شكل الماء المقدس في منطقة "جبل العرب" حالة تاريخية، تجسدت من خلال تأثير هذا الماء في المعابد الرومانية المنتشرة بعدة مناطق منها "قنوات وسيع"، اللتان تكثر فيهما المعابد الدينية الأثرية والتي كان المصلون لا يدخلون إليها إلا بعد الوضوء أو الغسل بالماء المقدس.

الماء وتأثيره

يبدو أن الماء في جبل العرب ومناطق كثيرة من سورية والعالم لم يكن عادياً، فقد ارتبط بشكل وثيق بالبعد الديني من خلال ارتباطه بالمعابد والطقوس الدينية التي كانت تجري في حرم المعابد وداخلها.

يشير الباحث الأثري الدكتور "نشأت كيوان" المدير الأسبق لدائرة الأثار في السويداء في حديثه لموقع مدونة وطن eSyria، إلى أن الماء المقدس انتشر في المعابد داخل الحرم وخارجها، ولم يكمن مجمع المعابد في موقع "سيع" الأثري بالقرب من بلدة "قنوات"، ومسألة الدخول إليه حدثاً عادياً بل كان على المصلين والزوار أن يتطهروا بالماء قبل الدخول إليه، وهنا نرى بعد البوابة الأولى التي نجتازها للدخول الى الساحة الأولى للمجمع والمعبد على اليمين أحواض منحوتة من البازلت بشكل متقن، كانت قد استخدمت للغسيل والتطهر قبل الدخول إلى حرم المعابد سواء معبد بعل شامين أو ذو الشرى وغيرهما.

ويضيف "كيوان" إن وجود خزان مياه أمام معبد "زيوس ماجيستوس" في بلدة "قنوات" كان له دلالاته المهمة فعلى ما يبدو أن وظيفته لم تكن فقط لإمداد المدينة القديمة بالمياه القادمة من موقع "سيع"، بل كان ماؤه المقدس جزءاً من الطقوس الدينية التي كانت تجري في المعبد، كما أن بناء معبد "المشنف" شمال شرق جبل العرب بجوار بركة ماء كان له مدلوله المعماري والديني في آن واحد، فالآلهة يجب أن تكون حاضرة بالقرب من المياه وهذا ما نراه جلياً في معابد ربات المياه في جبل العرب، التي كان لها طراز معماري خاص، فهي مغلقة من ثلاث جهات ومفتوحة من الجهة الرابعة في معبد ربات المياه في "قنوات" والتي أخذت اسمها من المعابد اليونانية "نيمفيوم"، وهذا المعبد بني بجوار وادي الغار أي أن المياه الخارجة منه والتي تجري من خلاله عن طريق قناة مغطاة بألواح حجرية "ربدات"، تنقل المياه من ينبوع مياه قريب من المعبد وتدخل إليه بنوع من القداسة والأبهة الدينية التي تشعر من يزوره أن آلهة المياه تحرس المكان، وتحوم حوله ومن ثم تخرج هذه المياه من الجهة المفتوحة، وتفيض في وادي الغار مسبغة عليه نوع من القداسة والطهارة ومنه ترتوي الأراضي المجاورة وهنا تتبارك الأرض أكثر.

العلاقة بين المعابد

بدوره يوضح الباحث الأثري "خلدون الشمعة" مدير دائرة الآثار في السويداء أن الأمر ذاته يجري على معبد آلهة المياه في مدينة "السويداء" بالقرب من الكنيسة الصغرى، ويعود بتاريخه كما معبد "قنوات" إلى القرن الثاني الميلادي على الأرجح، حيث كان المعبد يغذى بالمياه عن طريق أقنية مياه كانت تأتي من بركة الحج، لأنه لم يعثر حتى الآن على أي نبع قريب وهناك يكون السيل المقدس من البركة إلى المعبد ومنه تخرج المياه لتروي حي المدينة الشمالي حيث يتبارك الإنسان والنبات.

الباحث الأثري نشأت كيوان

ويتابع الباحث "الشمعة" بالقول: إن مسألة التطهر قبل الدخول للمعابد هي طقس قديم يعود بجذوره منذ الألف الثالث قبل الميلاد في بلاد الشام وبلاد الرافدين ومصر وغيرها من مناطق العالم القديم، واستمرت في العصور الإسلامية كركن أساسي من أركان الصلاة وقد جاء القرآن الكريم: "وجعلنا من الماء كل شيء حي" أي إن القداسة كانت في صلب ماهية الماء".

الباحث الأثري خلدون الشمعة