبيعية والصناعية، والمحمية أيضاً خالية تماماً من جميع أنواع الملوثات بما فيها الصوتية وهي ضمن الطبيعة البكر وخالية حتى من رطوبة البحر».
أفضل المواقع البيئية وحتى أقلها تلوثاً هو ما تحدث عنه ومن خلال ذلك كله كان هناك ما يبغي الوصول إليه حين قال: «عندما يكون هناك التفات إلى هذه المنطقة فهي من أولى المناطق الواعدة للسياحة العالمية والمحلية صيفاً وشتاءً، وكل ما تحتاجه هو توفير المياه بغزارة علماً أنّ المياه التي تغذي تلك المناطق هي من المنطقة الجبلية نفسها التي تعتبر الخزان الرئيسي لمياه المنطقة».
الحديث عن الطبيعة له نكهته الخاصة، لكن حكم العمل بالنسبة لنا ولرئيس "دائرة الحراج" يقضي دون ذلك، فأرشدنا للتوجه إلى "شعبة التنوع الحيوي وإدارة المحميات" لمزيد من الاطلاع، وهناك شرحت لنا المهندسة "سهاد علي" عن المحمية التي أوشكت أن تطفئ شمعتها الحادية عشر فقالت: «تم إحداث المحمية بموجب القرار 19/ت تاريخ 29/8/1998، تتبع لمنطقة "القدموس" التي تبعد عنها 15 كم تقريباً وتبعد عن مركز مدينة "طرطوس" 70 كم، وتتكون من هضبات جبلية يبلغ ارتفاعها عن سطح البحر 900- 1100 م، وتبعد عن شاطئ البحر 60 كم، كما تقع ضمن الطابق البيومناخي الرطب وتنتشر في الموقع الترب الحمراء».
نباتية وحيوانية هي بعض غايات المحمية، بل تتعداها لتشمل أهمية سياحية وفق رؤية "دائرة الحراج" التي قالت عنها: «تشمل الغاية من إنشاء المحمية عدة بنود وهي: حماية "ماكي السنديان" و"البطم" المتقزم والسماح له ببلوغ مرحلة "الغابة الأوجية".
زيادة التنوع النباتي والمحافظة على الأنواع النباتية النادرة (قيقب سوري، خوخ الدب، الأجاص السوري، الشربين، بعض ضروب السنديان).
زيادة التنوع الحيواني وإعادة انتشار الحيوانات المنقرضة (الدب، الغزال، الوعل).
حماية النباتات الطبية المعمرة والموسمية.
وقف زحف الأراضي الزراعية على المساحات المتبقية في الموقع.
تأهيل الموقع لاستخدامه في السياحة البيئية.
توعية السكان المحليين بأهمية الغابة وتحسين العلاقة بين الإنسان والغابة».
أنواع نباتية متعددة نصادفها في أماكن مختلفة من البريّة، أما "محمية الشعرة" فقد جعلت لها طابعاً خاصاً بجمعها في مكان واحد، وقالت عنها اختصاصية التنوع الحيوي وإدارة المحميات: «ينتشر في المنطقة الغطاء النباتي المتوسطي وهو متنوع وغني جداً، ويزداد التنوع في هذا الموقع نظراً لأنه يقع في نهاية الغطاء النباتي المتوسطي وبداية الغطاء النباتي السهبي.
أهم النباتات الطبيعية الموجودة في المحمية هي: السنديانيات، "الشربين"، "الغار"، "الاصطرك"، "الزعرور"، "السويد"، "الأجاص البري"، "خوخ الدب"، "البطم"، "القطلب"، "الزرود"، "الغبيراء"، "العجرم"، "الزيتون البري"، "الريحان"، "الوزال"، "البقص"، "الزمزريق"، "القيقب السوري"، "القريضة الوبرية" ...وغيرها».
أمّا عن الأنواع المدخلة فتقول: «هناك العديد من الأنواع الشجرية التي أدخلت إلى الموقع واستخدمت في التشجير وهي: الشوح، الأرز، الروبينيا، الغار، الصنوبر البروتي، الصنوبر الثمري، بالإضافة إلى العديد من الأنواع الشجيرية والعشبية الموسمية والمعمرة، كما توجد أنواع مختلفة من النباتات الطبية مثل الزعتر، الثوم البري، الزوفا، الجلبان، العيصلان، القستوس، بخور مريم، الهندباء البرية، النرجس، الكزبرة البرية، البلان، المريمية، السوسن، الخشخاش والعديد من الأنواع النجيلية».
هذا بالنسبة للكائنات المحدودة الحركة، أما عن الأكثر حرية فتصفها وتقترب من حصرها فتقول: «تعيش في المحمية حيوانات كثيرة من مختلف الأنواع؛ المفترسة، العشبية والزاحفة بالإضافة إلى الأنواع المختلفة من الطيور.
ومن أهم أنواع الحيوانات "الضبع"، "الأرنب البري"، "الخنزير البري"، "الثعلب"، "ابن آوى"، "السنجاب"، "الخلد"، "فأر الحقل" وغيرها، ويوجد العديد من أنواع الأفاعي والسحالي والسلاحف، ومن أهم الطيور "الحجل"، "الهدهد"، "الدوري"، "الصقر"، "الباشق"، "أبو زريق"، "السمن"، "الشحرور"، "الغراب الأسود"، "الحسون"، "الشاهين"، "القرقف الكبير"، "القبرة المتوجة"، "البومة الصغيرة"، "الوروار" ...وغيرها».
وبعيداً عن الأجواء الرسمية بين الألوان النباتية الخضراء المتناغمة مع التربة والصخور في "محمية الشعرة" تنفسنا الصعداء، فبالرغم من الكيلومترات التي قطعناها سنحصل على مخزون كاف من الهواء النقي ليومنا هذا خلال تواجدنا وحديثنا مع المهندس "مهيار إبراهيم" اختصاص "حراج" الذي قال عن سبب وجوده مع تسعة عناصر: «عينت كرئيس محمية منذ حوالي سنتين مع تسعة حراس حراجيين يعملون بشكل ورديات على مدار الساعة لحماية المحمية من جميع أنواع المخالفات من رعي، صيد، احتطاب، رمي نفايات، كسر أراضي أو تفحيم، ويتم العمل ضمن المحمية بإشراف "شعبة التنوع الحيوي وإدارة المحميات" في "دائرة الحراج"».
وأضاف: «البنية التحتية في المحمية مكونة من مبنى للإدارة مؤلف من عدة غرف مسبقة الصنع، محارس حراجية، شبكة من الطرق الحراجية تسهّل الوصول إلى كافة أجزائها، كما تمر فيها طريق معبدة تصلها بالمناطق المجاورة ويمر على تخومها الطريق العام الذي يصل منطقة "القدموس" بمنطقة "مصياف".
تم تزويد المركز بمحولة كهربائية احتياطية استطاعة /100 ك ف أ / وعدد من أجهزة الإنارة وتم إنشاء خزان مياه بسعة 100 م³ مع ساحة تجميع بمساحة 100 م² من أجل تجميع مياه الأمطار لخدمة المركز وفي حال حدوث حرائق أيضاً».
وفي المساحات الخضراء المجاورة التي تجاوزت حدود محافظة "طرطوس" تتالت الجهود لمحاكاة تجربة الحياة الطبيعية للنبات والحيوان دون التدخل السلبي للإنسان، فكما أوضح: «تقع محمية الشعرة على تخوم ثلاث محميات هي: "محمية أبو قبيس" (الغاب)، "محمية الدالية" (اللاذقية) و"محمية شيحة مصياف"، حيث تشكل معها سلسلة محميات متجاورة.
في القرى القريبة يعتمد الكثير من الأهالي على الرعي وقد أصبحوا أكثر تفهماً لوضع المحمية والمشاركة في حمايتها، وقد تعرض موقع المحمية منذ القديم للتأثير السلبي للنشاط السكاني العشوائي بقصد الرعي والاحتطاب وتحويل الأراضي الحراجية إلى أراضي زراعية، فكانت نسبة النباتات عند إنشائها كمحمية قليلة بسبب الرعي والاحتطاب وما تزال المحمية في مرحلة الإنشاء من ناحية البنية التحتية ومن ناحية خطة الإدارة والتنظيم، فهي تحتاج إلى المزيد من الموظفين الإداريين».
خلال عشرات السنين تبرعت الطبيعة بالكثير من أجل الرعي والاحتطاب، وها هي "دائرة الحراج" تردّ ما قدمته وإن استغرق ذلك زمناً، يصف المهندس "مهيار" تلك الجهود قائلاً: «تقوم "دائرة الحراج" بأعمال التشجير سنوياً إضافة إلى أعمال الري في فصل الصيف، ويتوقع مستقبلاً إجراء عمليات تربية وتنمية لبعض أقسام المحمية مع الحفاظ على الأنواع النادرة والمهددة بالانقراض وحفظ موائل الحيوانات الطبيعية.
كما سيتم في خطة مستقبلية إعادة الحيوانات التي كانت موجودة في المنطقة منذ زمن بعيد مثل "الدب الأسمر السوري" و"الغزال" و"الوعل"، حيث يذكر بعض سكان القرى المجاورة أنّ هذه الأنواع كانت موجودة في هذه المناطق».
ما توصلت إليه "محمية الشعرة" يسبق أكثر أطوار التكنولوجيا حداثة، أطلعنا عليه قائلاً: «توجد هنا مقاييس طبيعية للتلوث مثل بعض أنواع "الشيبيات" التي تظهر على جذوع أشجار "البلوط" أو "السنديان" ولا تظهر إلا في المناطق التي تكون فيها نسبة التلوث معدومة أو ضعيفة جداً».
لم يكن يخطر في بال "محسن خليل" من عناصر الحراسة أن تخطو أقدامه إلى جانب تلك الأفعى عند وصوله إلى باب إحدى الغرف كما يروي لنا، فذلك ما جعلها تعلو عن الأرض وتبدو أكثر تحفزاً للدفاع عن نفسها ويضيف: «اعتدنا على رؤية الأفاعي هنا وهي غير خطرة، كما شاهدت بعض الحيوانات مثل الثعالب، الأرانب وشاهد زملاؤنا "الخنزير البري" و"الضبع"، كما تمت مشاهدة السلاحف وأنواع من الطيور مثل "الشاهين" (طير جارح)، "الهدهد"، "الغراب"، "أبو حن"، "السمن" و"الحجل"».